هل انقسمت حتى شعائر وحدتنا؟

اختلاف المسلمين حتى في الشعائر التي وجدت لتوحدهم

منذ عامين تحديداً كتبت معبراً عن استنكاري ودهشتي الشديدين من العشوائية في صفوف المصليين في صلاة العيد، وتذكرت حينها قبل ذاك العيد بسنوات اختلاف زمرة من المشايخ مع مجموعة من كبار قريتنا الصغيرة على صيغة التكبير.

وأنا جالسٌ اليوم في عيدنا هذا أطالع تلك الفجوة التي تتسع وتستشري بين صفوف المصليين بقريتنا كمرض خبيثٍ ينتشر في جسدٍ كهل، تلك الفجوة من اللاوحدة التي أخذت في الازدياد والله يعلم إن كانت ستقف عند هذا الحد أم لا، حضرني قوله تعالى (إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنْيَانٌ مَرْصُوصٌ )

تفسير قوله تعالى (بنيان مرصوص)

تأملت هذه الآية وهذه  الجملة البليغة (بنيانٌ مرصوص) التي يحدثنا بشر في تفسيرها، ” قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: (إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنْيَانٌ مَرْصُوصٌ ) : ألم تر إلى صاحب البنيان كيف لا يحبّ أن يختلف بنيانه، كذلك تبارك وتعالى لا يختلف أمره، وإن الله وصف المؤمنين في قتالهم وصفهم في صلاتهم، فعليكم بأمر الله فإنه عصمة لمن أخذ به. ”

فالآية وما فيها من أمرٍ بالاصطفاف والتوحد ليست محمولة فقط على انتظام صفوف القتال في المعارك فقط لكن تُحمل أيضاً على الصلاة، بل إن انتظام وتوحد صفوف الصلاة بمثابة لبنة الأساس وبداية التمهيد للتوحد الأعظم في كل من العقيدة والغاية والرسالة وأخيراً في ميادين القتال؛

أوليس الذي نحن فيه الآن _من فرقةٍ وانقسام_ ما هو إلا انعكاس لعجزنا عن توحيد صفٍ لا يتعدى بضع عشراتٍ من الأشخاص؟! فكيف نأمل أن يتوحد المليارات منهم مختلفو الألسنة والعقول والعادات ومنفصلو المكان والجوار!

صور من انقسام الناس وعجزهم عن توحيد كلمتهم

الصورة الأولى (انقسام المصليين على صيغة التكبير)

وبالعودة لقريتنا الصغيرة التي يظهر فيها الغريب كالنجم اللامع في الليلة الظلماء، وبالعودة تحديداً إلى أول مرة ألحظ فيها ذاك الانقسام المتنامي. عندما انقسم المصليين إلى قسمين اختلافاً على صيغة التكبير، بين متمسكا بالمعتاد والمألوف : ” الله اكبر الله اكبر الله اكبر لا الله الا الله، الله اكبر الله اكبر الله اكبر والله الحمد، الله اكبر كبيراً والحمد لله كثيراً وسبحان الله بكرة وأصيلا لا اله الا الله وحده صدق وعده ونصر عبده وأعز جنده وهزم الأحزاب وحده لا اله إلا الله ولا نعبد إلا إياه مخلصين له الدين ولو كره الكافرون. اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد وعلى أصحاب سيدنا محمد وعلى أزواج سيدنا محمد وعلى ذرية سيدنا محمدٍ وسلم تسليماً كثيراً ”

وفريقٍ آخر يرى أن هذا ابتداعا وأنه ينبغي الاكتفاء بالصيغة المختصرة : ” الله اكبر الله اكبر الله اكبر لا اله الا الله، الله اكبر الله اكبر الله اكبر ولله الحمد ” إنقساماً تمادى إلى مشادة كلامية وتعالي الأصوات وتخاطف الميكروفونات تاركاً خلفه جمهور من الناس محتارون ومشتتون، فخرجت التكبيرات يومها غير متناسقة يملؤها النشاز والتفاوت وانتهى الأمر بقضاء أحد الحكماء أن تُذكر كل صيغة مرة بالتبادل.

الصورة الثانية (تعرج صفوف المصليين)

في عيدٍ آخر بدأت ألمس نمو الانقسام ذاك في تعرج صفوف المصليين. فتجد البعض متقدمون والباقين متأخرون، البعض يرى أن نلتزم بالخطوط المرسومة على الأرض ضاربا بعرض الحائط تنسيق من حوله، والبعض يرى أنه من المهم أن نصطف بالنسبة لبعضنا البعض بلا إعتبارٍ لخطوط او غيرها، لم يصل الأمر لهذا الحد فقط! بل في نفس العام انهالت الصور على مواقع التواصل لمصليين يصلون في اتجاهات مختلفة!! لصفوف مختلطة من النساء والرجال، وصفوف رجالٍ خلف صفوف نساء!! ، تبعتها صيحات الاستنكار من تلك العشوائية وذاك الاستهتار لكن بلا جدوى!

الصورة الثالثة (الإختلاف في تكبيرات العيد)

وأخيراً في عيدنا هذا تخطى الأمر مجرد الاختلاف على الصيغة او تعرج الصف _ اللهم ليس استهوانا بهاذين _ لكي يصل إلى انقسام الناس إلى مجموعتين يجلس كل منهما في مكانٍ مختلف يبعد عن الآخر مترات وكلا منهما ينادي الأمام ليتقدمه ويكبّر، ظل الأمر هكذا وترتب عليه عشوائية وتخبط وتقدم بعض الصفوف على الأمام الذي كان من الضروري أن يختار أحد المكانين وتفاوت التكبيرات ونشازها إلى أن أنقضت الدقائق سريعةً ورفع الإمام صوته أن ” استقيموا ” لصلاة العيد ولكن هيهات!

تساؤلات تعتصر القلب فهل من مجيب لها؟

ما أحاول قوله هو، إن كان هذا هو حال وديدن مجتمع قريةٍ صغيرة يعرف فيها كل شخص الآخر فما بالك بمجتمع المدينة التي طبيعة أهلها الانقسام لما فيها من سرعة رتم الحياة وانشغال كل واحدٍ بأموره وانعزال البيوت والمساكن! فما بالك بدولة؟ فما بالك بأمة؟

وإن كانت الشعائر التي أقرها ديننا الحميد ليوحد بها غايتنا ورسالتنا ويزرع فينا روح الجماعة والتوحد، هي في حد ذاتها قد نالت من بنيانها شروخ الانقسام، فما الذي سوف يوحدنا؟

أقتصر الانتظام والتوحد على تراص بعض الأشخاص جنباً إلى جنب لإلتقاط صورة بعد الصلاة فقط! أهذا ما أفلحت في نظمه وصفه الشعائر؟

ولما يسكت الأئمة الأفاضل والعلماء الأجلاء عن أمرٍ بتلك الخطورة، ربما قد يكون لب انقسامنا الكبير وتشتت غايتنا وأهدافنا.

فإلى الله نشكوا، وكل عام وأنتم بخير، وكل عام وأنتم أقرب ما يمكن إلى أن نكون كالبنيان المرصوص.

فيديو مقال هل انقسمت حتى شعائر وحدتنا ؟

أضف تعليقك هنا