منفتحون ولكن..

الثقافة والانفتاح

أن تكون مثقفاً لا يعني أنك منفتح، أن تكون متعلماً لا يعني أنك منفتح، أن تتبع الموضة لا يعني أنك منفتح. وإن كان الباحثون لم يتفقوا على تعريفٍ محددٍ للانفتاح؛ فهذا لا يعني أنّ ما ذُكِرَ سابقاً يُعطي معنىً واضحاً للانفتاح وماذا نقصدُ به. حتماً لا نقصد التَفلُّت والحرية الفضفاضة والشذوذ عن القواعد المجتمعية والدينية والأخلاقية، إنّما الانفتاح الفكريّ والعقليّ بمعناه الواسع وما يشمله من مفاهيم وفِكر. فالشخص المنفتح اجتماعياً لا يعني بالضرورةِ أنه مُنفتحٌ فكرياً.

منفتحون ولكن هذا لا يعني أنّنا نخرج عن المألوف، أن نَخرقَ الضوابط ونَكسِرَ القوانين، وأن نقبلَ الخطأ فيصبح أمرا طبيعيا بحجة أنّنا منفتحون ( open-minded ). منفتحون ولكن هذا لا يعني أن نقبلَ كل شيء او نرفضَ كل شيء. الانفتاحُ أن نتمتعَ بشخصية نَشِطة في أيّ مجالٍ تَقتَحِمه، قادرة على التواصل مع الآخرين والانسجام والتوافق معهم، شخصية قويّة فعّالة بإمكانها اتخاذ القرارات المؤثرة والثابتة في أيّ مكان تتواجد فيه.

التفكير الإيجابي

الانفتاح هو توسيع مَدَارِك العقل والتفكير الإيجابي، لكن هذا لا يعني أن نُصدّقَ كل ما نسمع او كل ما نقرأ. هنا يكمن دورنا في البحث والتفكّر، البحث عن الأدلة والبراهين لنأتي بتفسيرٍ واضحٍ واستنتاجٍ سليمٍ يُقنعنا. فتقبُّلنا واعتقادنا بصحة بعض الأفكار والمفاهيم اللاعلميّة لايعني بأيّ حال أنّنا منفتحون فكرياً، بل ربما هذا يَقودنا إلى الانغلاق الفكري تماماً.

هذا لأننا عادة ما تكون أفكارنا مبنيّة على معلومات مغلوطة وفهم غير دقيق، وفهمنا للانفتاح بحد ذاته مغلوط، حيث يرتبط في وقتنا الحالي باتباع آخر صيحات الموضة و امتلاك أحدث الهواتف الذكية وإنشاء حسابات على مواقع التواصل الاجتماعي وارتدائنا للجنيز الممزق واحتساءنا للقهوة مع كتاب لم نعرف عنه سوى عنوانه وصورة غلافه، وحضور الحفلات، وإن لم نفعل فنحن معقدون متأخّرون.

أن نكون منفتحين فكريا يعني ببساطة أن نكون مستعدين لتقبّل واعتماد أفكارٍ ورؤى جديدة ومختلفة. العلم بجميع صوره يتقدم ويتطور باستعدادنا لتقبل أفكار جديدة، ويتطلب طرقاً جديدة ثورية للتفكير والتجارب. أن ننفتح على ثقافة الآخر لا يعني أن تُهمل ثقافتنا ونخفيها خجلاً من نشرها للآخرين، هذا هو الانغلاق الفكري الذي يمنع تقدم المجتمعات لتشبث أفراده بأفكار بالية أكل عليها الدهر وشرب، مما يُعيق عملية التنوير والتطوير الفكري، ونمو المجتمعات على جميع الأصعدة السياسية، الاقتصادية، المدنية والعلمية.

تقبل الآخرين والانفتاح المتبادل

أن نكون منفتحين أن نقبلَ الآخرين ويقبلوننا. انفتاح من الطريفين، أن نأخذ ونعطي لا أن نأخذ فقط. أن نكون منفتحين أن نناقش الأفكار لا أن نقبلها رغم اعتراض عليها او عدم اقتناعنا بها، أن نُحلل، نُفكّر ، أن نقرأ في جميع المجالات، نقرأ فعلاً لا استعراضاً، نقرأ فهماً لا سرداً، نقرأ عقولاً لا أشخاصاً وأسماء. أن نكون منفتحين لا يعني متفلّتين دينياً، فالدين انفتاح لا انغلاق كما يصوره البعض لا دين يُعيقُنا عن التقدم في أي مجال من مجالات الحياة، لا دين يمنعنا التواصل مع أي فرد من أفراد المجتمع، لا دين يمنعنا من التفكّر والعلم والتعلّم والحب والمرح والفرح.

لكن..

أن تكون منفتحاً أن تحيَا بما يناسبك أنت بضوابط ومبادئ مجتمعية فكرية شخصية تقبلها أنت، تقتنع بها أنت، لا أن يفرضَها عليك الآخرون تُقيدك، أفكار تناسبهم لا تناسبك. أن تكون منفتحاً يعني أن تطرح أفكارك حتى لو لم تعجب أحدا، منفتحون، ولكن ينقصنا الفهم، منفتحون، ولكن تنقصنا الأدوات للفهم منفتحون ولكن ينقصنا أفراد وأفكار. منفتحون لكن متأخرون علميا، اجتماعيا ،فكريا واقتصاديا. فانغلاق الأفراد حول ذاتهم يمنعهم من فهم المقروء والارتقاء بمستوى ثقافي راقٍ.

فيديو مقال منفتحون ولكن..

 

أضف تعليقك هنا

ياسمين الموعد

كاتبة فلسطينية