سلاماً لعام

براءة الطفولة والزمن الجميل 

يوماً سألت أمي قبل نوم الظهيرة: “كم ساعة سانأم يا أمي كي أستيقظ للمذاكرة؟” فأخبرتني أني سأنام في حضن أبي ساعة، فاندهشت يااه يا أمي كثير جداً!، كنت أظن حينها أن الساعة الواحدة تحوي داخلها عمراً طويلاً، كنت صغيرة مثل عقلة الإصبع أرى كل من حولي عملاقاً كبيراً، كان كل شيء في عيني عظيماً حتى العمر ما كان يمضي سريعاً ابداً وإنما كان يأخذ في عقلي وقلبي حيزاً لا يُستهان به.

ومرت السنون ومعها العمر قرر أن يجري وكأن ذئباً مفترساً يجري وراءه، وأخذتني الدنيا يميناً ويساراً، فعلمتني ما لم أكن أعلم وجعلتني أدرك جُل الإدراك حتى سئمت العقل والمنطق، وتمنيت لو يصح لي أن أعود يوماً واحداً كما كنت، عقلة إصبع لا تدرك إلا القليل، لكن الزمان وهو يمر علينا نسي أنه يُخلف فينا حطام الأيام، وركام الذكريات القديم الذي يفوح عطراً جميلاً فيملأ حاضرنا سعادة وشوقاً لما فات.

ربما حلول العام الجديد كان مفاجأة لي، فلم أحسب لنفسي بالاً من قبل، ولم أفكر أن عام ٢٠١٩ و ٢٠٢٠ سيأتيان وأنا هنا، أخبرتكم أني كنت أرى المسافات طويلة لأني عقلة إصبع صغيرة، ولذا كنت على قناعة أن عام ٢٠٢٠ سيأتي وأنا في عداد الموتى، لأن 27 سنة فترة طويلة جداً على أن تعيشها عقلة إصبع مثلي. وها أنا ذا أقضي معكم الأيام، وصرت أعرف أن ٣٠ سنة فترة قصيرة جداً من العمر، وأنها مجرد لحظات قليلة من الزمان، صرت أدرك أن الساعة التي حسبتها عمراً طويلا ما عادت تكفيني حتى كي أغمض عيني وأحلم، وغدت المسافات التي حسبتها أميالاً  مجرد أمتار قليلة أقطعها جرياً في دقائق، وعرفت أن قمم الجبال التي كانت تبدو لي شاهقة تصير صغيرة من زجاج الطائرة وجرح رأسي الذي لم أنساه، عرفت أنه لم يكن غائراً كما ظننت، وأنه جرح عادي جداً، ومئات الأمور التي كنت أحسبها حساباً طفولياً عارياً من الصحة، واليوم أدركت أن كل ما تخيلته عيني كبيراً بات صغيراً جداً، وتحولت أنا لعملاق يرى العالم من حوله ضئيلاً.

ما تعلمتُه في نهاية العام 2018

فطرة الإنسان خيِّرة متسامحة

وها هي الأيام تداولنا ونداولها، كي تنتهي في نهاية العام تاركة في قلبي زحام ما بين أفكار عقلانية ومشاعر قمة في الفوضى والعبث، حتى غرست في نفسي الحب لأسرتي وعائلتي وصديقاتي التي ما كانت الدنيا لتحلو من دونهم، وحباً آخراً أبادله معارف وزملاء ومعلمين ومدربين، وحباً ثالثاً أعطيه لمن لا أعرفهم ولا يعرفونني، لا تربطني بهم سوى ابتسامة عابرة طمئنت قلبي في وقت ظننت فيه أن الدنيا ما عادت بخير، وجوه امتدحتنا رغم تقصيرنا وساعدتنا حينما كنا في ضيق فعلمتنا أن نعطي من دون حساب.

هو الخوف الذي جعل الفتاة تجري هرباً من الكلاب المفترسة، وهو نفسه الذي جعل الشاب بلا تردد ينحرف بسيارته يميناً وبسرعة معلناً صيحة سيارته المزعجة نحو الكلاب والفتاة حتى فزعت الكلاب وهربت، فعرفت الفتاة أن الدنيا لا تزال بخير.

وناهيك عن الضحك الذي قدمته لي هذه السنة بلا تعداد، فعلمتني أن أضحك لمجرد الرضا، وكأن ذاك الضحك يعلن عن نفسه بصوت عال كي يخبر الدنيا أنه يحبها وأنه السلام وحده الذي يجب أن يكون.

سأظل طفلاً مهما كبرت

أخبرتني الدنيا أني مهما كبرت سيظل أبي قلقاً حتى أعود من العمل، وأني مهما نضجت ستظل أمي صائمة حتى أتناول طعامي، وسيظل كلاهما ساهراً حتى أنام.

عرفت أني لا أعرف كثيراً عن تفاصيل الحياة وخصوصاً الالوان، ما يجعلني أرتبك حينما يصفوا لي شخصاً يرتدي اللون القرمزي ف اتجه بنظري لآخر يرتدي لوناً مختلفاً تماماً….

وعرفت أني لست طيباً، ولا مثالياً، كما رسمت صورتي على مدار الأيام، وأدركت أني لو لم أحمل همومي وحدي فلن يحملها أحد سواي، ولو لم أكبر فلن يدللني أحد بعد أمي.

الحبّ هو الذي فقط سيستمر..

لم أكن جيداً طوال العام، انتابتني لحظات ضعف كثيرة، وارتكبت خطايا لا تعد قليلة، وربما أفسدت لحظات بعض الناس دون قصد مني، لكني بالمحصلة الأخيرة لم أكن سيئاً طوال العام.

لم أكن شخصاً سيئاً إلى هذا الحد، بل صنعت إنجازات قليلة، لم أتوانى مطلقاً في أن أجعل من حولي سعيداً، منحتهم لحظات جميلة ربما تذكرهم ذات يوم إني كنت نقياً من الداخل حينما أحببتهم.

لا عليكم من العام المنجلي ولا من العام المبتدي، فكلّه تعداد أيام وحسب، حاشاه العمر أن يشفع لنا مهما طال، ولكن عسى الحب الذي سكن قلوبنا أن يفعل.

سلاماً لعام ومرحباً لعام…..

انا لا أعبأ بالتحيات، ولكن لا مانع منها طالما تنشر الأفراح.

لم أعد أحكم على الناس كما كنت أفعل، فلم تعد نوايا الناس تعنيني كثيراً فكلها عندي نوايا طيبة، صرت أعرف أني بشر محدود القوى، ليس لي من أمري شيئاً، سئمت التنظير والتهويل، كم مرة نصبنا أنفسنا قضاة كي نخبرهم أن خطاياهم عظيمة، ولربما وضعتنا الظروف في موقفهم فنرتكب خطايا أعظم ونحلل لأنفسنا ما حرمناه عليهم،

ف كلنا بشر ويحق لنا الذنب، وكلنا مذنبون ويحق لنا التوبة، وكلنا مقصرون ويحق لنا الندم، ولسنا ملائكة فلا يحق لنا الحساب.

فيديو مقال سلاماً لعام

أضف تعليقك هنا

إيمان النفيلي

إيمان النفيلي
كاتبة حرة، باحثة في مجال اقتصاديات السعادة ومدربة بالنقابة العامة لمدربي التنمية البشرية.