المصطبة تنافس الجزيرة إعلامياً

إذا أردت أن تقيس وعي أمة، فانظر إلى غفلتها عن التثبت والتفكر عند ترويج الشائعات.

الفتنة تبدأ بكلمة فتقام عليها الحروب، وتفرق بها الأسر، وتورث بها الحسرة وتشتعل بها الأفئدة، ويتحطم من خلالها العظماء، وتشاع بها الفاحشة، فرب مقالة لحاقد أشعل الفتنة بالنفخ والتضخيم.

سرعة تصديق الناس للشائعات والأكاذيب

في البداية يعني ايه مصطبة أو مصطفة؟

مصطبة: مفرد مصاطب، وهي عبارة عن بناء مكان مرتفع عن الأرض مسافة ذراع خارج الدار، بغرض الجلوس أو الإصطفاف.

هل من الممكن أن يتحول كلام المصطفة إلى قرارات وقوانين إذا تم تشذيبه؟

اّه ممكن بس في حالة تصديق حضرتك ليه بيتحول من كلام مصاطب لحقائق بالنسبة لمروجها ومصدقها طالما يغيب عن المستمع مهارة التفكير الناقد أو فلترة الكلام أي “التثبت”.

يعني مثلاً لما أقعد جنب حضرتك وأقول ليك مفيش غلاء معيشي ولا حاجة، فطبيعي حضرتك هترد علي وتقول ليه يابيه؟

فهرد عليك وأقول: أنا في 2018م بجيب وجبة الفطار لخمسة أفراد بـ 2 جنيه “فقط جنيهان مصريان”، لايوجد صفر منسي أمام رقم 2، في اللحظة دي بيبدأ غيظ المستمع لو الكلام مش حقيقي، وبيركز كويس جداً لو الكلام حقيقي فهيستفيد من تجربة القائل.

المهم هنا الحوار بين الاتنين مضمونه؛ واحد بيتكلم والتاني مشتاق لتصديقه، لأنه بالفعل فقير الفكر فقير المال، فبدأ يرمي ودانه ونظراته للكاذب القائل أن وجبة الفطار لعدد خمسة أفراد = 2جنيه مصرى، ونسى أن الهدف هو إثارته ناحية تفكيك عضلات تفكيره، وأخدها لمنطقة البلبلة وقذف الحاكم بالكلام وبالحجارة من غير وعي ولا تفكير، لكن الوضع هيختلف لو حاولت أكون صاحب مبدأ، وصاحب فكر تحليلي، سواء القائل أو المستمع.

إذا كل كلام بيتقال نقدر نقول عليه كلام مصاطب، يحتمل الصدق ويحتمل الكذب، وعلينا أن ندقق في تفسير ما نسمع، بل ونستند إلى تحليل منطقي مبني على مرجعية عقلانية موثقة بالدلائل والبراهين.

الشائعات وأثرها على المجتمع المصري بل المجتمعات عامة

نتفق أولاً أن كل الكلمات التي تقال ليست بحقائق وليست بأكاذيب، فمتى نصدق أن المثلث له أربعة أضلاع يعني أننا في حاجة إلى فلترة ما نسمع حتى لا نفعل التهور برد فعل دون تصور.

الشائعات مصدر انتشار للأخبار، دون إدراك مروجها، وتهدف إلى إثارة الفتنة والبلاء والإيذاء والتفرقة بين الأحباب والتدمير والخراب للفرد والمجتمع، والصراع بين الحق والباطل حلزونياً بديمومة الحياة حتى يرث الله الأرض وما عليها.

لذا صناعة الشائعات حرفة أخطر من القتل وأخطر من السلاح، لأن القتل يستهدف فرد أو فريق، أما الشائعات فتستهدف أمة ببرمجة أفكارها لغوياً وعصبياً فتصاب بالاضطراب وتتزعزع ثقتها في حكامها فتشتعل الحروب، ومن ثم وجب حماية الأمم من التفرق والتشرذم.

الشائعة هي:

الشائعة هي ترويج لخبر ما، أو كلمة، أو حدث مختلق يتناقله الناس على مصطفة ما، دون الإستناد إلى توثيق، بغرض وضع الحواجز بين الحقيقة والشعوب الغافلة.

السذاجة هنا تعني قدرة الشعوب الغافلة على تصديق كل ما يصب في أذنهم دون فحص أو تمحيص، وعلى النقيض الأمة التى تتثبت وتتفحص الكلمات والأفكار هي أمة يقل فيها السفهاء ويكثرفيها المفكرون العقلاء.

ومن الشائعات ما يجعل الخردة لها قيمة، ومن القيمة أو العظمة ليس لها قيمة، تبدو صغيرة ولكنها حقيرة، فبرغم حقارتها وصغرها إلا أنها تخترق العقل لا الجسد، مما يتسبب في إعاقة رقي المجتمعات.

صدق الله العظيم في سورة الحجرات اّية رقم (8):

“ياأيها الذين اّمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قوما بجهالة فتصبحوا على مافعلتم نادمين”.

لذا تعد الإشاعات جريمة في حق المجتمع، لأن تمرير الشائعة يولد المصداقية الزائفة عند الغافلين، ومن ثم يتحدث بالكذب عن كل ما سمع، فتشيع الفوضى وتصبح أخطر من انتشار المخدرات بل أخطر من القتل، وناقل الكلام أيضاً لا يقل عن ناقل الفواحش شيئاً، لأنه يحدث الفتنة بين البشر بالغيبة والنميمة.

فمن يسمع كلاماً سيئاً عن فلان ثم ينشره فهو يتعمد حدوث الفتنة والكراهية، وشره أشر من القتل، فمن طلب عورة أخيه المسلم طلب الله عورته حتى يفضحه الله في بيته، فناقل الكلام يهدف إلى إشاعة الفاحشة بأذى الاّخرين ناقل ومنقول إليه، بحدوث فتنة بينهما والفتنة أشد من القتل.

صدق الله العظيم حين قال بسورة الحجرات أيضاً اّية (10):

“إنماالمؤمنون إخوة فاصلحوا بين أخويكم واتقوا الله لعلكم ترحمون”.

وعلى المنقول إليه أي نبأ أن يتثبت أولاً من الخبر، ولا يتعجل برد الفعل أو الحكم، خشية أن يصيب الاّخر بالأذى، وألا يردد الشائعة حتى لا تنتشر، فمضمون الشائعة سيئ لأنه يهدف إلى الترويج وإشعال الخراب والتدمير تماماً كالنار التي تشتعل وتنتشر بالانتقال، فإن لم تقل خيراً اصمت حتى لا تحدث الترويج والخراب وتشتيت العلاقات الاجتماعية بين الناس.

“ياأيها الذين اّمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قوما بجهالة فتصبحوا على مافعلتم نادمين”

أنواع الشائعات:

الشائعة الزاحفة: تعني الشائعة البطيئة التي تهدف إلى إعتقاد الصدق بالهمس والسرية أثناء ترويج ونقل المعلومات.

الشائعة السريعة: وتعني الشائعة الطائرة سريعة أو بطيئة الانتشار، والتي تهدف إلى التأثير بسرعة البرق.

الشائعة الإستطلاعية: وهي التي تقيس رد فعل الشارع نحو اتخاذ قرار ما.

شائعات الخوف: وتهدف إلى الترويع والتخويف وإثارة البلبلة عند العامة وبث القلق والاضطراب في المجتمعات للإنشغال والخوف على أنفسهم.

شائعات الكراهية: وتهدف إلى تفكيك المجتمع بنشر العداوة والحقد والبغض والكراهية بين الناس، مما يتسبب في التباعد بين الأزواج ومن ثم الطلاق، وكذا لها دور في إحداث الثورات الزائفة وتكريه الشعب في الجيش والشرطة وإقامة الحروب.

الشائعة الهجومية: وتهدف الى التقليل من شأن المنافسين.

الشائعة السياسية: وتهدف إلى تدمير أمن وأمان الدولة، وزعزعة الحكم، وفقد وتغييب الثقة في الشخصيات العامة، وتشتيت الرأى العام عن الهام إلى الوهم.

الشائعات العسكرية: وتهدف إلى الإخلال بالأمن العام أيضاً، ببث القلق والإضطراب في المجتمعات للإنشغال والخوف على أنفسهم.

شائعات الأعراض: وتهدف إلى هدر كرامة الإنسان الخوض في الأعراض، وإشاعة الفاحشة، وتعد من أخطر أنواع الشائعات لأنها تتسبب في القتل المباشر مع سبق الترصد.

أثر الشائعات على الفرد والمجتمع:

  • إثارة الفوضى
  • هتك الأعراض
  • إندلاع الحروب
  • سفك الدماء والتدمير
  • هدم البيوت
  • هدرالأموال
  • تشريد الأطفال
  • الإفساد بين الناس وتشتيت العلاقات

كيف نتعامل مع الشائعات؟

  • لا تقبل الشائعة ولا تتقبلها، بل تثبت وتفحص بالأدلة والشواهد أولاً.
  • راقب الله في رد فعلك مع الخبر.
  • لا تنشر الشائعة دون تمحيص.
  • استمالة صاحب الشائعة باللين أولاً.
  • لا تستصغر الشائعة بغرض التسلية.
  • احذراللسان والكلام.
  • تثبت وتبين واحذر الشائعات “كن واعي بالأحداث”.
  • لا تفشي الأسرار إذا أتتك الشائعة على شكل خبر مكتوب أومقروء.
  • كن يقظاً دوماً وامتلك القدرة على التحليل.
  • كذب المروجون للشائعات وافضح كذبهم بالحجة والدليل.
  • استخدم الدعاية المضادة ضد الشائعات.
  • توعية المجتمع وتحصينه ضد سموم الشائعات.
  • إسقاط الشخص مصدر الشائعة وتهميشه وإهماله وهزيمته نفسياً بسلب الثقة منه وإحساسه بالخسة والندالة والتفاهة.
  • النظر إلى الإرهاب على أنه اّداة خصبة للشائعات وبيئة حاضنة له.
  • حسن الظن بالاّخرين بدلاً من التأثر.
  • الحذر من معلومات الفيس بوك وتويتر وجوجل وبالتوك واسكاى بي والوتس أب وأنستجرام.

ومن الأمثلة الحية التى أحدثتها الشائعات:

حادثة الإفك التى طالت السيدة عائشة أم المؤمنين فأصيبت بالحزن والغم، حتى كاد البكاء أن يفلق كبدها، فتأثرسيد الأنام محمد صلى الله عليه وسلم في بيته وعرضه.

وكذا معركة أحد والتي تسببت الشائعة محمد قد قتل، في ترك الجنود ساحة المعركة، وحديثاً وجود الزئبق الأحمر بماكينات الخياطة ماركة سنجر، وكذا شائعة عطلة عيد الإسراء والمعراج.

لذا كانت يد الدولة المصرية قوية نحو محاربة الشائعات والتصدي لنشر الفوضى وزعزعة أمن البلاد.

فيديو مقال المصطبة تنافس الجزيرة إعلامياً

أضف تعليقك هنا