عندما تقول شابة في تركيا “أتاتورك ليس إلهًا”….

بقلم: هشام البواب

في ذكرى وفاة مصطفى كمال “أتاتورك”

تحتفل تركيا في 10 نوفمبر/تشرين الثاني من كل عام بالذكرى السنوية لوفاة مصطفى كمال (الملقب بِـ “أتاتورك” ـأَبُ الأتراك ـ)، حيث تبدأ الاحتفالات الرسمية بدويّ صفارات إنذار في الساعة التاسعة وخمس دقائق صباحاً، لحظة وفاة أتاتورك في 10 نوفمبر 1938م، فيقف الناس عند سماعها دقيقة صمت في أماكنهم، وتتوافد الحشود من الأتراك، وعلى رأسهم رئيس الجمهورية التركية، لزيارة ضريح أتاتورك. ويلقي رئيس الجمهورية خطابَ ثناءٍ وتمجيد لأتاتورك، حيث قال مثلاً أردوغان في احتفالات هذه السنة (2018م): “علينا أن نشرح لشبابنا وأطفالنا صفات المناضل والمؤسس أتاتورك جيدًا”، …“مصطفى كمال أتاتورك خرج في درب الكفاح بإيمان وثقة تامة بشعبه استطاع أن يوحد الشعب حول مثَلٍ أعلى مشترك وتتويج كفاح الاستقلال بتأسيس الجمهورية”….. “ينبغي علينا جميعاً الوفاء بالالتزامات الملقاة على عاتقنا من أجل إدامة جمهوريتنا -التي كان وصفها أتاتورك بإنجازه الأكبر-  والارتقاء بها إلى مستويات أكثر تقدماً”. ودوّن أردوغان في دفتر زوار ضريح أتاتورك: “أتاتورك العزيز، يا قائد حرب الاستقلال ومؤسس جمهوريتنا، نستذكركم بالرحمة مجدداً في ذكرى وفاتكم الـ80”.

https://www.dailymotion.com/cdn/manifest/video/x6x0voq.m3u8?sec=eQI64CCNG9dSBzu-Rb43K-IebZjQ6s5X3K3MobzNQ5VC8YU4-xDrjQTPGBknp7fj

بينما كان الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في 10 نوفمبر/تشرين الثاني 2018م، بمناسبة الاحتفالات بالذكرى الثمانين لوفاة أتاتورك، يمجد مصطفى كمال ويعيد “إحياءه” ويرسخ رسالته (الجمهورية القومية التركية العلمانية) لدى الشباب الصاعد، كانت تقف شابة مسلمة وحيدة في مكان عامٍّ في مدينة أدرنة التركية (غرب تركيا) وتجهر بعبارة: “أتاتورك ليس إلهًا! …. الله تعالى من يضع القوانين، بينما طبق أتاتورك في تركيا القوانين الغربية”.

كلمة “إيمان شاهين” في ذكرى الوفاة 

إيمان (أو أمينة) شاهين (21 عامًا)، تدرس في كلية الطب في جامعة تراقيا بمدينة أدرنة التركية، وقفت وقفةً أسوةً بالأنبياء والرسل. دخلت إيمان شاهين تجمُّعًا في الكلية احتشد لتخليد ذكرى وفاة أتاتورك والوقوف له في صمت وخشوع كأنهم يؤدون الصلاة، وقالت: “إلى متى يستمر هذا الظلم، إلى متى تبقى تركيا أسيرة هذه الذهنية الإمبريالية القذرة الملعونة؟ …. ماذا تفعلون هنا، كفوا عن هذا، أتاتورك ليس إلها، ما تفعلونه قيام شبيه للقيام في الصلاة، أتاتورك جاء بقوانين الغرب وصاغها لكم وأنتم اليوم تقدسونها، أنسيتم قوانين رب العالمين؟” (نقلاً عن موقع الدرر الشامية).

سارع عناصر الأمن (كعادتهم) الى إسكات إيمان شاهين، ثم ساقوها إلى سجن أدرنة، فيما فتح المدعي العام الجمهوري في أدرنة تحقيقًا معها بتهمة الإهانة علناً لـ”أتاتورك”.

https://www.youtube.com/watch?v=BZwBND4CB9U

جدير بالذكر أن هذه الشابة المسلمة ليست الأولى، ولن تكون الأخيرة، التي تواجه تهمة “إهانة أتاتورك” (استناداللقانون رقم 5816) والامتثال أمام القضاء التركي، ويمكن أن تُحاكم بالسجن بين سنة وثلاث سنوات. فقضايا “إهانة أتاتورك” لا تكاد تنقطع، ترتفع وثيرتها أحيانا وتنخفض أحيانا أخرى. فعلى سبيل المثال لا الحصر، اعتقلت السلطات التركية قبل أيام مدرسا (هارون ك.) بمدرسة الأئمة والخطباء، “مدرسة الشهيد تشتين جاقماق”بمدينة أنطاليا، بسبب أمره الطلبة بإنزال صور لأتاتورك كان الطلبة قد علقوها في القسم احتفالا بذكرى وفاته. واعتقلت السلطات التركية قبل أيام الطالب (ي.و) (اكتفت السلطات بالإشارة إلى اسمه بالأحرف الأولى) في مركز تدريب الشرطة بمدينة كارابوك شمال تركيا بتهمة إهانة مصطفى كمال أتاتورك. واعتقلت السلطات التركية في شهر أكتوبر الماضي، فتى اسمه “أهان” من مدينة كوجالي، شمال غربي البلاد، بتهمة إهانة أتاتورك بعد نشره لتسجيل مصور على وسائل التواصل الاجتماعي يعبث فيه بتمثال أتاتورك. وعاقبت السلطات التركية الفتى بالوقوف أمام تمثال أتاتورك على قدم واحدة وتأدية التحية العسكرية له، وفق ما أظهرت صور نشرتها وسائل إعلام تركية عدة.

قانون “الجرائم” ضد أتاتورك

من المفارقات العجيبة أن تكون حكومة عدنان مندريس (كان رئيس وزراء تركيا في الفترة ما بين مايو/أيار 1950 ومايو/أيار 1960م)، الذي يعتبره كثير من “الإسلاميين” اليوم (وخصوصاً الإخوان) أنه أول من حاول الانقلاب (بالتدرج) على العلمانية وإعادة الإسلام إلى تركيا، هي التي سنَّت في يوليو/تموز 1951م قانوناً لتجريم ومعاقبة من “يسيء” لأتاتورك.

خلفية إصدار حكومة مندريس لهذا القانون هو أنه بعد اتخاذ “مندريس” قرار إعادة الأذان للصلاة باللغة العربية بناء على فتوى لعام 1948 من رئاسة الشؤون الدينية التركية التي اعتبرت الأذان بالعربية “غير مخالف للقانون” (بعدما منع أتاتورك سنة 1932 بموجب المادة 526 من قانون العقوبات رفع الآذان باللغة العربية، وأصبح منذ ذلك الوقت يُؤذن للصلاة بالتركية)، ظن كثير من المسلمين أن هذه الخطوة تعبر عن مرحلة جديدة في تركيا ستلغي كل التغييرات التي أدخلها أتاتورك، فبدأ المسلمون في تركيا يهينون أتاتورك (الميت)، فقررت حكومة عدنان مندريس وضع قانون يزجر الناس عن محاولة التفكير في الخروج عن الخطوط العريضة التي رسمها أتاتورك لعلمنة تركيا، فسنَّت القانون رقم 5816 في نظام العقوبات يجرم “الإساءة” لأتاتورك.

تنص المادة الأولى من القانون رقم 5816 المتعلق بـ”الجرائم” ضد أتاتورك على ما يلي:

  • يعاقب بالسجن لمدة تتراوح بين سنة واحدة وثلاث سنوات، أولئك الذين يهينون أتاتورك أو ذِكْراه علناً.
  • أي شخص يدمر أو يحطّم أو يلحق ضرراً بالتماثيل والأنصاب التذكارية لأتاتورك أو ضريحه يعاقب بالسجن لمدة تتراوح بين سنة وخمس سنوات.
  • يعاقب كل من يشجع أشخاصاً آخرين على ارتكاب الجرائم المنصوص عليها في الفقرات أعلاه بنفس العقوبة التي يعاقب بها مرتكب الجريمة.

هل قالت إيمان شاهين شيئاً يخالف الحقيقة؟

ما الذي قالته إيمان شاهين يستحق استنفار رجال الأمن والمدعي العام الجمهوري وتهتز له الدولة التركية؟

كل ما صرحت به في وجه الممجدين لأتاتورك صحيح: فأتاتورك فعلاً ليس إلهاً ليتم تقديسه بكل تلك المراسيم والأعياد والأنصاب التذكارية والخضوع للقوانين التي سنَّها. والوقوف دقيقة صمت وخشوع تذكاراً للحظة وفاة أتاتورك تصَرُّف يشبه فعلاً العبادة والصلاة، وأتاتورك جاء فعلاً بقوانين الغرب.

ما ينبغي لأتاتورك أن يُعامل كإله

فإذا كانت أركان الدولة العلمانية التركية تغضب وتهتز لقول امرأة أن “أتاتورك ليس إلها”، فالله نفى عن رسله الألوهية وحرَّم معاملتهم كآلهة {مَا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ كَانَا يَأْكُلانِ الطَّعَامَ انْظُرْ كَيْفَ نُبَيِّنُ لَهُمُ الْآياتِ ثُمَّ انْظُرْ أَنَّى يُؤْفَكُونَ} (سورة المائدة)، {وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِنْ كُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ} (المائدة). {اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَهاً وَاحِداً لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ}(التوبة). {قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صالحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا} (سورة الكهف). {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ} (سورة آل عمران).

وأبو بكر الصديق رضي الله عنه، لما رأى الهلع أصاب كثيراً من الصحابة لما سمعوا بوفاة الرسول، خطب فيهم قائلاَ: “مَنْ كَانَ مِنْكُمْ يَعْبُدُ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِنَّ مُحَمَّدًا قَدْ مَاتَ، وَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ يَعْبُدُ اللَّهَ فَإِنَّ اللَّهَ حَيٌّ لَا يَمُوتُ …” (صحيح البخاري).

ومن مقتضيات نفي الربوبية عن أتاتورك ألَّا يتم تقديسه بمراسيم التعظيم والأعياد والأنصاب التذكارية والتماثيل وصوره المعلقة في كل مكان، وألَّا يخضع الناس للقوانين التي سنَّها أتاتورك، فقد ذم الله اليهود والنصارى الذين اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أرباباً: {اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَهًا وَاحِدًا لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ} (سورة التوبة). عن عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ يَقُولُ: (اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ). قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّهُمْ لَمْ يَكُونُوا يَعْبُدُونَهُمْ. قَالَ: “أَجَلْ، وَلَكِنْ يُحِلُّونَ لَهُمْ مَا حَرَّمَ اللَّهُ فَيَسْتَحِلُّونَهُ، وَيُحَرِّمُونَ عَلَيْهِمْ مَا أَحَلَّ اللَّهُ فَيُحَرِّمُونَهُ، فَتِلْكَ عِبَادَتُهُمْ لَهُمْ” (السنن الكبرى للبيهقي).

الوقوف دقيقة صمت حِدادًا على الميت بدعة يرفضها الشرع

الوقوف دقيقة صمتٍ وخشوعٍ تذكاراً لوفاة أتاتورك أو أي شخص آخر بدعة لم يأمر بها الله والرسول، وهي تصَرُّف يشبه فِعْلاً العبادة والصلاة، تَصَرُّف يحمل معاني التقديس للبشر، وهذا محرم شرعاً. فإذا كان خير خلق الله على الإطلاق، الرسول محمد صلى الله عليه وسلم، منع أصحابه من الوقوف له وهو حي، عن أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ (خادم الرسول)، قَال:”لَمْ يَكُنْ شَخْصٌ أَحَبَّ إِلَيْهِمْ (أي إلى الصحابة) مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَكَانُوا إِذَا رَأَوْهُ لَمْ يَقُومُوا، لِمَا يَعْلَمُونَ مِنْ كَرَاهَتِهِ لِذَلِكَ” (سنن الترمذي). ولما أطل معاوية بن أبي سفيان عَلَى ابْنِ الزُّبَيْرِ وَابْنِ عَامِرٍ، قَامَ له ابْنُ عَامِرٍ وَجَلَسَ ابْنُ الزُّبَيْرِ، فَقَالَ مُعَاوِيَةُ لِابْنِ عَامِرٍ: اجْلِسْ، فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: “مَنْ أَحَبَّ أَنْ يَمْثُلَ لَهُ الرِّجَالُ قِيَامًا فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنْ النَّارِ” (سنن أبي داود والترمذي). وقال أَبُو أُمَامَةَ: خَرَجَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ، فَلَمَّا رَأَيْنَاهُ قُمْنَا له، فقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: “إذا رَأَيْتُمُونِي فَلَا تَقُومُوا كَمَا يَفْعَلُ الْعَجَمُ يُعَظِّمُ بَعْضُهَا بَعْضًا” (مسند أحمد)..

أقول إذا كان رسول الله منع أصحابه من الوقوف له وهو حي، فكيف يقف المسلمون اليوم لأموات؟ كيف يقفون لبشر ليسوا ولن يكونوا أبداً في منزلة الرسول، الرسول الذي لا نقف له حياً ولا ميتاً، ولا نحيي ذكرى وفاته، ناهيك عن إحيائها بوقوف دقيقة صمت عليه!

أتاتورك ألغى فعلاً قوانين الشريعة الإسلامية ووضع بدلها قوانين من الغرب

بعدما ألغى أتاتورك سنة 1924م رسمياً الخلافة التي دامت حوالي 1400 سنة والتي كانت تجمع شمل جميع البلدان والشعوب الإسلامية في دولة واحدة وتحت حاكم واحد (خليفة) وتُحكم بالشريعة (رغم الهفوات والتجاوزات التي كانت تكثر في عصور وتنخفض أحياناً أخرى)، سارع لعلمنة تركيا على الطراز الغربي أو أشد. فعلى سبيل المثال لا الحصر ألغى أتاتورك سنة 1926م رسمياً أحكام الشريعة، حيث ألغى العمل بِـ”مجلة الأحكام العدلية” وتبنى بدلها القانون المدني السويسري وقانون العقوبات الإيطالي. وحظر أتاتورك الحجاب وأُرغم النساء على التبرج، وذلك بِسَنِّ قانون يعاقب ليس فقط من ارتدت الحجاب من النساء، بل كذلك أزواجهن وأقاربهن، وأُبيح “زواج”المسلمة من الكافر، وألغيت بعض أحكام الميراث، حيث تم مثلاً تسوية النصيب في الميراث بين الرجال والنساء……

أتاتورك قلَّد الغرب في كل المحرمات، وحاول تغيير حياة المسلمين في تركيا لتشبه حياة الغرب في كل جزئياتها اليومية: فمثلاً ألغى سنة 1924م يوم الجمعة كيوم عطلة أسبوعي، وجعل، تسَنِّيا بالغرب، يومي السبت والأحد أيام العطلة الأسبوعية، وتبنى التوقيت الأوروبي وتقويم التاريخ الميلادي، أتاتورك تدخل حتى في نوعية غطاء الرأس الذي يجوز أو يجب ارتداءه، حيث أصدر سنة 1925م قانوناً (قانون القبعة) يجرم ارتداء الطربوش العثماني والعمامة ويفرض القبعة الأوروبية، وحدد عقوبات بالسجن لمن يضبط مرتدياً الطربوش أو العمامة، وكان من بين أشهر ضحايا هذا القانون التعسفي الشيخ “محمد عاطف” الذي أُعدم عام 1926م بتهمة أنه، وخصوصا كتابه “تقليد الإفرنج والقبعة” الذي نشره سنة 1922م (قبل إصدار قانون القبعة) والذي حرم فيه تقليد الغرب في اللباس، أجج الاحتجاجات الشعبية التي اندلعت في مدينة غيراسون التركية ضد قانون القبعة، تم إعدام الشيخ محمد عاطف شنقا سنة 1926م.

الصورة 3 (إعدام الشيخ محمد عاطف بسبب “قانون القبعة”)

الأضرحة والتماثيل من مظاهر الشرك المحرمة شرعاً

لا أظن أن هناك شخص (حياً أو ميتاً) في الكون، في هذا العصر الذي نعيشه، يتمتع بقداسة وتمجيد وتعظيم كمصطفى كمال أتاتورك في تركيا، هذا رغم أنه توفي قبل 80 عاماً! فهناك عديد من المهرجانات والأعمال والمباني تحمل اسمه تخليداً له، منها على سبيل المثال: سد أتاتورك، ومطار أتاتورك، والملعب الأولمبي لأتاتورك، وجسر أتاتورك، وجامعة أتاتورك، ومزرعة أتاتورك، الخ …. هذا ناهيك عن ضريح أتاتورك الضخم في أنقرة، والأنصاب التذكارية والتماثيل لأتاتورك التي لا حصر لها في كافة المدن والبلدات التركية، كما يوجد تمثال لأتاتورك عند مدخل المؤسسات الحكومية وصور له بداخلها، وتتواجد صور لأتاتورك في المدارس وعلى غلاف الكتب الدراسية. …كما تحتفل تركيا في 29 أكتوبر/تشرين الأول من كل عام بالذكرى السنوية لإعلان الجمهورية على يد مؤسسها مصطفى كمال عام 1923م، وتحتفل تركيا كل عام في 19 من مايو/أيار بالذكرى السنوية لولادة أتاتورك، عيد يُسمى”أتاتورك وعيد الشباب والرياضة”، وتحتفل تركيا في 10 نوفمبر/تشرين الثاني من كل عام بالذكرى السنوية لوفاة أتاتورك.

الضريح هو بناء عالي ـ عادة ـ على قبر أحد الأشخاص تخليداً لذكراه، يزوره الناس ـ غالباً في مناسبات معينة ـ. ولم يعرف المسلمون في عهد الرسول ولا في عهد الخلفاء الراشدين ولا بعدهم بفترة تشييد الأضرحة.

والمشكلة في الضريح ليس بالضروري زيارة المقبور فيه للدعاء له وللاعتبار وتذكر الموت، كما بيَّنت سنة الرسول الغاية من زيارة القبور. ولكن المشكلة: أولاً في البناء على القبر، فكما هو معلوم يحرم الإسلام تعظيم القبور بتشييد أبنية عليها وجعلها مزارات، يقول مثلاً ابن القيم الجوزية في كتابه زاد المعاد: [وَلَمْ يَكُنْ مِنْ هَدْيِهِ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – تَعْلِيَةُ الْقُبُورِ وَلَا بِنَاؤُهَا بِآجُر، وَلَا بِحَجَرٍ وَلَبَنٍ وَلَا تَشْيِيدُهَا، وَلَا تَطْيِينُهَا، وَلَا بِنَاءُ الْقِبَابِ عَلَيْهَا، فَكُلُّ هَذَا بِدْعَةٌ مَكْرُوهَةٌ، مُخَالِفَةٌ لِهَدْيِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. …..وَكَانَتْ قُبُورُ أَصْحَابِهِ لَا مُشْرِفَةً (عالية) وَلَا لَاطِئَةً، وَهَكَذَا كَانَ قَبْرُهُ الْكَرِيمُ، وَقَبْرُ صَاحِبَيْهِ (أبو بكر وعمر)، فَقَبْرُهُ مُسَنَّمٌ مَبْطُوحٌ بِبَطْحَاءِ الْعَرْصَةِ الْحَمْرَاءِ لَا مَبْنِيَّ وَلَا مُطَيَّنَ، وَهَكَذَا كَانَ قَبْرُ صَاحِبَيْهِ] (انتهى الاقتباس).

وعن أَبِي الْهَيَّاجِ الْأَسَدِيِّ قَالَ: قَالَ لِي عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ: أَلَا أَبْعَثُكَ عَلَى مَا بَعَثَنِي عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ لَا تَدَعَ تِمْثَالًا إِلَّا طَمَسْتَهُ وَلَا قَبْرًا مُشْرِفًا إِلَّا سَوَّيْتَهُ (صحيح مسلم). ومن مجموع أحاديث الرسول عن القبور يُؤخذ أنه لا يجوز رفع القبر عن سطح الأرض إلا بقدر ما يبدو من سطح الأرض ويتميز عنها، لِيُعرف أنه قبر، وهذا الغرض يتحقق برفع القبر حوالي شبر عن الأرض (وعلى هذا النحو يُفهم معنى “تسوية القبور” في الحديث).

وقال رسول الله أياماً قبل وفاته: “أَلَا وَإِنَّ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ كَانُوا يَتَّخِذُونَ قُبُورَ أَنْبِيَائِهِمْ وَصَالِحِيهِمْ مَسَاجِدَ أَلَا فَلَا تَتَّخِذُوا الْقُبُورَ مَسَاجِدَ إِنِّي أَنْهَاكُمْ عَنْ ذَلِكَ” (صحيح مسلم).

وقال صلى الله عليه وسلم: “لَا تَجْعَلُوا قَبْرِي عِيدًا” (سنن أبي داود). أي: لا تجعلوا زيارة قبري عيدا، تتسم زيارته بمظاهر وطقوس العيد، وتخصص الزيارة في يوم محدد، الخ. وكثير من الأضرحة اليوم، إلى جانب أنها تخالف الشرع بالبناء على القبر، فقد اتُّخِذ كثير منها عيداً، كما هو الحال بالنسبة لضريح “آنيتكابير” في أنقرة الذي خصص لقبر مصطفى كمال أتاتورك، ويزوره طوابير من الناس، وعلى رأسهم رئيس الدولة التركية، في 10 نوفمبر من كل عام بمناسبة الذكرى السنوية لوفاته.

https://www.youtube.com/watch?v=MHH6UtwOnmk

أما التماثيل والأنصاب التذكارية لأتاتورك أو لغيره، فمن المعلوم من الدين بالضرورة حُرمتها، بل وحرمة مغلظة. فهذه من مظاهر الشرك بالله المحرمة تحريماً قطعياً. فعلى سبيل المثال لا الحصر، قال رسول الله عمن يرسم صوراً أو يصنع تماثيل لذوات روح (إنسان أو حيوان): “إِنَّ الَّذِينَ يَصْنَعُونَ هَذِهِ الصُّوَرَ يُعَذَّبُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، يُقَالُ لَهُمْ أَحْيُوا مَا خَلَقْتُمْ” (صحيح البخاري)، ولما فتح النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَكَّةَ وَكان حَوْلَ الْكَعْبَةِ ثَلَاثُ مِائَةٍ وَسِتُّونَ نُصُبًا، جَعَلَ يَطْعنُهَا بِعُودٍ فِي يَدِهِ وَيَقُولُ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ (صحيح البخاري)، وأمر بطمسها.

قوانين تمجيد بشر عفا عنها الزمن حتى عند الكفار، فما بال المسلمين متمسكين بها؟

الأولى أن يُتوقع من دول الكفار (كالغرب مثلاً) وضع قوانين تجرم وتعاقب من ينتقد شخصاً ما، حياً أو ميتاً، لأن الكافر بطبيعة عقيدته لا يؤمن بالله كمشرع، ويخضع لقوانين يضعها بشر مثله. ويُتوقع من ناحية أخرى أن المسلمين أصحاب “عقيدة التوحيد” (لا إله إلا الله محمد رسول الله) الذين من شروط إيمانهم ألَّا يعظموا إلا الله وحده وبعده رسله المبلغين عنه، أما ما سوى الرسل من الناس، أيًّا كان شأنهم ومقامهم، فلا قداسة لهم، ويجب محاسبتهم وعتابهم وعقابهم إن فعلوا ما يستحق العقاب، ولو كان خليفة المسلمين، لكن الواقع في عصرنا الحالي، أن الكفار ـ في دول الغرب على الأقل ـ وصلوا لدرجة من النضج والوعي جعلتهم لا يقدسون البشر، ويحاسبون وينتقدون الحكام على الخصوص بأشد الأساليب، وما السجال الحاد قبل أيام في البيت الأبيض بين مراسل قناة سي.إن.إن، جيم أكوستا، والرئيس الأمريكي دونالد ترامب، عنا ببعيد. في المقابل صحفي مسلم قُتل غدرا وقطعت جثته وأذيبت لانتقاده الطفيف لبعض سياسات دولته.

لكن في المقابل تجد نسبة كبيرة من أهل “التوحيد”، وعلى رأسهم المشايخ وعلماء الدين، يقدسون الأشخاص، والحكام على الخصوص، وجعلوا مجرد انتقادهم جريمة عظمى تستحق السجن والتعذيب والإعدام.

الغرب رغم كفره تجاوز عصر تقديس الأشخاص، فكم من رئيس دولة غربية حتى قُذف ـ وهو حي ـ بالبيض مثلاً أو بأحذية أو صُفع في وجهه، فكانت عقوبة الجاني بسيطة لا تختلف البتة عن عقوبة إصابة أي شخص عادي بنفس الأذى، والتي غالباً ما لا تتعدى غرامة مالية زهيدة. فكيف بالدول في البلدان الإسلامية لازالت تقريبا الوحيدة في العالم التي تنص دساتيرها على “قوانين إهانة الحاكم أو الإساءة إليه أو المساس به (حيا أو ميتا)”؟ والإهانة أو الإساءة أو المساس أو غيرها من الألفاظ التي تستعملها تلك القوانين الرجعية فضفاضة تحتمل كل المعاني، حتى الانتقاد الموضوعي للحكام في مسائل تخص شؤون العامة، شؤون البلد والشعب.

ألم يحن الوقت للأنظمة في البلدان الإسلامية أن تتحضر وتقلع قوانين معاقبة من يحاسب الحكام وينتقدهم ويبين مخالفتهم للقرآن والسنة اللذين يؤمن بهما عموم المسلمين وتوجب عليهم أن يحاكموا الناس وعلى رأسهم الحكام على أساسها!

تقصير المشايخ والأحزاب الإسلامية في واجب تغيير منكر الحكام وأنظمة الحكم

من العيب والخجل أن تتسم شابة مسلمة بالشجاعة والشهامة والإيمان لتقوم وحيدة أمام الملأ في عز مراسيم تعظيمه وتمجيده لأتاتورك وخشوعه له، لتُسمعهم كلمة حق: “أتاتورك ليس إلهًا”، في حين يصمت المشايخ والعلماء وعلى رأسهم المشايخ المقيمين في تركيا، وتصمت الأحزاب “الإسلامية” كـ”حزب العدالة والتنمية التركي”، أو “الإخوان المسلمون” و”حزب الأمة الخليجي” اللذان أصبحت تركيا مقرهم شبه الرئيسي، هذه الأحزاب “الإسلامية” وهؤلاء المشايخ لم يقوموا حتى بوقفة تضامن مع الشابة المسلمة إيمان شاهين، ولم يعلقوا على اعتقالها، وهم الذين تعلوا أصواتهم ـ بحق ـ على أبسط تجاوزات تصدر من حكام مصر أو السعودية. في حين رأينا حشوداً من عوام المسلمين في تركيا وخارجها انتفضت وأعلنت تضامنها مع إيمان شاهين، ووافقتها الرأي فيما قالته، وطالبت بالإفراج عنها.

https://www.youtube.com/watch?v=GMnbTT3DXL4

لماذا نجد العلمانيين جريئين في التطاول حتى على الله والرسول، لكن غالب مشايخ المسلمين يتملَّكهم الجبن وتغلب عليهم المداهنة والتقية، ولا يتجرؤون على تحدي القوانين الوضعية التي تمنع مجرد “انتقاد” أنظمة الحكم والحكام، رغم أنهم (أي المشايخ) طالما نظَّروا عن “التوحيد” وفصَّلوا معاني توحيد الربوبية والألوهية الخ؟

لماذا نجد العلمانيين سباقين للأخذ بزمام الأمور في البلدان الإسلامية والمبادرة لزلزلة مجتمعات المسلمين باقتراحات إلغاء ما تبقى من شعائر الإسلام، ويضغطون على الحكومات لتبني اقتراحاتهم وجعلها قوانين، كقوانين منع النقاب، وقوانين المساوات بين المرأة والرجل في الإرث، وقوانين تبيح “زواج” المسلمة من كافر، وقوانين إلغاء قوامة الرجال على النساء، الخ …… لكن لا نكاد نسمع بمشايخ وأحزاب “إسلامية” لهم نفس جرأة العلمانيين ويُحدِثون ضجة ضد قوانين وضعية عفى عنها الزمن ويضغطوا على الحكومات في البلدان الإسلامية لقلعها ولتبني قوانين من الشريعة الإسلامية؟ لماذا المشايخ والأحزاب “الإسلامية” في تركيا، عرباً وعجماً، وعلى رأسهم الإخوان وحزب الأمة الخليجي والتيارات السلفية، لا يقدموا على أقل تقدير رسائل نصح علنية لأردوغان وحكومته، يطالبون فيها مثلاً بإلغاء القانون رقم 5816 المتعلق بـ”الجرائم” ضد أتاتورك، وإلغاء غيرها الكثير من القوانين التي تحرم ما أحل الله أو تحل ما حرم الله؟

صدق عمر بن الْخَطَّابِ حين كان يقول: [اللَّهُمَّ أَشْكُو إلَيْكَ جَلَدَ (شدة) الْفَاجِرِ، وَعَجْزَ الثِّقَةِ] (السياسة الشرعية في إصلاح الراعي والرعية لابن تيمية).

لماذا لا يقوم المشايخ بواجب النصح والموعظة حتى للحكام الذين يحبون والذين يظنون أنهم مدينون لهم بأنهم آووهم وحموهم وأطعموهم، على الأقل من باب واجب تبرئة الذمة أمام الله، كما فعلت الشابة إيمان شاهين: {وَإِذْ قَالَتْ أُمَّةٌ مِنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا قَالُوا مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ} (سورة الأعراف).

المصادر:

  • طالبة سورية تواجه السجن في تركيا.. السبب: موقفها من “أتاتورك”

https://eldorar.com/node/127965

  • تركيا.. اعتقال منقبة بعد أن هتفت: أتاتورك ليس إلهًا!

https://www.zamanarabic.com/2018/11/10/تركيا-اعتقال-منقبة-بعد-أن-هتفت-أتاتور/

  • فتى تركي “أهان” أتاتورك فعاقبته الشرطة بالوقوف أمام تمثال أتاتورك على قدم واحدة وتأدية التحية العسكرية له

http://www.daralakhbar.com/articles/14702643-المقال-من-المصدر-اعتقال-فتى-تركي-بتهمة?sec=world&src=مزمز

  • تركيا.. اعتقال طالب عسكري بتهمة إهانة أتاتورك

https://www.zamanarabic.com/2018/11/11/تركيا-اعتقال-طالب-عسكري-بتهمة-إهانة-أت/

  • تركيا.. اعتقال مدرس دين بتهمة الإساءة إلى أتاتورك

https://www.zamanarabic.com/2018/11/07/تركيا-اعتقال-مدرس-دين-بتهمة-الإساءة-إل/

  • أردوغان في ذكرى وفاة أتاتورك: تركيا ستكون من أقوى الدول

http://www.alhayat.com/article/4611398/سياسة/العالم/أردوغان-في-ذكرى-وفاة-أتاتورك-تركيا-ستكون-من-أقوى-الدول

  • رئيس الجمهورية أردوغان يوجه رسالة إلى الشعب بمناسبة ذكرى وفاة أتاتورك

http://www.trt.net.tr/arabic/trky/2018/11/09/ry-ys-ljmhwry-rdwgn-ywjh-rsl-l-lsh-b-bmnsb-dhkr-wf-attwrk-1084862

  • أردوغان يحيي الذكرى الـ80 لرحيل أتاتورك

https://arabic.rt.com/world/981803-أردوغان-يحيي-الذكرى-الـ-80-لرحيل-أتاتورك/

  • قانون الجرائم ضد أتاتورك

https://tr.wikisource.org/wiki/5816_sayılı_kanun

  • تركيا أتاتورك.. البلد التي يحكمها دكتاتور راحل

https://www.turkey-post.net/p-87407/

  • عندما يتحوّل الحديث عن أتاتورك إلى اتهامات بالتخوين

https://ahvalnews.com/ar/عندما-يتحوّل-الحديث-عن-أتاتورك-إلى-اتهامات-بالتخوين/أتاتورك

  • إعدام الشيخ محمد أفندي.. يوم جرّم أتاتورك ارتداء الطرابيش.. حتى اختفت!

http://www.turkpress.co/node/19729

  • حكم العمل في خدمة الأضرحة

https://islamqa.info/ar/answers/258319/حكم-العمل-في-خدمة-الاضرحة

  • Atatürk’e hakaretten tutuklandı! İşte ifadesi

https://www.sozcu.com.tr/2018/gundem/ataturke-hakaretten-tutuklandi-iste-ifadesi-2732057/?utm_source=szc&utm_medium=free&utm_campaign=ilgilihaber

  • Atatürk’e hakaretten tutuklanan üniversiteli kız adli kontrolle serbest

https://www.sozcu.com.tr/2018/gundem/ataturke-hakaretten-tutuklanan-universiteli-kiz-adli-kontrolle-serbest-2738187/

بقلم: هشام البواب

 

أضف تعليقك هنا