صبراً أحرار الشّام، إنَّ موعدكم دمشق

من السيرة النبوية

لا تكادُ تغيب عن أذهاننا تلك الحِقبة الصعبة التي عاشها النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابُه منذ فجر البعثة النبوية في مكة المكرمة، والتضحيات العظيمة التي قدموها دفاعاً عن دعوة التوحيد والتي لا تزال تُحدِّث بها آثارُ السلف الخالدة لتكون نبراساً وهدياً للسائرين على هذا الطريق .. طريق الأنبياء والصالحين.

وما أذنَ الله للمؤمنين بالهجرة من مكة إلا بعد امتحانٍ وابتلاء وما كانت الهجرة إلا إشارةً ربانيةً إلى نجاح المسلمين في امتحان الصبر والثبات على الحق، لتبدأ مرحلةٌ جديدةٌ من الإعداد والتأسيس لبناء معسكر الإسلام الأول وانطلاق الفتوحات الإسلامية منه.

ثورة الشام المباركة

وهكذا رُسم طريق الأحرار، ابتلاءٌ فصبرٌ وثبات .. هجرةٌ وإعدادٌ .. نصرٌ وعزة، حتى عادَ الإسلامُ بنا غريباً كما بدأ، وعاد تاريخُ الأمة يروي حكايته من جديد على أرضٍ مباركةٍ قد تكفَّل الله بها؛ هي للإسلام محلَّ القلب من الجسد.

أطفالٌ صغارٌ أشعلوها ثورة شعب، صدحتْ الحناجر بالتكبير من جانب المحراب، فكُسرت قيودُ الذلِّ والعبودية، وضجَّت الساحات بجموع الثائرين، فاهتزَّ عرشُ قريشٍ من جديد واجتمعت شياطين الإنس لوأد تلك الثورة اليتيمة.

وعادت ” أَحَدٌ أَحَدْ ” لتكون شاهداً على ثبات أهل الشام، ومارس فرعونها ما يعجز عنه البيان من وسائل القتل والتعذيب بُغية صد الثائرين عن مطلب الحرية الحقِّ دون جدوى مع أرواحٍ مَزجت حلاوة الحريَّة مع مرارة العذاب فطَغتْ حلاوة الحريَّة وما عادت تأبه للعذاب!

– لا تُفارقني صورة شابٍ حرٍ دفنوه حياً ما نقموا منه إلا رفضَ التلفظ بعبودية طاغوتهم بشار بيدَ أنَّ القلب يأبى والجوارحُ تُقسم أنه لا معبود سوى الله، وكأنَّ صوتاً يهمسُ في أُذنَيه ” صبراً أهل الشام إنَّ موعدكم الجنّة ” –

جراح الشام

باتت الشام كجسد خالدَ ابن الوليد، مافي أرجائها شبرٌ إلا وفيه رائحةُ شظيةٍ أو دم طفلٍ ودمعات ثكلى! ، الموتُ يطرق أبوابها صباح مساء لتصير جنةً سرمديَّة يسكُنها مليون شهيدٍ ارتقت أرواحهم الحيَّة توَّاقةً لجاذبيّة السماء، لتصلي صلاة الميِّت على أرواح الأمة الميتة!

سبقت بنا بدرُ و أُحدٌ أحداثَ الهجرة، شربنا من نهر الأنفال، ذقنا حلاوته فأصيبَ الكثير منّا بالوَهَن، ثم أهملتْ الأسبابُ بالتنازُع والخلافات الداخليّة فذقنا طعم الهزيمة المُر، وكيدَت مؤتمرات الخيانة والكذب لتنحسر بقعة الثورة من حلب حتى درعا وتستقر في إدلب، هنا زُلزت الثورة زلزالاً شديداً، ولكن .. كذلك الرُسل تُبتلى!

حصار دمشق والغوطة

نصفُ عقدٍ ويزيد حوصرت فيه بعض المدن في شعابِ دمشق ، زائرُها الوحيد هو الموت بشتَّى ألوانه ، حرقاً وخنقاً تحت جحيم طائرات الروس وربَّما الجوع القاتل! ، والمشاهد من هولها تشيب مفارق الولدان ، بينما طرديةُ العلاقةِ مستمرةٌ بين ثبات أهلها ويأسِ العدو من التقدم! ، حتى فتح الله لهم باب هجرةٍ جديدة نحو شُعلة الثائرين والأحرار ليمحّص الله الذين ثبتوا ويمحقَ الضفادع ومروِّجي مصالحات الذل والخيانة ؛ وليذهب الزبد ويبقى ماينفع الثورة والجهاد.

الحصن الأخير ومنطلق الفتح

واليوم نعيشُ في إدلب ضيقَ الأحزاب من جديد ، ليس لنا من يُخذِّل عنا ما استطاع ؛ ولن يكتمل حفر خندق الحقِّ حول تلك المدينة حتى تُحطَّم صخرة التفرُّق الصمَّاء ، ونكمل طريقنا باعتصامٍ ووحدة ؛ لتُفتح لنا قصورُ الشام البيضاء وتُكسر أصنام الطُّغاة ويُذلّ مؤيدوهم، فالتاريخ اليوم نحنُ من يكتبه والمصير يُحدَّد بأيدينا إن حققنا شروط النصر مع حسن الظنِّ بوعد ربنا وصدق التوكل عليه.

والعبرة أنه ما كان فتح مكة إلا بعد مرارة العذاب وشدة الحصار وامتحان الهجرة وضيق الأحزاب! ، وما كُسر التتار بعين جالوت إلا بعد سقوط بغداد عاصمة الدولة العباسية! ، ولن يكون لنا بعد الهجرة وضيق الأحزاب إلا فتحُ دمشق ونصرٌ من الله إنَّ الله لا يُخلف الميعاد.

فيديو مقال صبراً أحرار الشّام، إنَّ موعدكم دمشق

أضف تعليقك هنا