عالجوا أسباب «خليها تعنس» #مصر

حملة «خليها تعنس»

«خليها تعنس».. حملة أطلقها الشباب من رواد مواقع التواصل الاجتماعي، للسخرية من ارتفاع متطلبات الزواج في مصر إذ أثير حولها جدلًا واسعًا بين فريقين أحدهما يري أنها جاءت مناسبة لكبح غرور الفتيات، والآخر ينظر لها على أنها فعل شاذ ضد المرأة لا يتماشى مع قيم وأخلاقيات المجتمع؛ وسرعان ما أصبح الأمر شبيه بالمكايدة واطلقت بعض الفتيات حملة مضادة تحت شعار «خليك في حضن أمك» ليتحوّل الجدال إلى تراشق ولا صوت يعلو فوق صوت «أحمد ياعمر».

التركيز على الشعار وتجاهل الأسباب

تقول الكاتبة السورية، ريم شطيح إنَّ «بداية حل أي مشكلة هو بعلاج الأسباب؛ تجاهُل الأسباب مُسبِّب آخر لدوام المشكلة».. والحقيقة المُؤسفة التي ينبغي أن نمتلك شجاعة الإعتراف بها أننا اعتدنا تجاهل الأسباب، كي لا نكلف أنفسنا عناء البحث عن العلاج، فإذا رجعنا قليلًا إلى الوراء بالذاكرة فسوف نعلم أننا نستخدم الطريقة ذاتها في التعامل مع تحدياتنا بكل رتابة دون إبداع، بداية من حملة «بلاها لحمة» لمواجهة ارتفاع أسعار اللحوم إلى حملة «خليها تحمض» عن الفاكهة، مرورًا بـ«خليها تصدي» عن السيارات، في حين أنَّ المجتمعات المتحضرة تركز اهتمامها على أسباب ما أدى إلى حدوث أية مشكلة ولكننا نختلف عن الآخرين، هل صدت السيارات!. سبحان الله!.

وأد قصة حب بسبب الطبقية

وقت ما كنت طالبًا جامعيًا كان لي صديق من عائلة متواضعة -لا هي فقيرة ولا هي متوسطة- على علاقة غرامية بإحدى الزميلات، عاشا قصة حب في غاية الرومانسية وفي لحظة صفاء أتفقا على أن يتقدم صاحبنا لخطبة حبيبته من عائلتها التي تقيم بحي الزمالك، أبلغ الشاب الهائم في الحب أسرته وأصدقائه؛ رحبوا جميعًا فرحين بالخبر واقترحوا عليه بأن يجس النبض وحال موافقة أهل العروس يذهبون برفقته لإتمام مراسم العرس حتى لا يضعهم في موقف حرج، وبعدها ذهب صاحبنا إلى القاهرة وهو طائر من الفرحة حاملًا معه أحلامه وطموحاته الوردية وعلبة شيكولاتة كان قد ادخر ثمنها من عمله في مركز دروس بجانب الدراسة، وبعد نقاش واسع دار بينه وبين والد الفتاة شرح فيه صاحبنا ظروفه المتواضعة وتطلعاته إلى غدٍ أفضل.

أعجب والد الفتاة بكل ما في الشاب من عزيمة قوية، وذكاء خصب، وأخلاق عالية، إلا ظروفه المتواضعة، فكان الرد أنه سوف يوفق على الزواج ولكن تحت شرط أن يتخلى الشاب عن عائلته التي تسكن إحدى القرى الصغيرة بصعيد مصر، ويعيش مع أسرة حبيبته ووالدها سيتكفل بضمان عمل للشاب في الشركة التي يملكها ويوفر لهما حياة كريمة تليق بمستوى العائلة، فما كان من صاحبنا إلا أن رفض الشرط بكل كبرياء رافضًا بذلك التخلى عن عائلته، مُتمسكًا بالعادات والأصول التي تربى عليها إذ أنَّ انتماء الشخص الصعيدي يكون لعائلته ثم يجئ أي شيء آخر في مرتبة ثانية.

بعد عودته من القاهرة جلسنا سويا وحكى لي ما حدث بينه وبين والد الفتاة سَأَلْتُ عن سبب ذلك الشرط طالما صاحبنا يملك سكنًا؟ ولماذا الإصرار على هذه الصيغة «تتخلى»؟ ثم خطر عليَّ أن أهاتف والد الفتاة بصفتي صديقي الشاب المتقدم لخطبتها، تبادلنا التحية وكان الرجل ودودًا وأبلغني أنه يرحب بأن يكون صاحبنا زوجًا لابنته ولكنه لا يقبل أبدًا أن تعيش في مستوى أقل مما تربت عليه، وكون صديقي لا يوافق على الانفصال عن عائلته فهناك احتمال كبير أن تنحدر حياتهما إلى الطبقة الفقيرة؛ أنهيت المكالمة بعدما عجزت عن إقناعه بالتنازل عن شرطه، وصرف صاحبنا النظر عن فكرة الخطوبة وكُتبت النهاية المأساوية لقصة حبهما الرومانسية بسبب الطبقية.

الخوف من السقوط الطبقي

إذا تعمقنا في سبب المشكلة سوف يبدو لنا أننا صرنا أكثر خوفًا من السقوط الطبقي، خاصة في ظل الظروف الإقتصادية الصعبة، كلُّ منا يقاتل لا من أجل الصعود إلى الطبقة الأعلي بل من أجل البقاء في نفس المستوى، الأب يرفض شاب يتقدم لابنته لأنه من عائلة متواضعة وأنَّ السائد الآن هو أن الفقير يبقى فقيرًا والغني يُحاول الحفاظ على وضعه بين الطبقة الغنية، مات داخلنا الأمل، مع أن الحقيقة غير ذلك تمامًا فالتاريخ يؤكد أنه لا الفقر دائم ولا الغناء دائم، الحياة تدور ولا تُبقى شيئًا على حاله، غير أن الغناء الحقيقي يكمن في النفس لا في المال.

مبادرة في صعيد مصر لترشيد نفقات الزواج

ولكي نعرف أنَّ الحدث ليس مجرد احتجاج على متطلبات الزواج المرتفعة، غير أنه تمسك واضح بالطبقية الإجتماعية، عندنا في الصعيد دشن الشباب مبادرة رائعة أتفقت بعض العائلات عليها وهي تهدف إلى أن يتم التنازل عن تكاليف الزواج المعتادة التي يمكن العيش بدونها كالذهب والمهر المرتفع وغيرها، مع أن من المعروف عن الصعيد التمسك بتلك الأمور خاصة فيما يتعلق بالذهب ولكن تماشيًا مع الظروف الحالية حدث توافق وتمت العديد من الزيجات بهذه الطريقة البسيطة، لدرجة أن غرفة صغيرة كانت تكفي لتأسيس حياة زوجية؛ من يدري ربما يحولها الأمل والحب والعمل إلى قصر.

تزوجوا الفقراء

توجد الكثير من الفتيات بدون زواج من أسر متواضعة ماديًا وهن لا يقلن جمالا أو احتراما عن غيرهن، وليس من شروط أسرهم منزل في الساحل الشمالي ولا سيارة فئة بي إم، يكفي أن تكون رجلًا جديرًا بأن تؤتمن على عرضهم بشرع الله ورسوله، حتى لو كنت من الطبقة الأولى في المجتمع من المفترض أن لا يمنعك ذلك من الزواج بفتاة من أسرة فقيرة، يقول عمنا محمود درويش: «الفقيرات هن الجميلات.. مثل الوصيفات في حضرة الملكة».

تدبروا قوله تعالى: «إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمْ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ».

فيديو مقال عالجوا أسباب «خليها تعنس» #مصر

أضف تعليقك هنا