نقد الفلسفة التفاؤلية ومبدأ التمام

نقد الفيلسوف الفرنسي (فولتير) لنظرية الفلسفة التفاؤلية (للايبنتس) الفيلسوف الألماني 

لقد مثلت رواية (كانديد) للفيلسوف الفرنسي (فولتير) صياغة أدبية، لموقف فلسفي ناقد بسخرية أليمة مأساوية على النزعة التفاؤلية، التي سادت في القرن الثامن عشر في أوروبا، والتي بدأت على يد الفيلسوف الألماني الأصل (لايبنتس)، حيث أكد على أن هذا العالم الذي نحيا فيه هو أكمل وأفضل العوالم الممكنة وأنه ليس في الإمكان أبدع مما كان.

تعليل وجهة نظر فولتير في نقده لفلسفة (لابينتس) التفاؤلية

و بالتالي فإن كل معلول له علة كافية أو سبب كافٍ لوجوده حتماً، أما (فولتير) فقد رأى رأياً خلاف هذا المبدأ،إذ كيف يكون عالمنا هذا هو أكمل وأفضل العوالم الممكنة ولذلك خلقه الله على ما هو عليه، ونحن نرى أن الألم والباطل يغلبان فيه على السعادة والخير.

فما علة الكمال -(فولتير) يتساءل- في عالم يعتريه النقص من كل جانب، وما علة التفضيل في عالم بالغ السوء، وما علة التفاؤل في عالم يحيط به اليأس من فرط البؤس.. لقد كان (كانديد) يتوقف في كل مرة يتحدث إليه فيها صاحبه الفيلسوف عن التفاؤل والعلة الكافية وتمام وكمال الوجود أثناء سيرهما في كل مكان أمام أشلاء بشر وجثث مقطعة الأوصال ومظالم كثيرة في أنحاء الأرض.

إن موقف (فولتير) هذا ضد التفاؤلية، والتعليل الكافي يتولد عنه افتراض منطقي مضمونه (أن استحالة أن يكون عالمنا هذا هو أفضل وأكمل العوالم الممكنة تصبت في حالة أن هذا العالم ليس هو العالم الوحيد المخلوق بالفعل)، وبالتالي فإن غلبة الشر والباطل والآلام في هذا العالم تدل على احتمالية غلبة السعادة والخير في عالم آخر..

نظرية سلسلة الوجود الكبرى  

فنشأت بذلك فكرة (سلسلة الوجود الكبرى) على المعنى الأفلاطوني للوجود، وعلى النحو الذي فسره به (آرثر لفجوي) في كتابه المشهور الموسوم بذات هذا العنوان.

فإن عالم المثل المفارق للعالم الطبيعي الذي نعيش فيه -بظن (أفلاطون)- إنما هو يعلو في المرتبة عنه وليس سابقاً عليه أو متأخر عنه في الوجود، أي أن عالم المثل هو موجود في نفس اللحظة التي فيها عالمنا هذا، وأنه ربما كان يقع على طرف أخير من سلسلة أكوان متعددة ليس فيها انتهاء أو فناء لواحد ليبدأ الآخر، وإنما هي كلها معاً في ذات اللحظة ولكن تتفاضل فيما بينها فقط في المرتبة النوعية وفي درجة القرب من الصورة المثالية للعالم..

عالم المثل هو موجود في نفس اللحظة التي فيها عالمنا هذا

نظرية الأكوان المتعددة 

هنا وبالتحديد نشأت نظرية الأكوان المتعددة أو ما عرفت ب (M Theory) على يد علماء معاصرين من أبرزهم (ستيفن هوكينج)، وما يمكن أن تدل عليه هذه النظرية أنه ليس هنالك احتمال يسقط أو يرتفع بثبوت أو تحقق الاحتمال المناقض له في كوننا هذا، وإنما يتحقق في كون آخر قائم في نفس اللحظة مع كوننا، وهناك ممر دودي بين هذه الأكوان يسمح بالنفاذ إليها ذهاباً وإياباً.

وهكذا، فإنها صياغات مختلفة فلسفية وعالمية على مبدأ واحد وفكرة احتلت حيزاً من هموم العقل البشري في نظرته للوجود والحكمة والمصير، ولم يكن (فولتير) أول من بدأ الفكرة أو لمّح إليها، ولن يكون (هوكينج) نهاية المطاف فيها.

دور الروايات الأدبية في إحداث تغيير في النظريات الفلسفية وتبسيطها  

وهكذا فإن الرواية الأدبية تضع الفلسفة في سياق حيوي متفاعل، فتضفي على الأفكار والإشارات والعلاقات المنطقية سلاسة سائغة وتفهماً لدى جميع الناس وتأثيراً عليهم، فعلت هذا روايات (سارتر) و(البير كامي) و(أنيس منصور) وكثيرون غيرهم..

كما أن الرواية الأدبية تجعل للأفكار والأقوال الفلسفية الجامدة في بطون الكتب دفقاً حيوياً، وقوة ثورية في تغيير الواقع وتبديل الأحوال، حدث هذا مع رواية (فولتير) في نقد تفاؤلية القرن الثامن عشر التي دعت الإنسان إلى محض التسليم بالواقع، وأنه لا سبيل لتغييره، حتى وقعت على يد (كانديد) الثورة الفرنسية لتغير وجه أوروبا القديم وتعلن انهيار مبدأ التفاؤل، وأن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم.

فيديو مقال نقد مبدأ الفلسفة التفاؤلية ومبدأ التمام

أضف تعليقك هنا