حكاية المرأة الحزينة

حين عادت متعبة من رحلة ألم طويلة تطرق باب نفسي… لم أفكر مرتين، فأنا أعرفها منذ نصف حياة.. أخذت بيديها وأسكنتها فيَّ، وطبعت على جبهتها قبلة سلام، ابتسمت وعادت بعد صمت طويل للكلام، أشرقت عينيها الحزينة بفجر حلم جميل… وانساب أمل الشفاء في قلبها العليل، ظننت أنها أخيراً سوف تعبر حزنها الكبير… لكنها للأسف كانت ظنون وأوهام وأضغاث أحلام.

ما يحزنني بعد رحيلها أنها كانت أخيراً وبعد طول عذاب فيَّ، على مسافة قلب مخلص من حلم العبور، هذا الحلم الذي ظل يراود النفس عمراً كاملاً.

تذكُّر الحبيب أيامه مع محبوبته

أعرفها منذ كنا أطفال نحبو في فناء أيام العمر الأولى.. جمعتنا الدراسة والجيرة وحب الحياة ولهو الصبا البريء.

هذا اللهو البريء الذى تحول تلقائياً -ودون أن ندري أو حتى نعي وقتها ما هو الحب- إلى حب عظيم، وكانت عظمته في أنه حافظ على طفولته وصفائه و براءته رغم ما كان في دمنا البكر حينئذ من لهيب الفوران ورغبة في الشرايين.

كنا نلتقي خفية بعيداً عن أعين الناظرين، لنقضي معاً وجهاً من النهار وشطراً من الليل، نستمع إلى أغاني عبدالحليم، ونقرأ اشعار نزار، ثم حدث ما يحدث دائماً في مثل هذه القصص الرومانسية، أن فرقت بنا الأيام وباعدت بيننا الليالي، وطعننا القدر بخنجر الواقع في قلب حلمنا الرضيع.

فراقه عن محبوبته

وسافرت هي مع أسرتها إلى بلد عربي، وباعوا منزلهم المجاور لنا فى الحي بثمن بخس، واختفت عشر سنين، تخرجت هي من الجامعة وتزوجت و أنجبت، وتخرجت أنا كذلك من الجامعة ولكن لم اتزوج، ولا أدري صدقاً لماذا؟

أتُرَى أهو الوفاء لحب لقديم؟ أم هي الغفلة والغباء المقيم؟

يقولون أن الرجل يحب أكثر من عشر مرات فى حياته وينسى، والمرأة تحب مرة واحدة ولا تنسى، و ظني أن هذا القول ما هو إلا هزيان وهراء و أساطير الأولين.

أمل الحبيب بالعودة إلى حبيبته

لما علمت من صديقة مشتركة بانفصالها ثم عودتها أشرق من جديد في نفسي الحنين، وعاد الأمل في اتصال ما انقطع، يداعب القلب الذي لم ينسَ أول وعد وأول شطر فى قصيدة أول حب.

لكن كرامتي كرجل منعتني أن أتقدم خطوة وأن انتهز الفرصة، وترددت وانتظرت أن تبادر هي بفعل شيء لتحفيزي ولكنها لم تفعل أي شيء، وظني أنها هي الأخرى كانت تنتظر أن أخطو أنا الخطوة الأولى، وبين انتظاري وانتظارها، وترددي وترددها ضاعت الفرصة، وافترقنا من جديد على أثر زواجها الثاني، واختفت هي من جديد، وعدت أنا إلى وحدتي وعزوفي عن الزواج لأني لم أستطع نسيانها، لقد كانت تملأ نفسي دائماً بعبير روحها، ولقد ظلت أوتار روحي دوماً تهتز إذا ذكر اسمها فى مجلسي.

صدمة المحبوبة بعد تجربتين فاشلتين في الحب

ودارت الأيام، ما بين بعاد وخصام ، وقابلته، ونسيت إني خصمته (كما تقول الاغنية)، لكن هالني ما رأيت.. رأيت بقايا إنسان،. رأيت إمرأة رافضة للحياة .. محطمة ومصدومة من قسوة الزمان وبشاعة الأيام .. كانتا تجربتان قاسيتان، لم ينتهيا فقط بالمشاحنات والمصدامات ثم بالانفصال ولكن تيارهما الجارف المحمل بكل ابتزازات وإهانات الأرض اقتلع من نفسها كل رغبة في الحياة.

لقد حولتها التجربة التي تكررت مرتين في مصادفة عجيبة -وكأن القدر يتربص بها- إلى إنسان معادل محايد، إلى إنسان موجود وغير موجود، إنسان لا يحب ولا يكره.

حاولت بكل ما  أوتيت من حب أن أُعيدها إلى الحياة مرة أخرى، كررت المحاولة على أعتاب قلبها مرات و مرات، لكن كل محاولاتي الصادقة باءت جميعها بالفشل، لم تكن المشكلة في الأشخاص أو الظروف أو الحب أو الصدق، ولكن المشكلة كانت الحالة التي وصلت إليها، الحالة الصفرية، حالة اللامبالاة والجمود والتبلد العاطفي، و هب أسوأ حالة يمكن أن يصل إليها إنسان.

ولم يكن أمامي -احتراماً لمشاعرها- إلا اصطحابها خارج الحياة حيث المنفى االذى اختارته بنفسها لنفسها، المنفى الذي قررت أن تموت فيه بهدوء، بعيداً عن صخب القلوب وضجيج المشاعر.

وفي طريق عودتي إلى وحدتي بعد توديعها وجدني أهمس دون أن أدري بكلمات الجميل أمل دنقل .. وينزل المطر … ويغسل الشجر ….ويثقل الغصون الخضراء بالثمر …ينكشف النسيان ..عن قصص الحنان ..عن ذكريات حب … ضيعه الزمان…. لم تبق منه إلا النقوش في الأغصان.

فيديو مقال حكاية المرأة الحزينة

أضف تعليقك هنا

عماد فهمي

باحث و كاتب مقيم فى أوروبا