صلح الحديبية بشائر النصر والتمكين

اختبارات الحياة

الحياة مليئة بالإختبارات سنها الله تعالى تأديباً للمسلمين وتمحيصاً لهم حتى يعلم سليم القلب ممن يتبع هواة فقد قال الله تعالى: “أحسب الناسُ أن يُتركواْ أن يقولوٓاْ ءَامنا وهم لا يُفتَنون* ولقد فتنا الذين من قبلهم فليعلمن الله الذينَ صدقواْ وليعلمن الكذبين” ولقد جسد صلح الحديبية في عهد النبي اختباراً شديد الوطأة على النبي وأصحابه فقد جمع النبى أصحابه في شهر ذي القعدة من العام السادس من الهجرة لأداء مناسك العمرة وساقوا أماهم الهدي سبعين من الإبل.

ولكن ما إن اقتربوا من مكه حتى جاءهم رجل من قريش يخبرهم بأن قريش جاءهم خبر قدومهم وقد جمعوا لهم الجيوش، وأقسموا أن لا يدخل النبي وأصحابه مكة عنوة، فأخبره النبي صلى الله عليه وسلم أنه ما جاء للحرب، وإنما جاء لأداء العمرة ثم العودة إلى المدينة، ولكن إن حاربوهم سيحاربهم النبي، وإثباتاً من النبي بصدقه وحسن ناوياه أمر أصحابه بأن يغيروا الطريق، ويدخلوا مكه من جهة اليمين وعند وصولهم موضعا يسمى الحديبية بركت ناقة النبي ولم تكمل الطريق، فقال الناس خلأت ولكن النبي علم أنها ما جلست فى هذا الموضوع إلا لحكمة من الله فأخبرهم أنها ليس بخلقها أن تعصي ولكنها جلست بأمر من الله.

توقيع وثيقة الحديبية

وتوالت وفود قريش إلى النبي في الحديبية لتثنيه عن دخول مكة ولكن النبي أبى حتى أرسلت قريش رجلا منهم يدعى سهيل بن عمرو أمروه بأن يصطلح مع النبي على أن يعود عامه هذا، ويرجع ليعتمر العام القادم حتى لا يقال أن المسلمين دخلوا مكة عنوة وهنا ظهر إجحاف قريش على المسلمين واختبار الله لأصحاب الرسول، ومدى ضبطهم لنفوسهم وطاعتهم برغم الإكراه. فقد كانت الشروط التي أملاها المشركون شديدة الظلم فمن الشروط التى قد نصت المعاهده عليها:

  1. أن يعود النبي من عامة هذا ثم يرجع للاعتمار في العام المقبل.
  2. أن من ذهب إلى النبي مسلماً أعاده إلى المشركين ومن ذهب إلى المشركين من المسلمين لا يُعيدوه إليه.

وهاذان الشرطان كانا من أكثر الشروط إيلاماً فى قلوب المسلمين، وزاد على هذا أنه أثناء كتابة العقد رفض سهيل بن عمرو أن يكتب محمد رسول الله، بل قال لعلي اكتب محمد بن عبد الله فلو نعلم أنك رسول الله ما قاتلناك، فأحس أصحاب الرسول بالإذلال في هذا الموقف فقال عمر بن الخطاب لرسول الله ” ألست برسول الله؟ قال: بلى، قال أولسنا بالمسلمين؟ قال: بلى، قال أوليسوا بالمشركين؟ قال: بلى، قال: فعلام نعطي الدنية في ديننا؟ فقال رسول الله: أنا عبد الله ورسوله، لن أخالف أمره، ولن يضيعنا.

وانتهوا من كتابة الوثيقة وأمر الرسول أصحابه بالتحلل من الإحرام وذبح الهدي، وعاد المسلمون وهم كاظمون الغيظ ولكنهم ضربوا أروع الأمثال في الامتثال لأوامر الله برغم كرههم، ولم يجادلوا أو يماروا وأثناء عودة الرسول إلى المدينة نزلت سورة الفتح على الرسول تبشره بالنصر القريب تسلية وتصبيراً له وللمسلمين وبياناً للأجر العظيم الذي أعده الله لهم.

إسلام إبي بصير

وتجلت حكمة الله عندما أسلم رجل من قريش يسمى أبا بصير، وذهب إلى رسول الله ولكن رده رسول الله امتثالا لشروط الصلح وعدم نقضه، وأمره الرسول بالصبر وأن الله سيجعل له وللمستضعفين مخرحا، وبعثت قريش رجلين ليأتيا بأبي بصير وأثناء عودته معهم إلى مكه قتل أبو بصير الرجلين المشركين، وهرب واستقر في موقع تمر به قوافل قريش إلى الشام.

وكان يقطع الطريق عليهم وكان كل من يسلم من قريش يذهب لينضم إلى أبي بصير وكوّنوا جيشاً يقطع الطريق على مشركي مكة فلما ساءهم الأمر استجاروا برسول الله من أبي بصير وأتباعه وأخبروه بأن ينهوا هذا الشرط، والسماح لمن أسلم أن يذهب إلى جوار رسول الله في المدينة على أن يكفوا عن قريش أذاهم، وتمر قوافلهم.

وبعد صلح الحديبية بشهرين أوفى الله بوعده ونصر رسوله على اليهود في خيبر، ونال منهم الكثير من الغنائم والأجر العظيم، وهكذا تبين لنا أن الخير دائما في امتثال أوامر الله ورسوله ولو كانوا عصوه لهلكلوا، ولكن أراد الله أن يعلّم المسلمين أنه رُبّ شيء نحسبه شراً والله يعلم فيه خيراً عظيما، كما أوضحت الحديبية مدى عزة المسلمين ودفاعهم عن النبي وعدم التخاذل عنه.

فيديو مقال صلح الحديبية بشائر النصر والتمكين

 

أضف تعليقك هنا