الأسئلة العشرة للمقنع الناجح

الحوارات

كل يوم ، وفي كل مجتمع ، وفي كل بيت هناك حوارات مستمرة ساخنة وباردة ، مباشرة وغير مباشرة، واسعة وضيقة، طويلة وقصيرة، بين مختلف الفئات في شتى القضايا،  وفي الوقت نفسه نستقبل مئات بل آلاف الأفكار من مختلف وسائل الاعلام المقروءة والمسموعة والمرئية، ومن وسائل التواصل الاجتماعي السوشوميديا بما يفوق الحصر وبشكل دائم، والرابط بين كل ذلك هو السعي في اقناع المقابل وقبوله لتلك الأفكار أي إقناعه بما يُطرح عليه.

وفي المقابل قليل مًن يفكر في منهجية الإقناع وخارطته الرئيسة ، فالإقناع كبقية الممارسات يتطلب خطة عمل وخارطة طريق ثم تمهير عليها لتصبح سلوكاً نافعاً ومؤثراً.

ومن خلال التجارب البشرية الواسعة وعلى رأسها تجارب الرسل والأنبياء – عليهم السلام- ثم المفكرين والعلماء من مختلف البقاع ، نستطيع القول إن ثمة عشرة أسئلة تحدد خارطة الاقناع، وعلى مقدار دقتك في الإجابة يكون وضوح الطريق، فضبابية الطريق سببها ضبابية الإجابة، وإليك اتلك العشرة:

1/ ما الموضوع؟ 

وهذا يتطلب منك استخدام عدسة لتحديد موضوعك بدقة ، فلا تستلم لأقرب إجابة ، بل عليك الغوص في نفسك واستخراج قضيتك من أعماقها ، ولا تستحقر قضيتك ولو كانت صغيرة في نظرك فكما قال الشاعر:

لا تُحقِّرنَّ صغيرة      إن الجبالَ من الحصى[1]

2/ ما مدى الحق في قضيتك؟

الرجوع إلى الحق أولى من التمادي في الباطل، فهل أنت مقتنع أن قضيتك حق؟ ليس كل ما وصلنا حقاً وليس كل ما رفضناه باطلاً، فقبل تصدير قضيتك عليك التأكد من صحتها وصدقها ، وهذا يكون بالنظر في أدلتك ثم التأمل في مصداقية تلك الأدلة من حيث النقل والعقل، وتلك قضية طويلة ليس مجال الحديث عنها الآن ، لكن ضع نصب عينيك :”قضية لم تتشربها من الأولى ألا تتحدث عنها.

3/ لماذا أسعى في الاقناع؟

وهنا عليك الدخول إلى قلبك وتلمس دافعيتك نحو القول أو العمل ، فلكل عمل محرك وعلى مقدار قوة ذلك المحرك تكون الحركة ، وبمعنى آخر ما نيتك في الاقناع ؟ أهي تحقيق النصر الشخصي والعلو الذاتي أم مرادك رضا ربك ؟ أم هو كسبٌ ماديٌ أو معنوي؟ أو غير ذلك.

واحذر من المغالطة النفسية هنا ، فإيّاك أن تتلاعب بك نفسك أو الشيطان أو الآخرين فيوهموك بدوافع عن القضية لتحريك محركك ويتسلقوا عليه .

4/ مَن هو المقابل؟

من أكبر الأخطاء مخاطبة الكل بطريقة واحدة ، فلكل عبد مفتاح ولكل عقل مدخل ، فالرجل غير المرأة ، والطفل غير الكبير، والمثقف غير العامي ، وغير ذلك، فحين بعث الرسول r  الصحابي الجليل معاذاً t إلى اليمن قال له ” إنك تأتي قوماً اهل كتاب[2]

وتكون القضية ملحة أكثر حين تكون رسالتك جماعية كالقنوات الفضائية أو مواقع التواصل الاجتماعي أو السوشوميديا، عندها يتطلب الأمر دراسة الفئة المستهدفة بشكل أوسع وعلم أدق وأوثق.

5 / مَن الرسول ؟

ليس كل أحد مناسب لكل موضوع ، وليس واحداً مناسباً لكل موضوع ، وليس هناك موضوعاُ يناسبه أي أحد، فهذا أبو جهل يقول :” تنازعنا نحن وبنو عبد مناف الشرف أطعموا فأطعمنا وحملوا فحملنا وأعطوا فأعطينا حتى إذا تجاثينا على الركب وكنا كفرسي رهان قالوا منا نبي يأتيه الوحي من السماء فمتى ندرك هذه والله لا نؤمن به أبدا ولا نصدقه.[3] ،لقد كان رفضه للرسالة المحمدية كون محمداًr من بني عبد مناف ، ما رأيك لوكان النبي من قبيلة أبي جهل هل سيؤمن؟

6 / ما وسائلك في عرض الفكرة أو الموضوع؟

إذا أردت قبولاً ضعيفاً أو لا قبول فعليك بالمواجهة المباشرة ، الاقناع ليس عملية حرب جيوش لكنها حرب أفكار وعقول، عملية تسلل إلى ذهن المقابل وزرع الفكرة بقبول منه دون مقاومة كبيرة ، وهذا يستدعي -بلا شك- دراسة متأنية ومراجعة واقعية لأفضل الطرق والوسائل في العرض.

والمتتبع لوسائل الاعلام المعاصرة بمختلف ألوانها وبتعدد توجهاتها ، سيلحظ حرصها على اسقاط افكارها في منطقة ” العقل اللاواعي” وهي المنطقة التي يستسلم فيها العقل للفكرة ويمررها دون عناء، لكن هذا الفن يتطلب الكثير من الجهد والعمل الدؤوب، وهذا أحد أسرار الإجابة على سؤال يطرحه الكثير من الناس: لماذا تتحمل القنوات التكاليف الباهظة ، مع أن أغلبها لا تربح؟ والجواب لان غالب تلك القنوات وغيرها لهم رسالة يرغبون اقناع الناس بها لذا فهم يتحملون التكاليف من أجل الاقناع.

7/ كيف ستهيأ للقضية؟

من أبرز أسباب فشل العديد من المشاريع وضعف نجاحها، ضعف التهيئة لها، وخاصة حينما يكون الموضوع متعلقاً بالنفس البشرية، واقرأ معي ” يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ (1) قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا (2نِّصْفَهُ أَوِ انقُصْ مِنْهُ قَلِيلًا (3أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا  (4)ومن الطبيعي أن تسأل لماذا كل هذا القيام ؟ تجيبك الآية بعدها “إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا (5) فهذا القيام تهيئة واستعداداً لما سيُلقى عليه وهو القول الثقيل، وغيرها كثير في القرآن الكريم.

والدراسات الحديثة والمتجددة أثبت أنه كلما كانت التهيئة مبنية على دراسات وأبحاث دقيقة ومتنوعة كانت فرص النجاح وتقبل الفكرة أكبر ، وبالذات حين يتعلق الموضوع بقضية عامة وتغيير سلوك مجتمعي فهنا لابد من التهيئة المقننة ، ومن تأمل واقعنا عرف ذلك بوضوح.

8 / متى تبدأ؟

حين طلب فرعون المناظرة كان جواب موسى u ” قَالَ مَوْعِدُكُمْ يَوْمُ الزِّينَةِ وَأَن يُحْشَرَ النَّاسُ ضُحًى (59) طه فكان اختيار الوقت من عوامل النجاح، فيوم الزينة يوم الفرح والاجتماع للناس، ثم اختيار الضحى حيث وضوح الرؤية وإمكانية الاستمرار في المناظرة لوقت طويل  ، لاحظ أن هذا كان بعد أن سمع الناس عن دعوة موسى u وأصبحت قضيته معروفة ، فبعد المعرفة جاء وقت التحدي و لما كانت القضية عامة أراد موسى u ان تكون أمام الناس في وقت اجتماعهم، وهذا بلا شك أضعف موقف فرعون، وعادة يكون اختيار الوقت مرتبطاً بإتمام عملية التهيئة واكتمال صورها .

وأمر آخر مرتبطٌ بالزمن هو مدى استمرارية طرح الفكرة ومدتها الزمنية ، وإن كان ثمة تكرار فخلال كم سيكون التكرار.

9 / ما خطتك في الاقناع؟

بعد جمع الأفكار والوسائل وتحديد الزمن، عليك جمع هذا كله وترتيبه بحيث يكون على شكل خطة مرسومة وبمراحل مقننة،  لا تنطلق في البداية إلا وقد استحضرت النهاية، متى تبدأ وكيف تبدأ ، ولماذا بهذه الطريقة وليس بذلك الأسلوب ومًن الذي سينفذ ولماذا وغيرها من التفاصيل الجامعة لما سبق ، انظر معي إلى قول إبراهيم u حين خطط لتحطيم الأصنام ” وَتَاللَّهِ لَأَكِيدَنَّ أَصْنَامَكُم بَعْدَ أَن تُوَلُّوا مُدْبِرِينَ  (57)الأنبياء ، بل وأبعد من هذا فحين كان يُحطمها كان  في ذهنه حواره معهم  بعد عودتهم ففي الآية التي بعدها  يقول  تعالى” فَجَعَلَهُمْ جُذَاذًا إِلَّا كَبِيرًا لَّهُمْ لَعَلَّهُمْ إِلَيْهِ يَرْجِعُونَ (58) هكذا كان مخططاً في إحالتهم للكبير عند سؤله عمن فعل هذا بآلهتهم.

10 / ما معايير النجاح؟

” فَلَا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ ۚ..(8)” فاطر ، وفي قراءة ” تُذهِب” بضم التاء ،إنه التوجيه الرباني لنبيه محمداًr بعدم التأثر الكبير والحزن الشديد على عدم ايمان المشركين وعدم قبولهم لدعوته ، فليس المعيار هو عدد المؤمنين وإنما مقدار الاجتهاد في البلاغ المبين وهو الأمر الذي كُلِّفت به.

السير إلى الامام خطوة خيرٌ من الوقوف، والوقوف خيرٌ من الرجوع إلى الخلف ، والأهم كيف تعرف أنك تسير إلى الأمام ، وهذا إنما يكون بتحديد معايير الطريق ومعرفة معالمه .

والمعايير لا تعني النجاح دائما لكنها تعني السعي نحو الأفضل ، فالتطوير المستمر البطيء خير من البقاء على نفس الأداء .

ليكن همك في حُسن العرض لا في استجابة أهل الأرض.

[1] ابن المعتز ، الخليفة العباسي ت 296هـ

[2] الألباني ، صحيح النسائي 2434

[3] تفسير ابن كثير سورة السراء آية48

فيديو مقال الأسئلة العشرة للمقنع الناجح

أضف تعليقك هنا