الاعتراف بالأخطاء ومسامحة النفس

اعترف بخطئك، واعتذر

عندما تقع في الخطأ فإنك إنسان، وأنا لا أعرف إنساناً كاملاً لا يقع في الخطأ، فنحن بشر ومن طبيعتنا النقصان، فإذا وقع منك الخطأ فماذا تفعل؟

لم يكن سهلاً على ذلك الرجل عندما أوقفه الشرطي وهو متجاوز للسرعة المسموحة أن يقر بخطئه إلا أنه بكل الأحوال إن اعتذر أو لم يعتذر فسوف تحرر له المخالفة، نحن لا نتكلم عن هذه الحالات في صورتها الطبيعية ولكن أريد أن أسألك: إذا جاءك الشرطي وأنت قد خالفت السرعة فإن بررت له موقفك فلن تحصل على شيء بالمقابل وقد تزيد الموقف اشتعالاً، وقد يتطور الموقف إلى مشاجرة بينك وبين الشرطي أنت في غنىَ عنها، أما إذا اعتذرت عن خطئك وبادرت على الفور بالاعتراف به فإن الشرطي سيحرر لك المخالفة بكل الأحوال إلا أنه سيكون أرق حالاً.

في كثير من الأحيان عندما تعترف بخطئك وتهول من أمره قبل أن ينتقدك الآخر فإنك تسمح له بإظهار كبريائه وموقفه النبيل بالصفح عنك وهي في كثير من الحالات تنهي الموقف بابتسامة، وباعترافك بخطئك فأنت تمهد جسر العلاقة مع الآخرين وبأننا بشر ولسنا معصومين، إذا أخطأت فماذا تفعل؟

اعترافك بالخطأ مفتاحك لحل المشكلة

كلما أصررت على تبرير موقفك زادت المشكلة وتفاقمت، وكلما أسرعت بالاعتراف بالخطأ كلما انتهت بسرعة، فإذا اعترفت بخطئك فعوض من أخطأت في حقه بهدية وغيرها حتى يرضى، فإن رضي فلا تفتح النقاش بالخطأ مرة أخرى فيكون الاعتذار هو النهاية، فإن جاءك أحد فقال لك لماذا يا فلان أخطأت، أو أراد أحد أن يفتح النقاش مرة أخرى فلا تفتح النقاش ثانية، وبعد أن تنهي الموقف وتصلحه وتعتذر وترضي من اعتذرت إليه فابتسم ولا يبقى وجهك حزيناً فالخطأ قد وقع وانتهى، فإن لم يتقبل الآخر اعتذارك في هذه اللحظة فسيتقبلها بعد فترة فلا تستعجل في رفض الاعتذار بل انتظر ولا تكرر الاعتذار وبالمقابل لا تقل لن أعتذر مرة أخرى بل الزم الصمت فهو مفتاحك لحل المشكلة، وإذا لم يكن لديك عمل بالمكان فعليك بالانصراف والرحيل من المكان لأن القلوب ما تزال مشتعلة من الموقف فلكي تهدئها عليك بالانصراف من المكان، فهذا هو الحل لكي تتعامل عندما تخطئ في أمر ما. واعترافك بالخطأ سيزيد من موقفك النبيل بل ويرفعك درجات ويرقيك في نظر محبيك، وأنك لا تصر على الخطأ.

يقول لي رجل أنه كان هناك حارس أمن لحديقة من المتعجرفين وأصحاب الأنا العالية، فلما كان لديه كلب ويمشي في هذه الحديقة فإذا بحارس الأمن يأتي إليه ليؤنبه على تركه للكلب طليقاً دون أن يمسكه فإذا تركه ربما عض الأطفال أو اعتدى على أحد، فعليه أن يربطه ويمسكه، فقال لي الرجل إن الكلب يتحسس من عنقه ولا يحب أن يمسكه دائماً بل يريد أن يستمتع به طليقاً، وانتهى الموقف، بعدها بفترة عاد الرجل إلى الحديقة ونسي مرة أخرى أن يربط الكلب.

ثم إذا بحارس الأمن يفاجئه، فقال لي: هكذا تصرفت بالحرف الواحد بادرته بالاعتذار فقلت له أنا لا أفهم لقد قلت لي المرة الماضية أن أربط الكلب ولم أربطه مع كل ما قلته لي إني لا أستوعب الدرس، فقال له حارس الأمن لا عليك الأمر بسيط، فقال له الرجل: كيف بسيط؟!  أنت قلت لي المرة الماضية ومع ذلك نسيت فلربما عض الأطفال أو اعتدى على أحد، فقال له الحارس لا عليك أعرف أنت تحب أن تستمتع به طليقاً فلذلك اذهب به إلى التلة البعيدة كي لا أراك فهناك لا يوجد خطر كبير على أحد، وبذلك انتهى الموقف وأرضى غرور ذلك الحارس باعتذاره وجعله يظهر بموقفه النبيل واكتسبه إلى صفه، أما إن برر موقفه فلن يزيد الموقف إلا اشتعالاً.

وإذا جرحت أحدا بقول أو فعل فبادر بالاعتذار، وهذا الأمر يتطلب منك شجاعة أدبية بأن تقول: “لقد كنت مخطئاً، وأنا أعتذر عن ذلك” وهذا النوع من التواضع لا يحقر من شأنك بل يزيدك رفعة وعلوا.

“لا تؤاخذني بما نسيت ولا ترهقني من أمري عسراً” سورة الكهف الآية 73.

الاعتذار والتوبة طاعة لله وتعظيم له

فالاعتذار تعبير عما يجول في النفس من شعور بالذنب، وللتوبة شروط، وهي الندم على الماضي على ما فعلت ندماً صادقاً، والإقلاع عن الذنوب، ورفضها وتركها مستقبلاً طاعة لله وتعظيماً له، والعزم الصادق على ألا تعود إلى تلك الذنوب، ويضاف لها أمر رابع وهو أن تؤدي الحقوق لأصحابها.كما قال تعالى:” والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم ذكروا الله فاستغفروا لذنوبهم ومن يغفر الذنوب إلا الله ولم يصروا على ما فعلوا وهم يعلمون” سورة آل عمران آية 135.

وفي المنزل فإن الاعتذار عن الأخطاء يحافظ لك على جو حميمي في العائلة، أما إذا تبادلت الاتهامات والتبريرات فإن المشاكل لن تنتهي أبداً، وخاصة بين الأزواج فإن الزوجة عندما تظهر لك أخطاءك فإن بررت فلن تقدر على علاج المشكلة أما إن اعترفت بخطئك فكأنها برداً وسلاماً هذه المشادات، وما تلبث أن تتحول بسرعة البرق إلى مكالمات إيجابية ولطيفة وتحافظ على جو الأسرة مفعماً بالود والألفة، ولن ينزل من قدرك أن اعتذرت سواء في المنزل أو في العمل، بل إن ذلك سيرفع مكانتك ويزيد من قدرك في قلوب محبيك وحتى أعدائك.

آفة الاعتذار هي الأعذار

فاعتذر عن أخطائك من اليوم ولا تبرر، فإن آفة الاعتذار هي الأعذار، وآفة الأسف هي التبريرات، فأعداؤك لن يصدقوك وأصدقاؤك سيتقبلون عذرك بدون أن تبرر، فاجعلها اعتذارات واضحة المعالم ولا تلجأ للتبريرات، فقط كن مبادراً بأن تعتذر وستجد القبول والصفح من الآخرين وهذا سيجعلك مقدراً أيضاً لأن الاعتذار يحتاج إلى شجاعة وليس كل شخص قادر عليه.

وبمجرد أن تعتذر فأنت تسامح نفسك وتزيل عنها ما علق بها من أثر الذنب وحمله، بل إنك عندما تبرر فأنت تعزز شعورك بالذنب وتفاقم المشاكل، وعلى عكس ذلك عندما تعتذر فأنت تشعر بقمة السعادة والطمأنينة، وكل هذا لا ينبع إلا من شخص نبيل وشجاع وقادر على الاعتراف بما أخطأ به.

وإن لم تكن قد أخطأت فعندما تعتذر فإنك تخفف شدة وحدة المواقف، وتعبر إلى أفئدة الآخرين على الرغم من أن الشكل الظاهري لها هو انتقاص من قيمتك، إلا أن الشكل الضمني للاعتذار هو أن تترفع عن الموضوع وتترفع عن المشكلة والحدث بقبولك أنك قد تخطئ.

فاعتذر للآخرين وسامح نفسك عندما تخطئ لأنك عندما أخطأت كانت لديك كل الموارد في وقتها، أما الآن فإنك بمعرفتك لمعلومات أخرى فإنك لن تتصرف نفس التصرف بالتأكيد، فلذلك فاصفح عن نفسك أيضاً، واعترف بالأخطاء.

فيديو مقال الاعتراف بالأخطاء ومسامحة النفس

أضف تعليقك هنا