حقيقة الخطأ والضعف الإنساني في الإسلام

ما هي طبيعة الإنسان في الإسلام؟

الإجابة نقرأها فى الآيتين 71 و 72 من سورة ص: (إِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِّن طِينٍ (71) فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ).

الإنسان قبضة من طين الأرض، و نفخة من روح الله.  

قبضة من طين الأرض، تتمثل في حقيقة الجسد كأعضائه، وتتمثل في مطالب الجسد، وتتمثل في نشاط الجسد من دوافع وغرائز كالجوع والعطش والجنس على سبيل المثال.

ونفخة من روح الله، تتمثل في الجانب الروحيّ للإنسان، كالوعي والإدراك والإرادة، كذلك تتمثل هذه النفخة الإلهية في كلّ القيم والمعنويات التي يمارسها الإنسان.

فالخير والبِرُّ والرّحمة والتعاون والإخاء والمودة والحب والصدق والعدل والإيمان بالله والإيمان بالمثل العليا، كلّ ذلك نشاط روحي، أو قُلْ نشاط قائم على قاعدة روحيّة.

والمعنى الإجمالي المستخرَج مما سبق: أن الإنسان ذو طبيعة مزدوجة، وهو بهذا الازدواج كائن منفرد في كل ما نعلم من مخلوقات هذا الكون، تلك التي تمثل طبيعة واحدة  ذات وجهة واحدة.

أمثلة عن كائنات تختلف في طبيعتها عن طبيعة الإنسان

فالحيوان على سبيل المثال -حتى في أعلى درجاته التي تشبه الإنسان فى تركيبه الجثماني- مخلوق ذو طبيعة واحدة، جسمه هو الموجِّهُ له، وتصرفاته الغريزية هي كل عالمه، يأكل و يشرب و يؤدي عملية الجنس بدافع جسدي بحت، لا إدراك فيه لهدف، يأكل حين يدفعه الجوع، ويُمْسِك حين تقرر له الغريزة حدَّ الاكتفاء، وينشط نشاطه الجنسي في موسم معين محدد، لا يختار هو وقته، ولا يحدد هدفه ولا يدركه، ثم يكفُّ عن هذا النشاط جملة في موعد كذلك محدد، لا يختاره هو ولا يدرك سره، ولا يملك كذلك مخالفته.

والمَلَكُ -مِن وصفه الذي نعرفه به وإن كنا لا نراه- مخلوق ذو طبيعة واحدة، مخلوق يعيش فى نطاق روحه، ويطيع توجيهاتها بلا إرادة ذاتية، ولا تصرف ذاتي، فالملائكة مخلوقات مفطورة على الطاعة المطلقة (لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ) (التحريم: 6)، وهي وإن لم يكن لها غرائز جسمية لأنها غير ذات أجسام مادية، فإن لها (غرائز روحية) تعمل بوحْيِها في كل أمر، دون تفكير أو تصرف أو اختيار.

و بالتالي فالإنسان وحده هو الكائن المزدوج الطبيعة، هذه الازدواجية التي تطبع كيانه كله، و التي تتغلغل في كل أعماقه، فلا يوجد عمل أو شعور أو فكر أو تصرف له يخلو من هذه الطبيعة.

حقيقة الخطأ والضعف الانساني في الاسلام  قلم  / عماد فهمي  ريشة /  داليا الليثي
 قلم/ عماد فهمي 
ريشة/  داليا الليثي

وجهات نظر مختلفة حول تفسير حقيقة طبيعة الإنسان

وهنا يختلف الإسلام عن المذاهب المادية التي تختصر الإنسان فى الطبيعة الأحادية المادية، لقناعتها بأن الإنسان مجرد (حيوان كامل) أو (نظام آلي متطور) خرج من رحم الطبيعة و يخضع دوماً لقوانينها، في حين يتفق (بشكل عام) مع باقي الأديان في حقيقة الطبيعة الإنسانية المزدوجة.

نقول (بشكل عام)، رغم الاتفاق العام بحقيقة وجودها، إلا أن هناك اختلافات عديدة في تفسير هذه الطبيعة وفي التعامل معها.

وأهم هذه الإختلافات أن وجود هذه الطبيعة لم تُخرج الإنسان من إنسانيته سواء ثواباً أو عقاباً، فلم تكن هذه الطبيعة المزدوجة ناتجاً عن اتحاد الإله والإنسان في عجينة واحدة، كما تذكر الميثولوجيا البابلية مثلاً، كما لم تكن ضرورة لخلق صورة مكررة من الإله، كذلك أيضاً لم تكن عقاباً له على عصيان هذا الإله.

في الإسلام الأمر يخلو من كل هذا التبسيط وهذا التعقيد على حد سواء، فالطبيعة الإنسانية المزدوجة كانت منذ بداية (فعل الخلق) قصداً وهدفاً  في حد ذاتها.

فالخالق عزّ وجلّ لم يكن يريد خلق صورة من ذاته (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ) (الشورى: 11)، كما لم يكن يريد خلق كائن روحاني يشبه ملائكة السماء المفطورة على الطاعة، ثم غضب على هذه الصورة، أو هذا الكائن الروحاني فجعله إنسان.

لا، لم يكن الأمر كذلك، ولا ينبغي له أن يكون كذلك عقلاً و فطرةً، لقد كان مقصد المشيئة الإلهية من البداية خلق (إنسان)… إنسان فقط… إنسان من روح وجسد…  إنسان يصيب ويخطئ ويتوب ويعود… إنسان يسعى ويجتهد ويتعثر ثم أخيراً ينهض.

كيف نظر الإسلام إلى الخطيئة؟

وبالتالي ووفقاً للمنطق الإسلامي، فإن هذا الإنسان صاحب الطبيعة المزودجة، كائن غير معصوم، أو غير محصَن من الوقوع فى شراك الخطأ، وبراثن الإثم

  • وبالتالي أيضاً فالخطأ أو الخطيئة وفقاً للمنطق أوالرؤية الإسلامية، عمل إنساني طبيعي جداً، وهي في نفس الوقت وبنفس هذا المنطق مسؤولية إنسانية ذاتية بحتة، (مَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى) (الإسراء: 15).
  • فهي -أي الخطيئة- ليست (إهانة) موجهة لله -تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً- ولكنها -إسلامياً- يتم توصيفها على أنها (ظلم)، ظلم يقترفه الإنسان في حق الإنسان، سواء على مستوى الأنا، أو على مستوى الآخر (وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ) (البقرة: 229).
  • من هذا المنطلق فإن إمكانية تفهُّم احتمال وقوع الخطيئة الإنسانية -في الإسلام- أمر مستوعب دينياً، ولا يتطلب جهداً إضافياً لفهمه أو تبريره، فالإنسان بكل ما يملك من إمكانيات معرفية وقلبية، سواء كانت ذاتية، أو وحي إلهي يمكن أن يُخطئ سهواً، أو حتى عمداً، فهو ليس ملاكاً مفطوراً على الطاعة، ولا شيطاناً يسعى في الأرض فساداً و إفساداً، وإنما هو ببساطة إنساناً يخطئ ويصيب.
  • إن الضعف الإنساني أمر لا يمكن إنكاره، أو اغفاله، ومن ثم فهو حقيقة معترف بها إسلامياً، يقول الله تعالى: (وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفًا) (النساء: 28) ويقول النبي محمد: (كل ابن آدم خطاء، وخير الخطائين التوابون).

إن تفهَم و استيعاب الإسلام لهذه الحقيقة الهامة دون تأفف أو تعالي غير مبرر يؤكد -أولاً- على عمق وعلى واقعية الإسلام، ويؤكد -ثانياً- على تناغم النظرة الاسلامية مع النظرة العلمية الحديثة، تلك التي ترى أن حدوث الخطأ الإنساني أمر طبيعي، بل هو أحياناً ضروري، ومطلوب للتعلم ولتصحيح المسار.

كيف تتجلى إنسانية الإسلام في تعامله مع مرتكب الخطيئة؟

  • فالخطأ وفقاً للمنطق الإنساني المحض، و للنظرة العلمية الحديثة يسبق دائماً الصواب، و الصواب ليس إلا محاولة مستمرة لتصحيح الخطأ، وجهداً دائماً يُبذل من أجل قهر العقبات العديدة التي تعترض طريقنا نحو المعرفة بوجه خاص والحياة بوجه عام.
  • كما أن أسلوب تعامل الإسلام مع الإنسان حالَ حدوثِ أو وقوع الخطأ يؤكد مرة أخرى بوضوح على المنطق الإسلامي المبدئي المشار إليه، ومن ثم على إنسانية الإسلام. فالإسلام يذهب في هذا مذهباً بعيداً، حتى ليحسبه المرء عند النظرة السريعة إنه يزين للناس الخطيئة ليتوبوا من الخطيئة، يقول الرسول (والذي نفسي بيده، لو لم تذنبوا لذهب الله بكم، ولَجاءَ بقوم يذنبون ويستغفرون فيغفر لهم)، وهو لا يزين الخطيئة هنا، و لكن ييسر التوبة، ويملأ نفوس الخاطئين بالرجاء، وينير لأرواحهم الطريق.
  • إنه بحسب أيِّ إنسان اقترف خطأ أن يتوجه إلى ربه مباشرة نادماً تائباً، غير لاج في خطيئته ولا سادر، فيفتح له الله بابه، و يتقبله بين عباده، إن باب الرحمة في الاسلام مفتوح في كل لحظة، ولا يأس من روح الله ولا قنوط، فليطرق بابه مستأذناً كل طارق، بل ليدلف إليه دون استئذان: (وَلَا تَيْئَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لَا يَيْئَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ) (يوسف: 87).

إن مفتاح فهم الإسلام  -في تقديري الشخصي- هو المفتاح الإنساني وليس المفتاح التعبدي، من خلال مدخل الفلسفة الراقية القائمة على أن: المعاملات قبل العبادات، والساجد قبل المساجد ، والإنسان قبل البنيان.

من خلال هذا المدخل، هذا المدخل فقط نستطيع فهم الإسلام فهماً صحيحاً، و من ثم تفهُّم وجود الضعف البشري و إمكانية حدوث الخطأ الإنساني.

فيديو مقال حقيقة الخطأ والضعف الإنساني في الإسلام

أضف تعليقك هنا

عماد فهمي

باحث و كاتب مقيم فى أوروبا