أم الحقائق ..وجود الله

بقلم: ابوعارف همام

رب زدني علما

رب لك الحمد حمدا يوافي نعمك التي لا تحصى، أنت الذي أمات وأحيا، وأضحك وأبكى، وأطعم وسقى، وأمرض وشفى.

من سألك أعطيته، ومن ناداك أجبته، ومن استعانك أعنته، ومن احتاج إليك كفيته، واحد أحد فرد صمد لم يلد ولم يولد ولم يكن لك كفوا أحد. فلك الحمد وحدك لا شريك لك.

اللهم صل على سيدنا محمد صلاة وسلاما تفتح بها مغاليق الأبواب، وتنجلي بها الظلمة عن الفؤاد، وتنطبق بها المعاني على دلالات الكتاب، وينجو  بها عبدك الذي يسطر ألفاظها من العذاب، فتكون دعوة صادقة لكل عبد أواب، لجأ إلى الحنان التواب.

رب زدني علما وألهمني من فضلك الجميل تيسيرا لكتابة أسطر عن بعض المعاني في معرفتك ومعرفة دينك وما جاء به نبيك وعبدك وحبيبك ﷺ .

حقيقة المعرفة

﴿إذا كانت الحقيقة التي تبحث عنها لا يمكن أن تؤمن بصحتها  إلا إذا وافقت مسلمات عقلك فاعلم أن الذي ركب فيك هذه المسلمات هو من أوجدك وخلقك….. وهو ربك …أي أن الحقيقة تكتمل بمسلمات عقلك، وصار عقلك طرفا هاما لهذه الحقيقة من جهة المعرفة بها بعد الصيرورة.﴾

  • مخيلة واحدة تحملنا إلى التفكر في هذا الإله الذي صنع الكون …… فقبل أن تفكر فاعلم أن وحدانية المخيلة سبقت توحيدك للإله.

* الناس جميعا يتصفون بهذه المخيلة المشتركة التي تدفعهم للبحث في أصل نشأتهم وانتمائهم الحقيقي، و محاولة تفسير الظواهر الغيبية التي لا تدركها حواسهم وإن كانوا يرون أثرها ويشاهدونها حولهم، وقد تفرقت مناهج البحث عندهم باختلاف مداركهم و مصادر المعرفة لديهم في ذلك، كما تفرقوا أمما تتنازع مصالحهم، ويسوغون لأنفسهم ما يقع بينهم من خلافات بافتراء نظريات و براهين يصفونها بالعلم تارة وبالحقيقة تارة أخرى2،  وأسمى ما اختلفوا فيه هو الحقيقة الكبرى وأساس كل الحقائق وجود الله وإن أطلت بعض  النظريات هناك بعناوين فرعية كالداروينية وما شابهها  من النظريات الكثيرة التفسيرية تحاول ولو بطريقة غير مباشرة زعزعة كل حقيقة فرعية  عنها فهي تحوم حول هذه الحقيقة الكبرى.

ما سر نشأة هذا الكون؟

هل هي الصدفة؟ أم أن هناك قوة أوجدته وبعثت فيه هذه المظاهر الطبيعية التي تتجلى حولنا والإنسان كعنصر منه بطبيعة الحال ونظم المقال، وما كنه هذه القوة؟

هي أسئلة كثيرة تثير فضول الباحثين كما تنعقد بها الخواطر في عقول الناس أجمعين، فالباحث إنسان تجرد للعلم وانشغل به في ظل غفلة الكثير من الناس عن ذلك وكثرة الشواغل من مال وجاه وسياسة ورعاية وحروب ووووووو……

ولأنها أسئلة ليست عارضة تنقدح شعلتها في فكره صدفة قد يسوقها للطرح جدال واستدلال، أو حال انتابت شاعرا من الشعراء فراح يصف الجمال  مادحا له فأدرك من خلق الجمال، أو عالما من علماء الطبيعة أو الفيزياء والكيمياء اكتشف بعد بحوث عميقة أن الانتظام في الكون بلا منظم محال، أو دارسا للتاريخ والاجتماع والنفس يحذو حذوهم محاولا بناء قوانين لسيرورة كل هؤلاء فاستعصى عليه ذلك وأدرك ضرورة وجود الدين لتنظيم حياة الفرد والمجتمع، ولا يمكن وجود دين بغير إله يدينون له بالطاعة، وتكون أوامره ونواهيه خادمة للصالح العام والخاص، وتوافق الفطرة الإنسانية في غاياتها  الكبرى، من الحفاظ على حياة الإنسان وكل ما يلزمها أو طبيبا أبلى معالجا لكل الأمراض فلما سيق له السرطان والإيدز وجاء الموت خلفهم، راح يبحث عن السر الذي يبعث الطاقة في مركبات هذا الجسم الإنساني، ويوزع الوظائف على أجزائه من أصغر مكونات الخلية إلى الأعضاء جميعها، محاولا إعطاء تفسير للموت والحياة على ضوء اعتقادات حتمية أفرزتها سلامة البنية وغياب الحركات الحيوية الجسمية أثناء الموت.

لا يا صديقي …بل هي بديهة امتزجت بين ما تلهج به مشاعرنا، تخفو إذا كثرت الشواغل وتنبري شعلتها إذا ما هيجتها دواعي الألم والأمل، في أنين المرضى، واحتياج المكروبين  واستغاثة المستغيثين، والإقبال على الغرق ………..بكل لغات العالمين ……يا إلهي.

الفطرة السليمة

إنها الفطرة السليمة التي امتزجت بين مشاعر قلوبنا، وزرعت بذورها بين تلافيف عقولنا، واعتلت بها الفلسفة بين العلوم، فكانت أم العلوم، فهي  تبحث عن الموجود بما هو موجود، و تسبر أغوار الغيب بما هو مشهود، وتبني معرفتها على أحكام هذه الفطرة من البديهيات، التي لا تختلف عليها العقول، ولا  يخفت صوتها في الفؤاد قرع الطبول. ترمي بتجارتها مع العقل عملتها في ذلك البديهيات التي غرست فيه، وسلعتها الحقيقة التي توصل إليها الباحث والفكر على العموم، من علوم عقلية أو نقلية، فما وافق دلالاتها نال منها شعاع اليقين، وأصبح بالبداهة بديهة لعلوم ومعارف أخرى كالأم تلد وتنقل إلى مولودها كل صفاتها ليتميز عن أمه بصفات تلقاها من بديهيات أخرى *ذكر وأنثى* إذ لا يولد مولود بغير أب وأم، وتصبح أما أخرى لبنت أخرى وتتسلسل العلوم والمعارف وتتنوع .

  • لقد حاول آباء الفلسفة جاهدين إدراك حقيقة الكون، والبحث عن القوة التي صنعته، بين حنايا الأفكار التي جادت بها عقولهم، وألهموا في ذلك استحالة صنعة بلا صانع، واختلفوا في وصف هذا الإله، ليس قدحا في قريحتهم، بل قدحا في وسيلتهم، فهي مسلمات لم تكن في العقل سجينا معتقلا، تطلب للتحقيق من حين لحين، أو شاهدا على متهم أو دليل، بل هي وحي ابتداء من رب السماء، ما وافقها حلت عليه صبغة اليقين وكان من المسلمين، وما خالفها نبذته في الكافرين أو الملحدين، فهي القاضي والحقيقة………و هي السجين، يبقى الدليل الذي به تدان أو تدين، هل يمكن معرفة الإله بما قيل في الأولين والآخرين من غير المسلمين، دعاء من نادى بفصل العلم والسياسة عن الدين……… وكل شييء عن الدين حتى نصير علميين لا رجعيين، أم أن الدليل عقيم، يحتاج إلى تعقيم؟؟

ولأن المعرفة تستند إلى هذه البديهيات وتنطلق منها، ولا وجود في عقول الناس معرفة سابقة لهذا الإله، إذ يستحيل لعقيدتك أن تمليها عليك خواطر العقل، منك أم من غيرك، فتكون صورة في الذهن لهذا الإله، بل لا بد أن تملى عليك من المجال الحقيقي الخاص بها وهو الوحي، فأي وصف تنتجه خواطرك للإله، وتتجه بك نحو إدراكه … وفيها رسالة إلى كل من تنهال عليه خواطر الوسوسة في وصف هذا الإله أن كل ذلك12 من خواطر عقلك …..هو صناعة خواطرك، وهي صناعة عقلك ………..هو صناعتك.

  • فهذه المخيلة في استراتيجيتها مدربة على قياس الأشياء بما تعايشت معه في واقعها الحياتي، وهي تسخر وحدات قياسها من زمان ومكان وما يحدث فيهما في تعريف ماهو خارج عن إدراكها، وتقيسه بماهية الأوصاف المادية والمعنوية التي تدربت عليها: عدد، حجم، لون، شكل، شعور ….أي بما تعرفه هي عن الأشياء المشهودة لها.

فقبل أن يصف المسيحي الإله، والوثني الإله، والملحد الإله، فإن المخيلة التي يستثمرها هؤلاء جميعا واحدة بينهم، ووسائل المعرفة لديهم كذلك، من الحواس الظاهرة المتمثلة في الحواس الخمسة، أو الباطنة كالفرح والحزن وما يختلج جنبات هذه النفس.

القناعة والاقتناع بوجود الاله

ومما لا شك فيه أن ما يجول في خاطر كثير منا من أفكار كثيرة متعلقة بمعرفة الإله، يجعل صاحبه يتبنى اعتقادا بحسب ما يقتنع من وحيها،وسينسج خيوط القناعة انطلاقا من مسلمات مقبولة في ميزان العقل لديه، للتعرف على هذا الإله، أو الإقتناع بوجوده لموافقة الفكرة لهذه المسلمات، وبالتالي لا يجوز بحال من الأحوال منافاة هذه الموازين وادعاء موازين غير موافقة لمسلمات العقل، ممزوجة بمعاني مستقاه من غرائز النفس وتقلباتها أو ظواهر المجتمع وتحولاته لتبرير الحقيقة يكون فيها العقل عقلا تبريريا.

ذلك أن الدافع الفكري بالعقل يدفعك لمعرفة انتمائك الحقيقي بعيدا عن أي تفسير باطني أو خارجي، لا لتقلبات النفس حكم فيه ولا تحولات المجتمع ،  كونك مخلوق موجود في كون واسع، وحركة كثيفة من الأحداث، وميلاد مصطلحات كثيرة معها نتيجة التفاعل المتبادل؛ فناء، بقاء، قوة، ضعف، شك حق، باطل، كبر، صغر، غنى، فقر، حزن، فرح، ألم، أمل، شوق، جفاء، قسوة، رحمة، غضب، أنس، حب، كره، قرب، بعد ….يستلزم القضاء فيها دليلا لا يتقلب ولا يتحول، لا تملي عليه أهواء النفس معناه، ولا تزور توجهات المجتمع مبناه، ميزان واحد في عقول كل العالمين، وحتى لا ينقلب بعضنا على بعض، ويسلب أحدنا ما ليس له أو يفتري أحد بأن الحقيقة كلها له.

وقوف حاجز العقل للتسليم بالغيب

فإذا كانت هناك حواجز تمنع الوجود المشهود – العقل وحواسه – من إدراك ما ليس بمشهود من الغيب وهو موجود في اعتقادنا، هذه الحواجز قد تكون مخلوقة هي بحد ذاتها، وهي تمنعنا من إدراك هذا الإله على حقيقته: كالزمن الذي يسقط فيه المطرمثلا، أو يوم موت أحدنا حتى صار الإنسان يحلم بصنع آلة لاختراق الزمن عبر الماضي والمستقبل حتى يغير التاريخ كما يزعم والله يقول: {قل لو كنت أعلم الغيب لاستكثرت من الخير وما مسني السوء}، وقد يكون حاجز المكان فما يحدث بمكان لا نستطيع علمه إلا عن طريق الأخبار، أوحاجز الإنسان في حد ذاته أو الآلة، فلا قدرة للعين أن ترى حفرة في الظلام دون مصباح، ولا قدرة للإنسان أن يرى الأرض تدور حول الشمس، إلا بقمر صناعي يلتقط الصور له عن ذلك، كذلك هذا العجز الذي أحاط به مكانا وزمانا وآلة، وكان سجنا لمخيلته يمنعه من استغلال جميع ظواهر الكون في مجتمعه لمصلحته ولا يصيبه اليأس أبدا…… كيف يستبيح لنفسه أن يضع هذا الإله في هذا السجن ويقيسه بمقاييسها- أي المخيلة-

  • فإن أشركت به فقد جعلت له مكانا له ولغيره، وزمانا له ولغيره – من كان قبل الآخر-، وجعلت له جسما فأحاطت به الأقدار. بل لا بد من القول أن هذه المخيلة وإن حاولت تسخير المكان والزمان والآلة لإدراك الإله، وخاضت بمختلف العلوم وأبدت نظريات تفسيرية للكون ونشأته خاضت في غيب لا تعرف المقاييس التي يقاس بها، و إن هي قد تخون صاحبها في ما هي مؤهلة له ليفند حقيقة بان له قبولها قبل حين  ……..مسجونة في زمان ومكان وآلة لا يمكن التجرد منها لإرضاء رغبة الذين نادوا بفصل العلم عن الدين، لننادي نحن بفصل الحقيقة عن كل المقاييس التي نزن بها حقائق الغيب الذي نبحث عن ماهيته، ونتجرد من كل زمان ومكان وآلة لأننا بهم عاجزون، ……ونستسلم للدين وهو وحي الانتهاء من رب العالمين. لأجل ذلك كان اختيار الوسيلة المناسبة للحصول على المعرفة شرط أساسي لتحقيقها، والوصول إلى نتائج تعبر عن حقيقة المبحوث عنه، يوافق فيه وحي الابتداء وحي الانتهاء من رب الأرض والسماء.

بقلم: ابوعارف همام

لقد حاول آباء الفلسفة جاهدين إدراك حقيقة الكون، والبحث عن القوة التي صنعته، بين حنايا الأفكار التي جادت بها عقولهم، وألهموا في ذلك استحالة صنعة بلا صانع، واختلفوا في وصف هذا الإله.

 

أضف تعليقك هنا