كيف سيُحاسب الله العراقيين يوم القيامة؟

يُعرف عن العراقيين أنهم أصحاب روح مرحة دائماً، وضحاكون في أصعب المواقف، حتى في الحروب وغيرها، بل إنهم صُنّاع “نُكات” محترفون، وأجادوا إطلاق الطرائف في شتى المواضيع وتناقلوها جيلًا بعد جيل، حتى أن هناك مؤلفات عن الطرائف في العراق، ويتم تداولها بينهم بشكل فائق السرعة، ولا يتوانى أحد منهم عن السخرية من أيِّ شيء أمامه.

نكتة يتداولها العراقيون فيما بينهم..

انتشرت منذ مدة ليست طويلة بين العراقيين في مواقع التواصل الاجتماعي نُكتة، مفادها أن العراقي حين يقف يوم القيامة للحساب بين يدي الله عزَّ وجل فإنه لن يُحاسب أو يُعاقب، كما تتم محاسبة بقية الخلق على أعمالهم التي قاموا بها في الحياة الدنيا، وربَّما لن يقف للحساب مطلقًا، بمجرد أن يُعرَف أنه عراقي، ثم يُدْخَل إلى الجنة مباشرةً!

هذه نُكتة يعرفها أغلب العراقيين، وانتشرت بشكل واسع، وردّدوها كثيرًا وضحكوا منها وربّما راقت للبعض، على الرغم من أنهم يؤمنون بالله، ويعرفون أن هذا غير ممكن والجميع سيُحاسب بغض النظر عن دينه أو عرقه أو جنسه، ويؤمنون -وأنا منهم- جيداً بيوم الحساب وعدالة الخالق، لكن هناك ما يُناغي مشاعرهم ويلامس قلوبهم في هذه النُكتة بالتحديد التي قد يُؤاخذون عليها، لكنها لم تأتِ إلا من صميم ما عاشوه وما عانوه من ألم وقهر واضطهاد على مر العقود التي مضت، فهم بهذا يحاولون أن يتناسوا شيئًا مما مر بهم، على أمل تلطيف الأجواء والسخرية من لون الحياة القاتم.

ماذا سيجيب العراقيون عندما سيُسألون في يوم الحساب؟

إن سئلوا عن دينهم

فهم بلا شك، سيُسألون هناك عن كل شيء في حياتهم، عن أقوالهم وأفعالهم التي فعلوها، فإن سُئلوا عن دينهم، سيُجيبون أنهم حافظوا عليه في أقسى اللحظات التي مرّت بهم، بل قاتلوا قتالًا مستميتًا من أجل المحافظة عليه.

إن سئلوا عن وطنهم

وإن سُئلوا عن وطنهم فستأخذهم نوبة من البكاء والحزن الشديد، وسيصرخون أنهم من العراق، العراق الذي عانى من ويلات الحروب والثورات والانقلابات طيلة قرون مضت، العراق الذي أنهكته الأحزاب منذ أولى بوادر ظهورها في عشرينيات القرن الماضي حتى يومنا هذا بكل معتقداتها وأفكارها، العراق الذي كلّما صار واحدٌ من “أبنائه” في مرابع السياسة تناساه وانشغل بمصلحته الخاصة وبكم سيجمع من ثروة، سيصرخون أنهم من الوطن الذي كان ولا يزال على مر العصور يقدّم القرابين تلو الأخرى.

إن سئلوا عن حياتهم وأحوالهم

سيُسألون عن حياتهم كيف قضوها؟ سيصمتون ثم يبكون كثيرًا! والبكاء خير دليل على الفقد والحرمان، سيُسألون عن الماء في بلاد النهرين، فيجيبون أن لا ماءَ في الأرض أكثر ملوحة من ماء العراق ومنه يرتوون، سيُسألون عن أعمالهم، فيجيبون أنَّ الفساد نخر بلادهم وأضاعت الحكومات المتعاقبة حقوقهم وانتشرت الواسطة والعلاقات والرِشا.

وربّما سيتكلم العراقيون يوم القيامة من تلقاء أنفسهم دون أن يُسألوا، سيتحدثون عن مستشفيات العراق التي صار المرضى يخشون دخولها كيلا يُصابوا بمرض جرّاء انتشار الأوساخ والجراثيم والإهمال في أروقتها.

سيتحدثون عن الكهرباء التي صعقت حياتهم ودمّرتها ونُهبت بحجتها مليارات الدولارات، ولا شك أنهم سيتطرقون للخطف والقتل والانفجارات والعنف الذي دقَّ باب كل واحد منهم وطالَ نصفهم، ونهش جسد العراق ومزّقه.

سيحكون عن حجم الدماء المراقة -التي حرّم الله سفكَها- في العراق لسبب أو دون سبب.

سيحكون عن البطالة التي حطّمت حياة العراقيين وجرتهم إلى ما لا يُحمد عقباه، سيحكون عن الفقر المدقع الذي انتشر بكل بقعة من أرض العراق، سيتكلمون عن الأطفال الذين ينتشرون في كل شوارع العراق ويحملون ما استطاعوا حمله لبيعه على المارّة، فقط لكي يضمنوا عيش يوم آخر.

سيتكلمون عن أكبر عمليات الاختلاس التي شهدها كوكب الأرض بكل تاريخه من قبل فاسدي السلطة، سيتكلمون عن الأثرياء والتجّار وسرّاق البهجة الذين شاركوا السياسيين جريمة قتل العراقيين وبنوا لأنفسهم قصورًا فارهة في أغنى الدول.

سيتكلمون عن الأمراض والأوبئة التي توزعت طولًا وعرضًا في العراق، سيُخبرون الله عن مدارس الطين العراقية في القرن الحادي والعشرين، سيحكون عن المشرّدين الذي يملئون مدن العراق وشوارعها بلا مأوى.

سيتكلمون عن تجّار الأعضاء البشرية الذين لا يتورعون عن قتل حتى طفل في الرابعة من عمره لأجل بيع أعضائه في السوق السوداء.

سيتكلمون عن العلماء وأصحاب العقول المستنيرة الذين قضوا إما قتلًا من الظُلاميين، وإما هاجروا هربًا من جحيم الموت، سيتكلمون عن الدول التي تكالبت على العراق وابتلعت خيراته، سيحكون عن المدن التي ضاعت بسبب أهواء السياسيين لتمشية صفقاتهم، سيعاتبون الله على حرِّ شمس العراق التي أحرقتهم، سيتكملون عن قبورهم التي ضاقت بهم وصاروا يُدفنون فوق بعضهم.

إن سئلوا عن أحلامهم

وإن سُئلوا عن أحلامهم، فسيُطرِق كل العراقيين رؤوسهم عاجزين عن الإجابة على سؤال لم ولن يعرفوا معناه، فليس في قواميسهم وجود لمفردة “حلم”،  فهذا العناء والبكاء والألم والصراخ كفيل بجعل الصخر يبكي.

وهكذا يُحول العراقيون مآسيهم وآلامهم إلى ابتسامات علَّها تُنسيهم قليلاً، فهل بعد هذا العناء من حساب وعقاب؟ يتساءل العراقيون!

فيديو مقال كيف سيُحاسب الله العراقيين يوم القيامة؟

أضف تعليقك هنا