في تعريفي لمفهوم الحرب

بقلم: مازن عماد

ما هي الحرب؟

الحرب ما هي إلا صراع بين بلدين أو أكثر على من لديه طموح أكبر أو من لديه صديق خيالي أفضل أو من لديه أصدقاء أكثر. فعندما نمعن النظر في المذبحة الأولى (الحرب العالمية الأولى) نرى أنها تتعلق بالنوع الثالث “من لديه أصدقاء أكثر”، ونجد أن أحد أصحاب الكروش الممتلئة (الأرشيدوق فرانز فرديناند) ولي عهد النمسا قد قتل من قبل أحد الطلاب الذي انغمس في خمر القومية الصربية (غافريلو برينسيب)، ومن تلك اللحظة علا صوت الموسيقى حتى كاد الاوركسترا يقطعون أوتار آلاتهم وأيديهم فقد انطلقت شرارة ذاك السلاح وكأن أحدا قد اشعل عود كبريت في غرفة امتلأت بالغاز واشتعلت النيران.

تلك النيران قد نشبت في الطابق الأخير من ذاك المبنى الذي نسميه كوكب الأرض، وهذا الطابق عرفه ساعي البريد بطابق الأغنياء، منزل مرصع بالذهب والفضة والمجوهرات والذهب والياقوت والذهب مرة أخرى، الكل فيه يتكلم بطريقة مختلفة على حسب جنسيته ومعظمها مضحك فعلا والكل يلبس البدلات الرسمية فيه حتى الكلاب الأليفة يتعجب الطابق الأرضي من كيفية تحملهم لكل هذه الملابس. رباه كم يكلف هذا المنزل؟ تسعة ملايين ربما؟ نعم تسعة ملايين روح.

وكم أحب ذاك النوع من الحروب يذكرني بأيام الصبا عندما كنا نتعارك في مجموعات وكل خليل يدافع عن خليله كنت أشعر اني جندي في مثل تلك الحروب لكن دون أن نزهق أرواح تسعة ملايين إنسان بالطبع! ( إنسان تعني كثير النسيان).

خسارة أن هذا المنزل احترق من 28 يوليو 1914 إلى 11 نوفمبر 1918 وتغير الذهب الأصفر إلى الذهب الأسود وعلى الطوابق الأخرى أن تتحمل عبء ذاك الذهب الأسود الذي يقطر على أدمغتهم ويجذب ما لا تتمنى أن تجده في بيتك أبدا، العم سام.

قصة العم سام

في سنة 1912 تحديدا أخذ هذا الاسم من جزار محلي يدعى صموئيل ويلسون وكان الجزار يمد القوات الأميركية بلحم البقر وكان يطبع على براميل هذا اللحم حرفي U.S. وتعني الولايات المتحدة لكنهم أخذو الحرف U وترجموها على أنها Uncle عم و S وتعني سام وبعدها بسنين بعد التطور صوروه على أنه رجل هرم شعره أشيب يشير إليك دائما وجعله رمزا لهم.

فبذالك نجد النوع الرابع الذي لم أستطع وبصدق أن أنسبه لإخوته الثلاثة لغرابته عنهم ففي معظم الحروب تجد الشغف والرفعة والجهاد والوطنية والقومية والاتحادية وتلك الكلمات الكبيرة التي توحي بشيء أكبر. هذا الشيء يتمحور على نقاط معينه أساسها ثانوي وقد تكون مشكلة أنثروبولوجيا أو راديكلية تقع على قطبين أحدهما سالب والآخر موجب وعندما يلتمسان يحدث قوة مغناطيسية بينهما وهذا هو قانون الجاذبية لنيوتن. معذرة فأنا أهذي وكذلك الحرب الكثير من الهذيان! فلذلك لم أستطع حقا أن أنسب هذا النوع إلى باقي الأنواع.

تخيل معي قاعة مؤتمرات كبيرة مما تشاهدها على التلفاز تلك وقد جاءت الكثير من البدل الرسمية ومنهم بدلة ربطة عنقها زرقاء. أتى الصحفيون ووسائل الإعلام وساعي البريد ليشاهدوا هذا الاجتماع وتبدأ الشاشات تعرض صراعات ومخابئ أسلحة وأناس حزينة وأخرى تبكي وأخرى من فرط الدراما تصرخ. انعقد المجلس والحضور قد جلسوا وكل شيء يمشي حسب البروتا.ا لبرتو. البرتيا. رباه ماذا كانت تلك الكلمة؟! آه تذكرت بروتوكول.

تنظر حولك فتجد الكثير من العرب إخوتك خلفك يبدو عليهم أنهم أتوا ليشاهدوا فقط، تقف ربطة العنق الزرقاء فجأة لتلقي عليك تهما لم تعرف أنها موجودة في القانون من الأصل مثل حملك لسلاح نووي يمكن أن يؤذي العالم أجمع وأنت ابن فلاح تجهل هذا الأمر، أو أن شعبك يعيش دكتاتورية قمعية بحتة وله الحق أن يعيش في ديمقراطية وحرية وأتحداك أن يستطيع أحد منهم أن يكرر تلك الكلمات ثلاث مرات متتالية، أو أنك تأوي في سرداب بيتك القاعدة وأنت أكثرهم ضررا من ذاك الأخير.

والكل يقر على ذلك وتبدأ الأصوات في التعالي في وجهك وبعضهم من الغضب احمر وجهه الأبيض واختلطت تلك اللكنات الغربية والأوروبية معا، الخوف والرعب ملأ قلبك فتثبت لوهلة في انتظار أن تختلط اللكنات العربية لكنك لا تسمع شيئا، فتنظر خلفك لتجد المقاعد خالية وما من أحد سوا رجل لم يجد مقعدا شعره أبيض وقصير يرتدي هو أيضا ربطة عنق زرقاء ينظر إليك في خبث، ولحظة أن تستدير وترجع إلى وضعك تجد الأسلحة مصوبة ناحيتك.

الحرب نوع من الهذيان

ألم أقل لك إنها الكثير من الهذيان. في ذاك الوقت كان العم سام سكيرا بعض الشيء فبعد أن تركك غارقا في دمائك التي يسبح فيها الذباب، اعتذر اعتذارا يكمن عن أسف شديد حيال ما حدث لك هو وكل من صرخ في وجهك ويحاول أن يجفف دموعك قبل جراحك وأن يجلعك تقف مستقيما لكن ما هو بقادر على أن يوقفك على قدميك وما أنت بواقف مرة أخرى فقد تسلل سرطان أسود في قدميك زاد الطين بلة.

الكل ينظر في أسف ويواسون العم سام الذي حس بالذنب الشديد ويتساءلون عما حدث ولماذا كل هذا؟ وكأن عاصفة نسيان قد جابت الأرض غربها قبل مشرقها وطويت الصحف وتركك الجميع ( إنسان تعني كثير النسيان)، وهناك وقف رجل على صدره نسر صلاح الدين وقد بكى الأخير، رأى المشهد وما بيده حيلة، وفي سخرية نابعة من حضارته قال: يا ويحنا!.

أتدري؟ لم تحرق بغداد فقط فحدث ذلك مع كثير قبل وسيحدث أكثر بعد بغداد، والسبب الحقيقي لكل هذا الهذيان أن الخمر الأسود كاد أن ينفد من عند سام فاضطر أن يأخذ القليل منك وممن حولك. ها هي الموسيقى العربية تعزف لحنا أندلسيا من مقام نهاوند تطرب لها الأذهان لأنها كلما عزفت عرفنا أن المصائب لم تنته بعد، فالربيع يأتي بما يشتهي العم سام.

أسباب الحروب

هذا هو النوع الرابع الكامن عن الذهب الأسود الذي كان يرشح من الجدران وكنا نعتقد أنه عسل أسود، هناك النوع الثاني الذي نسيت أن أحدد الفكرة في تسميته “من لديه صديق خيالي أفضل” هذه مقولة للقصير نبليون بونبارت حينما قال” الحروب الدينية هي في الأساس اناس يقتلون بعضهم البعض على من لديه الصديق الخيالي الأفضل”، كلا الجهتين على خطأ فإذا كان أحدها على صواب ما كانا اقتتلا في بادئ الأمر لأن كل الأديان السماوية دعت إلى السلام والمحبة. وابحث إذا أحببت عن آية في القرآن أو سفر من الإنجيل يدعو للاقتتال هكذا.

تلك الحروب موجودة من عشرات القرون ومستمرة لعقود وطويلة الأمد، ويستحيل أن تعرف أصل المشكلة إلا قليلا من الحقيقة مندسا في الكثير من الكذب والتخريف، أمور أخاف أن أتدخل فيها حقا، عبث في الدين وتأليف من جهلة أغبياء يظنون أن الدين للناس والله عز وجل عليه فقط أن يضع الناس في النار أو الجنة على حسب هواهم والأغلبية في النار بالطبع.

والنوع الأول “من لديه طموح أكبر” يتضح لدينا في صورة الديكتاتور الطموح الوطني الجسور يبحث دائما عما يفيد شعبه، ويزرع روح الوطنية في نفوسهم وأحيانا يصل الأمر إلى حد العبادة..هتلر..الحرب العالمية الثانية. الريخ الثالث. أعتقد أن الصورة بدأت تضح أكثر لديك، هؤلاء الدكتاتوريون يلتمسون تلك الأفكار دائما من الاسكندر الأكبر، أو من حضارة الرومان الضخمة والكل قد اتفق أن لقيام إمبراطورية عريقة وقوية يجب أن نمد من الأراضي مدا، وأن نقتل من الناس ما تطوله أسلحتنا، وأن نسعى في الأرض ننشر مذهبنا بالقوة والعنف. ولماذا كل هذا؟ّ لأنهم لم يفكروا في الحضارة الإسلامية التي اتسعت بحضارة عريقة علمت العالم وأذهلت البشرية بسلام “لكم دينكم ولي دين”، لكنهم قوم لا يعقلون.

قد تسمع عن حروب الجيل الثالث والجيل الرابع والكثير من مهاترات ساعي البريد ذاك الذي لا يكف عن الحديث، لا تسألني عنها أرجوك فقط ضعت في دوامة من النظريات غير المنطقية والتي أجدها مشابهة للأنواع الأربعة التي ذكرتها مسبقا، وقد تكون تركيبة نوعين أو أكثر من تلك الحروب لكنها لا تشكل نوعا جديدا، فإذا خلطت نوع سم مع نوع آخر سيظل سما لكن أشد فتكا.

سبب حديثي في هذا الأمر أني ألاحظ أن الناس بدأت تستمتع بالأمر، أو لا تكن أنت من تستمتع لكن أطفالك والشباب يستمتعون بالأمر، كثير من الأحيان أشاهد التلفاز وأنا آكل على فيلم مليئ بالدماء والقتل وزهق الأرواح ومشاهد مقززة ومعدتي صامدة، وكأن شيئا لم يكن وأبي الذي تربى على أن كل ذلك خطأ من هول المنظر أغلق التلفاز فأحس أني أقوى منه، ولكن العكس بل هو الأذكى، وكألعاب محاكاة الواقع لا أقوم من عليها إلا عندما أتأكد أني قتلت ما يكفيني لهذا اليوم وكلما أقتل أحصل على أموال أكثر. أقتل لكي أحصل على أموال افتراضية أكثر ربّاه!.

هل سنرى حروب بغرض التسلية فقط؟

لا أريدك أن تتعجب إذا كثر القتلة المتسلسلون في المستقبل، أو نشبت حروب فقط من أجل التسلية، لأنك عندما تموت في لعبة حرب تعيد المهمة من البداية أو ما يسمونه ال checkpoint، في الحقيقة ليس هناك إعادة. في الحقيقة ليس هناك تلك الابتسامة التي تنم عن سعادة غارمة. إذا أصبت أحدهم في الرأس. في الحقيقة ليس هناك ذلك العبوس عندما تموت، بل ستجد صرخة روح أصابتها رصاصة شر، رصاصة سلبت أباً من أولاده أو ولداً من أهله وأصحابه. الحقيقة هي أنك ستصرخ ألما إذا قتلت أحدا ليس كما يصورون في التلفاز أن القتل سهل. ليس بالسهل أن تزهق روحا بريئة كانت أو ظالمة، فلن تحدد أنت شيئا لأنك لست بإله.

أصبحنا في عالم مظلم كسرنا شوكة نوره بأيدينا البشرية، ونلقي اللوم على بعضنا البعض لنزيد الظلام ظلام. ولا تكن كالجالسين بجانب الحطام تبكي وتندب أو أنك لست بحاجة لأن تقف بجانب الحطام، بل يمكنك أن تكلم ساعي البريد هو من سيوصل أنينك إلى كل العالم، ولا تكن كمن باع كل شيء، ويمشي في الظلام كالماعز منتظرا أن يقع في حفرة الموت. وفي النهاية يمكن أن نستنتج تعريفا أفصح عن الحرب، الحرب: دماء بلا قيمة وشعوب بلا حيلة.

بقلم: مازن عماد

 

أضف تعليقك هنا