مقاومة الحاج أحمد باي

من الصعب أن يعيش الأحرار من دون مقاومة  ضد المستعمرين الأوباش، فهنالك أناس رسموا تاريخاً عريقاً لبلادهم بمواقف مشرفة، ففي بلد دام فيه الاحتلال لمدة 132 عام ، لابد أن يكون لشعبه رداً على المستعمرين.

سيرة حياة الحاج أحمد باي

أولاً: نشأته ونسبُه

وهو أحمد بن محمد الشريف بن أحمد القلي من سلالة عثمانية، والدته الحاجة شريفة، جزائرية الأصل من عائلة بن قانة أحد أكبر مشايخ الصحراء، ولد الحاج أحمد في عام 1786 في مدينه قسنطينة، تربى يتيم الأب بعد أن مات والده مخنوقاً بسنّ مبكرة فربته والدته، فعرف باسم والدتة الحاجة شريفة إذ كان يُكنّى (الحاج أحمد بن الحاجة شريفة)، اضطرت والدته على الرحيل معه متجهة إلى الصحراء، هاربة من المكائد التي كانت من الممكن أن تطيح بولدها كما أطاحت بوالده من قبل.

حيث ترعرع على أيدي أخواله في منطقة الزيبان، وتعلم هناك اللغة العربية وحفظ القران الكريم، كما تعلم ركوب الخيل والفروسية، وأيضا فنون القتال التي برع بها ليكن مثلاً للفارس المجيد، إضافه إلى هوايات عديدة كنظم الشعر ونخص بالذكر (الإسلامي) الذي أبدع فيه.

ثانياً: صفاته وأعماله

عُرف الحاج أحمد باي بحزمه وذكائه، وعدم تسامحه بأي تجاوز يقع في بلاده، مما سمح له بتقلد منصب قائد الحرس على القبائل القوية سنه 1809، وبعد مرور زمن عُيّنَ وهو في سنّ الأربعين بأمر من الداي حسين بمنصب بايا على بابليك الشرق في عام 1826، حيث تمكن في فترة شغله -منصب الباي- من توطيد وتقوية العلاقات بين القبائل الكبرى في الإقليم الشرقي عن طريق المصاهرة، فتزوج هو شخصياً من ابنة الباي بو مزراق، ومن ابنة الحاج عبد السلام المقراني، كما شجع على الترابط والتصاهر ما ين القبائل وشيوخها.

ثالثاً: أعماله التي قام بها على الصعيد السياسي

مقاومة الحاج أحمد باي

يعد الحاج أحمد باي من النخبة الأولى من الذين وقفوا  ضد الاستعمار الفرنسي، ولهذا المناضل العديد من المقاومات سواء في العاصمة، أو في الدفاع عن مدينه قسنطينة.

حركاته الثورية ضد الفرنسيين 

فكانت مقاومته للفرنسيين بالعاصمة بعد أن أُرسِل إليه طلب من الداي حسين في سنه 1830، كان ظاهر اللقاء هو تقديم الهدايا والأعطيات للوالي، ولكن باطنه كان إعلام الحاج أحمد باي بتفاصيل الحملة الفرنسية على العاصمة، ورسم خطة دفاعية محكمة لمواجهة الفرنسيين.

فأمر الباشا حسين بتحصين ميناء عنابة، بعد أن تأكد من احتمالية قيام الفرنسيين بحملتهم ضد العاصمة، فوضع هذا الأمر الباي الحاج أحمد بموقف محرج، لأنه لم يأمره من قبل بإحضار جيش معه وفوجئ بالأمر، فكل من كانوا معه هو 400 من الفرسان، وبعض أعيان وقيادات مدينة قسنطينة، فتقبّلَ الأمر بروح وطنية، بعد أن أمره الباشا حسين بملاقاة الفرنسيين في مدينة (سيدي فرج)، وعلى حسب أوامر الداي الجزائري حضر الحاج مجلساً عسكرياً مطولاً قرب مدينة (اسطاولي)، طرح فيه الحاج خطة دفاعية ذكية لملاقاة الفرنسيين، فرفضت رفضاً قاطعاً من قبل قائد االجيش إبراهيم آغا فرسموا خططاً جديدة.

ومن هنا بدأ نضال الحاج ضد الاستعمار، فشارك في أول المعارك بمدينة (سيدي جابر، و اسطاولي) فتعرض لخسارة كبيرة حيث فقد 200 من رجاله، وبعد أن وقعت قلعة مولاي حسن تحت سيطرة الفرنسيين انسحب الحاج أحمد باي شرق العاصمة، ثم تابع يطرقه متجهاً إلى مدينة قسنطينة، وخلال مسيرته انضم إليه حوالي 1600 شخص من الأهالي الفارين من ظلم الجيش الفرنسي.

كما تلقى خلال هذه المسيرة رسالة من قائد الحملة الفرنسية (الجنرال دي بورمان)، كان نص هذه الرسالة هو أن يوقّعَ الحاج أحمد باي مع الفرنسيين معاهدة استسلام، ويعرض عليه اعتراف فرنسا به وذلك إذا قبل دفع الجزية، التي يعود دفعها للداي الجزائري، فكان الرد على هذه الرسالة سياسياً  بمعنى الكلمة، قال لهم الحاج أحمد أن السلطة ليست بيدي وحدي، فهي لجميع سكان قسنطينة، وبأنه سيقوم باستشارتهم بعد وصوله إليها.

  • مرحلة المقاومة الأولى ضد الفرنسيين

مرحلة المقاومة الأولى التي كانت ضد الجنرال الكلوزيل، إذ كُلّفَ باحتلال ولاية قسنطينة، فجهز لها جيشاً كبيراً مكوناً من 8700 جندي، حيث كانت معركة قسنطينة الأولى في نوفمبر 1836، التي قاوم فيها الجزائريون بقيادة أحمد باي وألحقوا بالفرنسيين هزيمة كان لها صدىً خاص في الداخل والخارج

فعلى الصعيد الداخلي عزز أحمد باي موقفه من خلال الاتصال بمشايخ القبائل، يدعوهم إلى نصرته ومقاومة الفرنسيين، كما اتصل بـ (طاهر باشا) في طرابلس للغرض نفسه، أما على الصعيد الخارجي فأصيبت فرنسا بصدمة قوية

  • مرحلة المقاومة الثانية ضد الفرنسيين

بعد الهزيمة التي لاقتها فرنسا في قسنطينة في المعركة الأولى، بدأت بالاستعدادات لشنّ حملة ثانية عليها فاستعملت جميع إمكانياتها العسكرية وعُين (الجنرال دامريمون) قائداً للحملة، الذي بدوره بدأ بإقامة المعسكرات على الطريق المؤدي إلى مدينة الحاج أحمد انطلاقاً من مدينة عنابة.

إذ كان عدد القوات الفرنسية حوالي 14 ألف جندي قسموا على أربعة فرق، ولم يعلموا بأن الحج أحمد باي كان على أهبة الاستعداد بعد أن تمكن من تكوين جيشاً كان عدده حوالي 12 ألف جندي، وعشرة آلاف من المتطوعين، كما قام بالعديد من الأمور الوقائية استعداداً لاستقبال الفرنسيين، والدفاع عن مدينة قسنطينة، وفي يوم 7 أكتوبر من سنة 1837 التحم الطرفان، ودارت معارك شرسة حتى تمكن الفرنسيون من اقتحام المدينة من ناحية باب السويقة، وذلك أدى إلى انسحاب الحاج أحمد باي لتنظيم صفوف المقاومة، وانتهت مقاومة الحاج بعد استسلامه، إذ بقيوا يتنقلون فيه حتى استقر في العاصمة مع أسرته، إذ منحته فرنسا سنوية قدرها 12 ألف فرنك.

رابعاً: وفاته

وتوفي الحاج رحمه الله سنة 1850، استمرت مدة مقاومته من 1830 حتى 1847، فظن الفرنسيون أن هذا هو نهاية المطاف، إذ أنهم لم يعرفوا الشعب الجزائري حق المعرفة! إذ رحل أحمد باي -رحمه الله- تاركاً روح الشجاعة بقلوب الشعب الجزائري، واستمرت المقاومة……..

فيديو مقال مقاومة الحاج أحمد باي

أضف تعليقك هنا