كيف بدأت العلامات التِّجَارِيَّة؟

منذ الميلاد يبدأ الإنسان أُولَى معاركه مع الحياة من أجل البحث عن الذات، ويجتاز اختباره التمهيديّ باكتساب اسمٍ مُمَيَّز عن الآخرين، فالاسمُ والنَّوْعُ والجِنْسِيَّة كلُّها تَعْنِي بالنسبة إليه الأمانَ والاستقرارَ النفسيَّ… وقديماً قالها شكسبير: “أكون أو لا أكون.. هذا هو السؤال”.

وبالنظر لعالَم التِّجارة والأعمال؛ فإنَّ الهُوُيَّة المؤسَّسيَّة لا تَقِلُّ أهميةً عن الهُوُيَّة الإنسانيَّة، وفي ظلِّ وُجُود ملايين الشركات وانفتاح الأسواق عالميّاً واشتعال الرُّوح التنافسيَّة، أصبح من الغاية بمكانٍ على الشركات والمؤسَّسات أن تُثْبِتَ ذاتها ككيانٍ تِجاريٍّ مستقلٍّ يتميَّز عن غيره وقادِر على المنافسة والاستمرار في السوق.

أهمية العلامة التجارية

من هنا، تَكْتَسِب هُوُيَّة الشَّرِكَات اليوم أَهَمِّيَّة متزايدة في مجال ريادة الأعمال، باعتبارها إحدى الأدوات لتحقيق النَّجَاح، وكَسْب ثِقَة العملاء. وتتحدَّد الهوية بمجموعة من العناصر المختلفة، تأتي في مقدمتها “العلامة التجارية”، ويُمْكِن تعريفها بأنها “الاسم، أو العبارة، أو الشعار- أو بعض هذه العناصر مجتمعةً- والتي يستخدمها الفرد أو المنظَّمَة لتمييز منتجاتها أو خدماتها”. وأمامنا اليوم أمثلةٌ كثيرةٌ عن علامات تِّجَارِيَّة شهيرة لكبرى الشركات، والتي ارتبطت في أذهاننا بمنتجات ذات مكانة مرموقة حَظِيَتْ بثقةِ الجميع.

منذ متى بدأ الاهتمام بالعلامات التجارية؟

بدأ الاهتمام بالعلامات التِّجَارِيَّة في العصور الوسطى، وبشكلٍ خاصٍّ عند الصُّنَّاع والتُّجَّار؛ حيث اعتادوا خاصَّةً في فرنسا وإيطاليا وَضْع أسمائهم على منتجاتهم، وكانت العلامات التِّجَارِيَّة في تلك الفترة تشمل نوعين حسب الغرض من الاستخدام:

  • النوع الأول: هو ما يمكن تسميته بعلامات الدَّمْغَة، كان يُدْمَغُ على بعض الممتلكات والحيوانات مثلاً، وذلك للتأكيد على المِلْكِيَّة والدلالة عليها..
  • النوع الثاني: من العلامات هو ما يُسَمَّى بعلامات الإنتاج، وكان الغرض من استخدامها يختلف عن النوع الأول؛ فكانت تُستخْدَم مِن قِبَل فِئَات الصُّنَّاع والتُّجَّار لتحديد صانع المنتجات والمُصَدِّر لضمان الجودة، كما أن استعمال هذه العلامات آنذاك كان يُعَدُّ إلزاميّاً، ويُمَثِّلُ التزاماً قانونيّاً على كلٍّ مِن المصانع والتُّجَّار؛ بما يُساعِد على تَتَبُّعِهِمْ في حالِ قيامهم ببيع مُنتجات غير صالحة أو فيها خلل.

نشأة العلامات التِّجَارِيَّة الحديثة

مع قيام الثورة الصناعيَّة التي بدأت في بريطانيا في القرن الـ 18، وأدَّت إلى تحويل الاقتصاد الزراعي إلى اقتصاد صناعي، وانتقال المنتجات من إنتاجها بشكل تقليديّ داخل المنازل والوِرَش الصغيرة إلى الإنتاج الكبير بمصانع ضخمة، وظهور الكثير من المخترعات الجديدة والتي كان ضروريّاً أن تجد طريقها للأسواق الخارجيَّة للتغلُّب على ضيق السوق المحلِّيَّة.

وقد نَمَت المبادلات التِّجَارِيَّة، واتَّسَع مجالها مع دخول دولٍ أخرى إلى عالم التصنيع؛ وعليه لَعِبَتْ العلامات التِّجَارِيَّة دوراً مُهِمّاً في التَّعريف بالمُنْتَجات وحمايتها من التَّقليد من خلال تقديم سِلَع متنوِّعَة من نفس الصَّنف المُنْتَج يختلف في النوعية والخصائص وبأسعار متفاوتة للمستهلكين؛ أي: إتاحة بدائل للاختيار عن طريق تسمية المنتجات، وتمييزها في السوق وهو ما يُقْصَد به تحديداً العلامة التِّجَارِيَّة.

ومع تَطَوُّر أنماط التجارة لتصبح نظاماً لبيع مجموعة واسعة من المنتجات التي يُنْتِجُهَا متنافسون وتسويق منتجاتهم خارجياً تجاوز دور العلامات التِّجَارِيَّة من مجرد التعريف بالمِلْكِيَّة إلى وظائف أخرى، ومن الاستخدام الإلزامي لتتحول إلى أَصْلٍ مُهِمٍّ من أصول المشروع الاقتصاديّ تَنْدَرِج في بَنْد الأصول غير الملموسة حتى باتت في يومنا هذا تُبَاع وتُشْتَرَى، ويعود ارتفاع قيمتها أو هبوطها إلى اسم الشركة في السوق، وقيمة السهم، وجودة المنتج ..

الاتفاقيات الدولية في مجال العلامات التِّجَارِيَّة

هذا وقد وُقِّعَتْ مجموعة من الاتفاقيات الدولية التي نَظَّمَتْ الأُطُر الضابطة للعلامات التجارية، فكان منها: اتفاق مدريد بشأن التسجيل الدولي للعلامات والبروتوكول الملَحَق به (بروتوكول مدريد عام 1989م). تلاه اتفاق نيس Nice، بشأن التصنيف الدولي للبضائع والخدمات لأغراض تسجيل العلامات: اتحاد نيس Nice.. ثم اتفاق فيينا Vienna المنشئ للتصنيف الدولي للعناصر المميزة للعلامات: اتحاد فينا Vienna؛  اتفاقية قانون العلامات عام 1994م.. اتفاقية الجوانب المتعلقة بالتجارة من حقوق الملكية الفكرية (والمعروفة اختصاراً بـ TRIPS) 1995م.

ما هي العلامة التِّجَارِيَّة؟

رابطة التسويق الأمريكي عَرَّفَتْ العلامة التِّجَارِيَّة على أنها: اسم أو تعبير أو إشارة أو رمز أو تصميم أو تركيبة من المفاهيم التي تهدف إلى تشجيع الزبائن المحتملين لتمييز سلعة أو سِلَع يمتلكها شخصٌ عن سلعة أو سِلَعٍ مُنَافِسَةٍ، ويأتي ضمن أنواع العلامة الكلمات أو الحروف أو الأرقام، أو الرسوم أو الألوان، أو الصور والأشكال، والشعارات والرموز، أو أي مجاميع مما سبق، كما يمكن أن تكون الأصوات والروائح بمثابة علامة تجارية.

الرموز التي يمكن اعتبارها علامة تجارية

ومن أبرز ما يمكن اعتباره علامة تجارية: الأسماء والأرقام؛ حيث يمكن للعلامة أن تتكون من اسم عائلي؛ فقد تأخذ اسم صاحب المشروع، أو اسم مكان، أو تكون تسمية مبتكرة كما ذكرنا سابقاً أو حروفاً أو أرقاماً..

ومنها أيضاً: الرموز التصويرية؛ حيث يجوز أن تكون العلامة في شكل صورة بسيطة كنجمة أو أسدٍ شرط حداثتها، أي: استعمالها لأول مَرَّةٍ كما يمكن استعمال صورة أحد المشاهير في الماضي أو الحاضر..

ومن ذلك: تغليف المُنْتَج؛ إذ يمكن اعتبار الشكل الذي يميز المنتجات أو الشكل الظاهري لها علامةً تجارية لها؛ مثل شكل زجاجة كوكاكولا، أو العطور، بالإضافة إلى الألوان المتناسقة والنقوش والأغشية التي تُمَيِّز وتُغَطِّي المنتجات تعتبر علامة تجارية لها تميزها عن غيرها.

ولما كانت العلامات التجارية تهدف إلى تحقيق الانتشار حول العالم، والتأثير في العملاء، وفتح أسواق جديدة؛ ينبغي أن تكون هذه العلامات متوافقة مع الضوابط والقوانين العامة في الدول والمجتمعات، فلا يمكن قبول العلامات التجارية التي تخالف القانون والآداب العامة والأخلاق.

وختاماً؛ فإنَّ العلامة التجاريَّة أصبحت من دعائم نجاح الشركات والمؤسسات، بدايةً من دورها في التعريف بالمِلْكِيَّة وتمييز منتجاتها أو خدماتها عن تلك المتوافرة في السوق، ومروراً بحماية الشركة والعملاء -على حدٍّ سواء- من التَّقْلِيد وكافَّة صُوَر الغِشّ التجاري، وحتى دورها في دَعْم التنافُسِيَّة والمكانة السُّوقِيَّة المرموقة، لذلك تحوَّلت من أداة للاستخدام الإلزامي إلى أَصْلٍ مُهِمٍّ من أصول المشروع الاقتصاديِّ، تَنْدَرِجُ في بَنْدِ الأصول غير الملموسة حتى باتت في يومنا هذا تُبَاع وتُشْتَرَى.

والآن، إذا رَغِبْتَ في إقامة مشروعك الخاصّ، تذكَّرْ أنَّ أُولَى خُطُوات النَّجَاح هي بناء علامة تجَاريَّة مميزة تعكس روح المشروع وفِكْرته، وفي الوقت ذاته تَجْذِب العملاء والمستثمرين لمُنْتَجٍ سيبقَى ويدوم مع مرور الأجيال.

فيديو مقال كيف بدأت العلامات التِّجَارِيَّة؟

أضف تعليقك هنا