القيادة التشاركية وآليات الإتصال في ضوء مبادئ الحوكمة

 

بقلم: هيفاء الانسي

ظهر مصطلح الحوكمة (الحكم الرشيد) بشكل ملحوظ في أدبيات التنمية وأعمال المنظمات حيث تشير إلى أن الحكم الغير الرشيد (الحوكمة غير الجيدة) هو أحد أهم أسباب الفساد في المجتمعات لذا كان لابد من وجود مجتمع جاد وفعال من خلال تحسين أداء المنظمات وكافة القطاعات الممثلة للمجتمع ولهذا تعد الحوكمة بمختلف مبادئها شرطاً رئيسياً لتحقيق التنمية المستدامة وتحسين الأداء.

نشر الوعي حول مفهوم الحوكمة من قبل معهد الفضاء المدني

تجلى الاهتمام بنشر الوعي حول مفهوم الحوكمة من قبل معهد الفضاء المدني الذي يقدم برنامج تدريبي عبر منصته التعليمية على الانترنيت على هيئة ثلاث مساقات لنشر الوعي حول مبادئ ومفهوم الحوكمة في المنظمات والمجالس المحلية المنتخبة.

بدأت الرحلة المعرفية عبر الفضاء المدني:

  • من المساق الأول “كان المساق الأول بعنوان مبادئ ومفهوم الحوكمة داخل المنظمات والمجالس المحلية المنتخبة”
  • ثم استمرت الرحلة المعرفية مع المساق الثاني بعنوان فن القيادة والحوكمة.
  • واختتمت  الرحلة المعرفية بالمساق الثالث بعنوان آليات الأتصال والتواصل المجتمعي.

بماذا تميزت المواد المقررة في المساقات الثلاثة؟

تميزت المواد المقررة للقراءة في المساقات الثلاث بالتنوع الفكري مع الاتزام بالحيادية والموضوعية في طرح الافكار وتشجيع الرواد على أسلوب التعليم التشاركي والتفكير الابداعي.

قصة النبي سليمان عليه السلام مع الهدهد واستنباط صفات القائد العظيم

فعلى  سبيل المثال ما تضمنته المواد المقررة للقراءة في المساق الأول لقصة النبي سليمان عليه السلام مع الهدهد كما وردت في  القرآن الكريم  في سورة النمل الآيات(29-44) .

وكان ذلك بهدف الوقوف والتامل في قصة النبي سليمان والهدهد وعرضها للتحليل والنقد واستنباط صفات القائد العظيم من النبي سليمان وموقفه مع الهدهد عندما تفقد غيابه عن المجلس.

الدروس المستفادة من قصة النبي سليمان عليه السلام مع الملكة بلقيس

مما دفعني الي مزيداً من التأمل في تكملة النصف الآخر من قصة النبي سليمان عليه السلام- مع الملكة بلقيس ملكة سبأ والوقوف عند ردها على خطاب النبي سليمان عليه السلام بنظرة تأملية تحليلة ناقدة لقائد يطبيق القيادة التشاركية وآليات الاتصال في ضوء مبادئ الحوكمة.

 ( إِنه مِنْ سُلَيْمَانَ وَإِنه بِسْمِ الله الرحمن الرحيم) *(ألا تَعْلُوا علي وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ )*( قَالَتْ يَا أَيُّهَا الْمَلأَ أَفْتُونِي فِي أَمْرِي مَا كنت قَاطِعَةً أَمْرًا حتى تَشْهَدُونِ )*( قَالُوا نَحْنُ أُولُوا قوة وَأُولُو بَأْسٍ شَدِيدٍ وَالْأَمْرُ إِلَيْكِ فَانْظرِي مَاذَا تَأْمُرِينَ )*( قَالَتْ إِ ن الْمُلُوكَ إِذَا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوهَا وَجَعَلُوا أعزة أَهْلِهَا أَذِلة وَكَذَلِكَ يَفْعَلُونَ )*( وَإِني مُرْسِلَةٌ إِلَيْهِمْ بِهَدِيةٍ فَنَاظِرَةٌ بِمَ يَرْجِعُ الْمُرْسَلُونَ) إلى قوله تعالى: (قَالَتْ ربِ إِني ظَلَمْتُ نَفْسِي وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لله بِر الْعَالَمِينَ).

الحوار التشاركي السياسي البارع بين الملكة بلقيس وحاشيتها

ففى هذا المشهد نستمع إلى حوار تشاركي سياسي بارع بين ملكة و حاشيتها تخاطبهم وتعلن عليهم بشفافية نبأ الكتاب الذي وصل إليها فتصفه لهم من خلال رؤيتها الأستراتيجية بالكرم لكرم مضمونه وتطلب  الرأي والمشورة وتمنحهم الثقة مؤكدة بقولها ماكنت قاطعة امرا حتى تشهدون إشارة الي تطبيقها لل (المساءلة والمسؤولية).

وكان ردهم: نحن أولوا قوة وأولوا بأس شديد (بأنهم جاهزون لمواجهة الغزاة والدفاع عن مملكتهم مظهرين ولاءهم لمملكتهم ورفضهم للغزاة)، و على الجانب الآخر: والأمر إليك فانظرى ماذا تأمرين(إظهار الطاعة لها إن أرادت السلم)، اشارة الي الحوار الايجابي بين ملكة وحاشيتها يحترم كل طرف رأي الاخر ويعبر عن رأيه بكل حرية.

القيادة التشاركية عند الملكة بلقيس

وعلى الرغم من أن رأيها لم يتوافق مع رأيهم في خوض الحرب مع النبي سليمان إلانها لم تتصرف الملكة بلقيس في إصدار قرارها النهائي كملكة منفردة بالحكم ولها حرية التصرف بالقول والفعل كما يحلو لها. فقد تابعت حوارها معهم بتوضيح موقفها المخالف لرأيهم  في عدم قبولها لخيار الحرب مستشهدة  بسيرة الملوك وأعمالهم في الحرب انهم اذا دخلوا قرية افسدوها وجعلوا اعزة اهلها اذلة، لتؤكد لهم حرصها على حماية مملكتها وشعبها من ويلات الحروب والدمار.

امتثال قوم الملكة بلقيس لقرارها بسبب ماتمتعت به من حنكة وذكاء

وكان امتثال قومها لها ليقينهم الراسخ بحنكتها وذكائها فهي القائدة الحكيمة المطاعة في قومها.
مما لا شك فيه أن الملكة بلقيس كانت تمتلك رؤية النسر الثاقبة في تحديد وتقدير حجم وقوة خصمها فأثرت  التفاوض السلمي على القوة والعنف، ومهدت للتفاوض بإرسال الهدايا الي سليمان لاختبار نواياه ومدى صدقه وهل هو طامع في مملكتها ام انه فعلا صاحب رسالة ومبدأ.

عدم سيطرة نرجسية الملوك وجنون العظمة على الملكة بلقيس

وعندما أدركت ملكة سبأ خطأها وعرفت أنها لا تملك شيئا بالقياس إلى قوة سليمان، وأنها عاجزةعن مقاومته، وأعلنت الدخول في الاسلام فور وصولها الصرح الممرد ومشاهدتها عرشها الذي قد تغير،لم تسيطر على الملكة بلقيس نرجسية الملوك وجنون عظمة القادة والتي اورد لنا التاريخ القديم والحديث والمعاصر نماذج كثيرة منهم.

فما أحوجنا عامةً و في اليمن خاصةً إلى قائد حكيم سواء من القطاع المدني او القطاع الحكومي ينتهج نهج القيادة التشاركية وآليات الاتصال في ضوء مبادئ الحوكمة لإنهاء الحرب في كافة انحاء اليمن والخروج من نفق الحرب المظلم واستعادة أمجاد اليمن السعيد.

بقلم: هيفاء الانسي

 

أضف تعليقك هنا