كُنّ  إنساناً

 

                    

كن انسان. بقلم: عماد فهمي
كن انسان. بقلم: عماد فهمي  وبريشة : داليا الليثي

  قلم : عماد فهمي 

ريشة : داليا الليثي

 

 الصراحة في الحكمة

بين الصراحة و الوقاحة  مساحة شاسعة من الحكمة و التقدير المتزن و اللطف الإنساني و حسن المعاملة و كرم الأخلاق.  مساحة يعيش فيها أقوام نورانية الطبع و ملائكية الطباع ، أقوام أفئدتهم مثل أفئدة الطير، أفئدة بديعة ناصعة فيها رقة و نبل و إشراق.

إن الإحساس بالآخر و الاهتمام بشعوره و المحافظة على كرامته و الخوف من جرحه، هو أنبل إحساس و أرقى أنواع الكرم و العطاء. فليس من الصراحة إطلاقاً أن تشهر لسانك فى وجه الأخرين ، أو أن تحمله على رأسك لتطلق منه كلماتك السامة و آراءك اللاذعة و نقدك السخيف، لتهتك بها أستاراً و حرمات و مشاعر و خصوصيات الآخرين.

الكل يقاتل همّاً

هناك قول منسوب لأفلاطون فحواه  أنه يتعين عليك أن تكون لطيفاً مع الآخرين ، لأن كل شخص تقابله يقاتل بشراسة في معركة ما. معركة نحن لا ندري عنها شيئا. معركة تتم فصولها اليومية داخل و خارج هذا الشخص. في بيته و في قلبه، في عمله و في رأسه، في حياته و في نفسه. كل شخص نقابله في حياتنا سواء في العمل أو في السكن. في الشارع أو في القهوة  لديه عالمه الخاص و ظروفه الشخصية.

كل شخص يحمل فوق كتفه همومه و شجونه. ويئن متألماً تحت وطأة انكساراته و إحباطاته و أحزانه و أحلامه المذبوحة في واقع صعب و قاس، واقع يتسم بالغباء و السفاهة، و يخلو من العدل و الحكمة. إن أبسط معاني الإنسانية أن نحترم قتال و هموم و إحباطات هذا الإنسان. أن نقدر آلامه و شجونه و شؤونه حتى وإن كنا لا نتفهمها أو لا نتقبلها افتراضاً وجدلاً.

الحفاظ على كرامة الإنسان

إن أبسط معاني الإنسانية أن نحافظ على كرامة هذا الإنسان، و أن نترفع عن نقده وعن جرحه و عن السخرية منه، أن نتوقف عن تحويله إلى مادة رخيصة للدعابة والاستظراف. من نكون نحن حتى نحاكم الآخرين؟ من أعطانا الحق – ابتداءً-  لنفتش فى نفوس و ضمائر الأخرين؟ من منحنا السلطة لنكون قضاة نجلس على المنصة لنقيم أفكار واختيارات وتصرفات وحياة الآخرين؟

في الحقيقة لم يعطينا أحد هذا الحق ولم يمنحنا كائن من كان هذه السلطة المزعومة. حتى النخبة الإنسانية من الأنبياء و الرسل الذين اختارهم الله ليحملوا كلمته إلى الناس ، و الذين بيننا و بينهم في الدرجة والمكانة كالمسافة التي بين الأرض و السماء ، لم يعطهم الله هذا الحق. هذا الحق الذي ندعيه – فى تبجح و جهالة – لأنفسنا، بل العكس هو الذي كان وهو الذي استقر دوماً  في وعي و يقين و سلوك هذه النخبة و الصفوة  المباركة.

ازرع الخير حيثما كنت

انظر ماذا يقول النبي محمد خير الخلق و خاتم هذه النخبة المباركة: ( قل خيراً أو اصمت ) ، و يقول في موضع آخر: ( تبسمك في وجه أخيك صدقة). ثم انظر أيضاً و تأمل ماذا قال للرجل الذي أتى له برجل كان يزني و كان يدع هزال: ( يا هزال، لو سترته بردائك لكان خيراً لك).

كن إنساناً يا أخي و تعامل مع الآخرين بإنسانية مرصعة بالرحمة والتواضع، و مبطنة بالاحتواء و التفهم. كن إنساناً بشوشاً مضيئاً رقيقاً ، و ازرع الخير حيثما كنت.  دع عنك يا أخي هذه الغلظة و القسوة، و هذا التطفل السخيف المقيت، و هذا الاستظراف السَمِج  القبيح، المبني على الاستعلاء و الجهل و الوهم و الإحساس المريض بأفضلية الأنا وأهمية الذات. أتظن في نفسك أنك خير من المصطفى المختار؟  جاء في الحديث  أن النبي محمد كلم رجلا فأرعد فقال: (هون عليك فإني لست بملك، إنما أنا ابن امرأة من قريش كانت تأكل القديد).

كن إنساناً يا صديقي وكفى.

فيديو مقال كن إنساناً

أضف تعليقك هنا

عماد فهمي

باحث و كاتب مقيم فى أوروبا