نريد القصرَ لا القبرَ

سيد القوم أغربهم!

تتوالى الفواجع في وطن المواجع على الشعب الجائع، فما أن يستكملَ القلب علاجَه و تستعيدَ الأجساد عافيتها حتى يُوجَّـه إليها سهم آخر يطعنُها وحامل السهم واحد و إن اكتسى في كل مرة بلباس جديد لكن يبقى كساؤه أسودا وإن غطى وجهه بألف قناع مختلف لكن ملامح وجهه تبقى جلية حتى للأعمى، و يصرخ الآدمي صرخة وجع حتى يُقال أن الحديد سينصهر لشدة حرارة القلب المتألم والأرض ستتزلزل حتى سابع أرض والسماء ستمطر دما من سابع سماء لقوة الصرخة، فالكُـل مشفِق لحاله إلا من رُفعت في وجهه الصرخة، هو ليس بأصم ولا أعمى هو فقط أصم عن نداء الشعب وأعمى عن حالة الشعب، هو سيد القوم لكنه أغرَبُهم عنهم، يفهم لغتهم و كلامهم لكنه عن الإجابة مُعرض ويوم يُجيب لا يَستجيب وإن استجاب أعطى أمرا أنْ جهّزوا للميت قبرا والميت قد قال قبل رحيله ” أريد قصرا “. هي ذي حالة الشعب في وطن لا يَعترف فيه من هم فوق الشعب بالشعب إلا في خطاباتهم.

صرخات عَلَتْ من كل بئر حُفر لوأد الشعب، ليست بواحدة أو عشر أو مئة بل هي ملايين الصرخات دوت مُطالبة بحقها، مُنددة بإجرام ينْدى له الجبين، مُذكرة من هم فوق الشعب أن تحتهم شعب مقهور في ” الكاريانات “مقبور، إلا أن التذكير يرتطم في كل مرة بجدار التجاهل والتماطل بل ويُحولونه إلى حطب يزيد نار الظلم اشتعالا فتأكل اليابس الذي كان قد بقي للشعب قبل التذكير وتحيط بالأخضر دون أن تلمسه محذرة من يقترب منه بأشد عذاب. أخضر هو في الأصل زُرع ونما في أرضِ وبحرِ الشعب، بين فوسفات ورصاص وزنك وثروة بحرية، و بدل أن يَحصدَ الشعب من أرضه و يصطادَ من بحره تحول هذان العنصران لنقمة، بين أرض تسيل فيها دماء المحتجين و تضيق فيها السجون بالمُعارضين و بين بحر التهم عشرات الفارين على قوارب الموت طمعا في الحياة، و امتد زلزال الفساد و طوفان الظلم ليجمع ما بقي من دريهمات في جيب الشعب و يُنزلها على عتبة باب ” المسؤول ” ليُكمل بها المليار والثاني والعاشر و لعشرة الأولى من الدراهم لم تُجمع بعد في يوم المواطن.

وماذا عن حقوق المواطن؟!

أخضر لا ينال منه المواطن المغربي حتى يلفظ أنفاسه الأخيرة في حادث سير في يوم ممطر في طريق جبلية لا تدوسها إلا أقدام بنعال حافية أو سيارات متهالكة، أو في بحر عَلَتْ أمواجه في ليل أسود كَسَر ألواح قارب حَمَلَ ما لا طاقة له به من نفوس عاشت أنْهُرا سوداء في وطنها الأم، و عَدّدْ ما شئت من مَثيل هذه الحالات التي تأتيك بأخضر وطنك على هيئة تعزية وكفن أبيض وصندوق أسود وقبر وربما – إن كنت محظوظا – تحظى بالركوب على متن مروحية طبية عسكرية، فموتك ثمن للسلعة ” الخضراء “.

لكن ماذا عن حقنا في الأخضر قبل الموت؟!  ألا تكون الترقية بدل التعزية ؟! واللباس الأبيض بدل الكفن الأبيض؟! والنقل الأجود بدل الصندوق الأسود؟! و البيت بدل القبر؟! ألايكون الفرح بدل القرح؟! ألا نعلن الأعياد بدل الحداد؟! ألا تسمعون صوتا يقول “نريد القصْرَ لا القَبْر”؟! القصر الذي يمتد من أقصى الشمال لأقصى الجنوب ومن أقصى الشرق لأقصى الغرب بأخْضَرِه اليانع. أتقتلوننا وتَمْشُونَ في جنازتنا ؟! أما فإنّ الأماني قد أغرّتكم و مِتُّم قبل موتكم و أقمتم الجنازة على أنفسكم و لا عزاء لنا فيكم!

فيديو مقال نريد القصرَ لا القبرَ

أضف تعليقك هنا