مواقع التواصل الاجتماعي وفوضى الألفاظ النابية

مع بداية العقد الماضي ذاع صيت وسائل التواصل الاجتماعي في الشرق الأوسط عموماً، وكان لانتشار تطبيقات وبرامج التواصل مع الغرباء الدور الكبير في ردم فجوات عديدة نفسية واجتماعية، وساعدت على كسر العديد من الحواجز اللازم كسرها ولكن في ذات الوقت كانت هذه الوسائل – وبالذات فيسبوك – بوابة لإنتاج طباع وقيم غير مألوفة في البيئة الاجتماعية العادية.

الكلام النابي والمفردات الخادشة للحياء

فقد انتشرت عبارات الشتم والقذف والجمل الخالية من رقابة الحياء عليها، هذه المفردات التي ما كانت لتلفظ إلا في الشوارع حتى أن من يتلفظ بشتيمة مسيئة أو لفظ بذيء أمام الناس كان يسمّى: ابن شوارع، لا أنكر وجود الشتائم قبل وسائل التواصل، ولكنها كانت حبيسة في الأزقة، أمام الأفران، عند نشوب مشاكسة بين شخصين، أو ربما في نطاق المزح الضيق، لكننا لم نكن نسمع المعلم ينطق بها ولم يرد على أسماعنا أن طبيباً قد يتلفظ بها، ولا يمكن أن تُنطق مثل هذه العبارات أمام الأطفال والنساء وذلك حياءً وحشمة من المتكلّم.

لن أقف عند الرادع الديني للشتم والسباب البذيء والتلفظ بكلمات عائبة نابية لأن ذلك معروف بالضرورة وواضح، فلا يمكن أن يقبل الشرع أو يستسيغ مثل هذه المفردات، مع أنّ حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم واضح:(إن الله لا يحب كل فاحش متفحش) لكنني أتكلم عن قضية أهم بكثير وهي أن تلفظ وتنشر هذه المسبات والشتائم على صفحات التواصل يقلل من هيبة الناشر لأنه يصبح شخصاً هزلياً مهرجاً لا أكثر، بل وينظر له أنه شخص غير سويّ أخلاقياً.

منذ أيام نشر صيدلي منشورات فيها كلمات بذيئة، فاعترض بعض أصدقائه فكان رده: أنها صفحتي الشخصية، أنشر فيها ما يطيب لي ولا يحق لأحد أن يطلب مني أن أنشر ما يوافق هواه. نعم صديقي هي صفحتك؛ ولأنك صيدلي ومن طبقة راقية جاءتك الانتقادات؛ لم ينتقد الناس ابن الشوارع حين نشر … انتقدوك أنت لأنك من الطبقة المثقفة والمطلوب منها أن تضبط المفردات وتوزنها.

بعد حادثة إصابة زوجة الديكتاتور الأسد بورم خبيث في الثدي، وكون هذه المنطقة من جسد المرأة تعتبر ملهماً لفنون الشتم والقذف، نالت أسماء الأسد نصيبها من الاستهزاء المحفوف بكلمات نابية ومعيبة، نشر مدرّس سوري معروف في تركيا منشوراً تضمنه ألفاظ لا يليق أن تذكر؛ فجاءته الانتقادات وكان رده كردّ سلفه الصيدلي

نصيحة أيها العزيز

لن أكلمك في الحلال والحرام ولن أقول لك إن هناك بين متابعيك نساء ومعلمات وطالبات ومن الحياء ألا يظهر منك تجاههن ما يخدش الأدب ويجاوز حدوده؛ لكن قل لي ما موقفك من ابنتك عندما تقرأ كلماتك هذه. ناشط يعرّف نفسه أنه صحفي، يفتح البث المباشر وأمامه باكيت الدخان وعلبة الكولا، وخلفه علم الثورة، ثم يدأ بالشتم والسب بأقذر الكلمات، هل هذه هي الصحافة؟ وهذه معايير الإعلام.

هل ذنب فيسبوك الأكبر أنه لا يمتلك مقص الرقيب الذي تمتلكه وسائل الإعلام العادية؟

طبعاً هناك صور وحالات كثيرة مسيئة للأخلاق ومتجاوزة لأقصى عتبات الاحترام والأدب. إن اللسان ينطق بالكلمة الجيدة والسيئة على حد سواء، ويستطيع الإنسان أن يعبر عن شعوره بكلتا الحالتين، فلمَ لا نختار الأسلوب الأنسب للتعبير عن مكنونات أنفسنا أمام الناس والمتابعين، لماذا لا نحافظ على اتزاننا ونضبط مفرداتنا؟.

اذهب إلى صفحات أحمد شلاش وشريف شحادة و بدر الدين حسون المحسوبين على نظام الأسد المجرم، وأظنها صفحات مزورة، فتابع تعليقات من ينتسبون للثورة – مع الأسف- وشاهد رداءة الطرح وسوء اللفظ، وكأن الكيد بالأعداء يكون بالشتائم، ثم تابع صفحة أفيخاي أدرعي الناطق باسم جيش الاحتلال الصهيوني، وتابع ردود وتعليقات المتابعين العرب لتقف حائراً أمام القاع الذي ازدحم وما عاد أحد يرغب أن يرتقي، وكأنّ الصهاينة افتتحوا هذه الصفحة لامتصاص مسبات وشتائم العرب الجنسية؛ وأجزم لو أن التعليقات كانت تتضمن كلها ردوداً شرعية وعلمية وأدعية على الصهاينة بالهلاك لما بقيت الصفحة أكثر من أسبوع، وكان الاحتلال سيقفلها.

ناهيك عن كون السباب يقلل من هيبة قضيتك وتدل على وضاعة هذه القضية بالنسبة لك، فقد أرسل صديق لي مرة يتحدث عن معركة داعش في مخيم اليرموك، وقال لي: انظر كيف فعلت الدولة بأمهات جنود النصيرية، فعلت فيهم كذا وكذا، وهو يقولها بفخر. فسألته:
– هل تعتبر التنظيم على حق؟
قال : نعم.
– إذاً تأدب في شرح فكرتك كي لا تسيء لقضيتك.
– هي كلمة تقال؛ وقصدت بها أنهم شردوا الجنود الظالمين ونكلوا بهم.
– أترى لو أنّك أردت الحديث عن غزوة بدر هل يصح منك قول أن جيش المسلمين فعل كذا وكذا بأمهات المشركين كناية عن النصر العظيم؟

ظروف خاصة يعذر فيها المرء 

للأمانة قد يُعذر من ينطق بالسفه من القول إن كان غاضباً أو لظرف ما، لأننا نعلم أن لكل إنسان قدرة على ضبط نفسه وقد يصل لحدود لا تنضبط معه هذه النفس فتتفلت منه كلمة أو جملة في غير محلها، هذا الناطق أما الكاتب فما عذره؟ فالكتابة تعني الهدوء والتروي، وحتى إن كنت غاضباً ونشرت ما لا يُقبل نشره، فلديك القدرة على حذفه. فما من عذر مقبول لهذا الكم الهائل من السباب والشتائم وقذارات الألفاظ على هذا العالم الافتراضي.

ما عبّر الكلام الطيب في قضية إلا زاد من شأنها ورفع من قدرها، ولا حلت البذاءة في موضع إلا كانت وبالاً على القائل في الدنيا والآخرة، منبوذ في الدنيا لبذاءة لفظه، محاسب في الآخرة بجريرة لسانه؛ وهل يكب الناس في النار على مناخرهم إلا حصائد ألسنتهم؟.

فيديو مقال مواقع التواصل الاجتماعي وفوضى الألفاظ النابية

أضف تعليقك هنا

أحمد الصالح

أحمد الصالح