الأديب اليمني في زمن البارود.. الانكفاء في حضرة الحاجة

الأديب اليمني

يبكي ويضحك لا حزنا ولا فرحا .. كعاشق خط سطرا في الهوى ومحا

هو الأديب والمثقف اليمني اليوم، الشاعر والقاص والكاتب والناقد تعتصره يوميات الحرب وتفاصيل الألم على حلم يتسرب من بين الأصابع..

يموت كل يوم على وقع هذا التصاعد الدراماتيكي لشاكلة الحياة في وطن تنازعته صراعات لا تنتهي بين أهواء تنزع الى التفرد بصياغة المستقبل.

الأديب.. أكثر شرائح المجتمع اليمني اليوم قهرا على وطن صارت الحياة فيه راكدة.. وكمدا على خفوت تأثير الكلمة وضياع الحلم الذي رسمته كل تلك النتاجات من شعر وسرد وقد أحالت الحرب الواقع الى كومة من الحجارة وصار لزاما البدء من جديد حينما يبدأ البدء ولا شيء في الأفق يلوح بنهاية لهذه المأساة.

يمسي ويصبح على ذات اللوحة السريالية، يحاول فك طلاسم التعقيدات التي يعج بها واقعه.

“لماذا صرنا الى هذا الحال”.. يصرخ الأديب في حضرة البارود والأنقاض ولا يأتيه إلا الفراغ وبواعث الخوف الحذر من كل شيء.

تشتت سبل عيش الأدباء 

كثير من أدباء اليمن تفرقت بهم سبل العيش، رياح الشتات، ما عادو يلتقون معا بذاك الجمع المعلوم يحتسون شاي الحاج “مدهش”، ويتجاذبون أطراف الجديد من مشاريعهم إبداعية.. منهم من هاجر بحثا عن ملجأ يأويه من الحاجة، منهم من عاد الى مسقط رأسه عله يستتر هناك من عيون الشفقة، ومنهم من انكفأ في الزوايا برأيه وبفكرته في انتظار استعادة الأمل.

لم تعد المنصات الثقافية تشهد ذاك الزخم من الفعاليات، وذاك الألق في التنوع، ولم تعد هناك صفحات أدب تزخر بفنون الكلم وجمالية الخلق.

لم تعد هناك من شهقة إعجاب واستحسان لمنتج إبداعي جديد، ضمأت الأقلام، وخف الحضور، نجحت الحرب في شل الحياة الثقافية الإبداعية وصار الركود السمة السائدة، وقبلا كان إيقاع الحراك الإبداعي حي، والمكان يضج بالحركة.

توقف كل شيء وتبدل كل شيء حين علا صوت الانفجارات وصراخ النساء وعويل الأطفال.

صار كل شيء خائنا للأديب إلا الجوع والتيه في زقاقات البحث عن ملاذ يقي من صقيع الفراغ، وشيء يسد رمق الحاجة.

اوقات عصيبة ووضع انساني مأسواوي وجوع يتربص بشريحة كبيرة من المبدعين.

وبات مألوفا أن تقرأ بين الفينة والأخرى احدهم يعرض مكتبته للبيع، او احدهم وقد افترش بها زاوية من سوق الخضار حدّ صارت عنده “الكتب مقابل الخبز”.. وسيلة أدباء اليمن للعيش في ظل الحرب.

يبيعها بأسعار زهيدة مع تناقص الطلب على الكتاب في زمن انعدم فيه رغيف الخبز او يكاد.

وفيما يتلمس البعض ايجابية في العنف الذي ولدته الحرب يُعلق الكاتب الروائي عبد الله عباس الإرياني، بالقول “المعاناة لا تولد الإبداع حين يتعلق الأمر بلقمة العيش”.

ثلاث حكايات من وجع              

في إعلانه عرض مكتبته للبيع كتب رئيس اتحاد الأدباء والكتاب اليمنيين بصنعاء‏، الأديب والكاتب محمد القعود، عبر صفحته على موقع التواصل الاجتماعي “فيسبوك”.

“لأن المعاناة لم تعد تطاق، ولأن الظروف القاسية التي نعيشها في وطننا الحبيب، والمكلوم، تواصل غرس أنيابها ومخالبها في أجسادنا وأجساد أطفالنا.. قررت أنا المدعو محمد القعود المصاب بلعنة الثقافة بيع مكتبتي التي تحتوي على أكثر من 8 آلاف كتاب في مختلف مجالات المعرفة والثقافة”.

ويضيف الأديب القعود المؤلف لـ 13 كتاباً في الشعر والنثر “قررت بيعها لأُسدد بعض الديون التي تراكمت علي، وفي مقدمة ذلك تسديد إيجار الشقة التي أسكن فيها، حيث أصبحت مهددا بإخراجي منها خلال الأيام المقبلة، لعدم تسديد إيجارها منذ ما يقارب العام”.

الكاتب والأديب حسن عبدالوارث

وبكلمات موجعة قال “مع اعتذاري لنفسي، وأسرتي، وكتبي، عن كتابة ونشر هذا الإعلان الموجع الذي لم أكن أتخيل في يوم من الأيام أنني سأكتبه وأنشره”.

قبله الكاتب والأديب حسن عبدالوارث بكثير من الأسف والألم عرض مكتبته للبيع بسبب الحاجة.. يكتب عبدالوارث أن عرض المكتبة للبيع “جاء لمواجهة جزء من التزاماتي تجاه أسرتي”.

وأكد بان المكتبة تمثل بالنسبة له “قيمة وارتباطا وحبا لا يقل عما أكنّه لابني”.

 الأديبة الدكتورة آمنة يوسف

، وهي أستاذة الأدب الحديث بجامعة صنعاء، عاشت الم الحاجة وألم العجز عن سداد الديون المتراكمة ليأتيها في لحظة من الرجاء خبر فوزها بجائز الطيب صالح العالمية في دورتها الثامنة 2018م.

وفيما شكرت دولة السودان، أعلنت الأديبة أنها كانت “على حافة الموت لولا أن أكرمني الله بالفوز بجائزة الطيب صالح العالمية للإبداع الكتابي في دورتها الثامنة 2018”.

وقالت الأديبة اليمنية، في منشور على فييسبوك “أقسم بالله العظيم إنني كنت وعائلتي على شفا حفرة من الموت بعد نفاد كل ما نملكه من أشياء رخيصة أخجل من البوح بها، بعناها والجوع يهددنا ونفاد الغاز المنزلي يرعبنا وصاحب البقالة يطالبنا بصوت مرتفع، والمؤجر ينذرنا بإخراج أثاثنا المتواضع جدا، إلى أن فوجئت باتصال من السودان الشقيق بفوزي بالجائزة التي لم استمتع بها لنفسي بل أسرعت بتسديد جزء من ديوني المتراكمة وأمهلت الباقي إلى أن يفرجها الله”.

معاناة المبدعين في صنعاء 

يبدو الأديب اليمني اليوم بنفسيته الشفافة وحساسيته منهكا من مشقة البحث عن سبيل يستعيد من خلاله دوره التنويري، علّه ينجح في إحداث اختراق في الوعي الجمعي فيشذبه من هذه الأمراض المستحدثة التي شوهت العلاقات ارتقت بالذاتية التي لا تقبل القسمة على الجمع، وقذفت بقيم التعايش في غياهب المجهول.

يؤكد الروائي عبد الله عباس الإرياني على أن معاناة المبدعين في صنعاء مضاعفة، فهي من ناحية مادية بسبب انقطاع الرواتب وشحة مصادر الدخل، ومن ناحية ثانية هي معاناة نفسية مع اشتداد وطأة الحرب وتحول البلد إلى مأساة إنسانية مفتوحة، وهي فوق ذلك معاناة وأزمة ثقافية، بسبب العزلة التي يعيشيها المبدعون، وانقطاعهم عن محيطهم العربي.

رغم كل شيء يحاولون الإبقاء على جذوة الأدب متوهجة علها تكشف عن أمل في عتمة قسوة البارود التي أحالت كل شيء الى خيالات مرعبة.

فيديو مقال الأديب اليمني في زمن البارود.. الانكفاء في حضرة الحاجة

أضف تعليقك هنا