الإستثمار والخطر

“عش في خطر” مقوله للفيلسوف الألماني نيتشه, ترى لم قالها؟ كم مرة سمعت ان ارتفاع المخاطر يتناسب طرديا مع زيادة الأرباح؟ او اي عبارة اخرى تحوي ذات المضمون؟ في الغالب انت تعلم ذلك ورغما عن هذا قل لي كم مرة خاطرت؟ وكم كان حجم المخاطرة التي اقدمت عليها؟ وكيف كانت النتائج؟  وماهي العظة التي خرجت بها من مخاطرتك؟ وإذا كانت نتيجة مخاطرتك إيجابية فهل كررتها؟ ام عدت مرتعبا من فكرة المخاطرة مرة اخرى؟ وإذا كانت نتيجة مخاطرتك سلبية فهل حللت الأسباب؟ ام انك اكتفيت بلوم نفسك او لوم احدهم وانكفأت على ذلك؟ دعنا نتحدث قليلا هنا عن الخطر ولنكتشف معا ايهم اخطر ان تخاطر او لا تخاطر وكيف تحلل الخطر دون انزعاج.

ماهو الخطر من وجهة نظرك؟

في البدء اسأل نفسك ماهو الخطر من وجهة نظرك؟ وفكر مليا ما الذي تخشاه؟ في الغالب انت في الإستثمار لا تخاطر بحياتك ولا بأحبائك ففكر مليا بحق ما الذي تخشاه؟ ان اصعب مافي الخطر انه مرتبط بأعمق شعور إنساني وهو الخوف ولو كنت لا تعلم فهذا الشعور الإنساني “الخوف” مسؤول عن الغالبية العظمى من قرارات حياتك بل وتلك التي تتخذها يوميا, فحدق مليا في نفسك واسألها مم تخاف؟ هل تخاف العار؟ او تخاف الخسارة؟ او تخاف حديث الناس عنك وعن خسارتك؟ وكل ذلك جائز وممكن ففي الحياة انت تحصل على خبرتك حين تفشل في تحقيق رغبتك, و كثير من الناس وربما تكون منهم يحب ان يبدو عقلانيا وواعيا ومتنبها ومتمكنا مما يقدم عليه , لكنه في غالب الأحيان لا يعدو كونه مرتعدا ويتملكه الخوف.

وانت كذلك تخشى ان تخدع وتخشى ان يحتال عليك وتخشى وتخشى فقل لي على امر واحد له قيمة حقيقية انجزته وكان امرا سهلا متيقنا لا يحوي اي مخاطر؟ إن كنت لا تعرف امرا كهذا في حياتك فهناك احد إحتمالين لا ثالث لهما إما انك مفلس-ماديا- اوانك تملك اموالا لم تتعب في كسبها واسأل نفسك واجرؤ على الإجابة بصدق, هل اتضح لك حجم ما تخسره بعدم المخاطرة؟ اسأل نفسك كم فرصة لاحت لك وفكرت فيها وبعد مدة عرفت ان فلانا او الجهة الفلانية جنت ارباحا طائلة مما فكرت فيه سلفا ولم تقدم عليه؟ او مما كان متاحا لك وارتعبت كأي رعديد ثم ضاعت منك الفرصة تلو الأخرى؟ انك تلهو وتخدع نفسك بالأمان حيث لا امان, افهم ان الحياة في حد ذاتها خطر.

الحياة ومغامراتها

وقديما قيل ان ركائز الدنيا اربعة: حكمة العلماء وعدالة العظماء وصلوات الابرار وإقدام الشجعان, ثم اسأل نفسك كم مرة خسرت او ضاع منك ماضاع او تلقيت انباء غير سارة دون ان يكون لك أي يد فيها؟ هذا طبيعي هذه هي الحياة وانت تراهن في كل يوم –ان كنت لا تعلم- تراهن بحياتك واكرر حياتك على آخرين لا تعرفهم ولكن التزامهم بما يليهم يبقيك على قيد الحياة واكرر مرة اخرى يبقيك على قيد الحياة وليس امرا اقل, واضرب لك مثلا بسيطا, هل سافرت بالطائرة؟ الغالب انك فعلت, فهل تعرف المئات الذين تأتمنهم على حياتك في كل مرة تسافر فيها بالطائرة؟ لم تتنبه لذلك لأن حوادث الطائرات بحمدالله قليلة بسبب مجهودات آلاف ساهموا في أن تكون رحلتك آمنة, انت لا تعرفهم ولا تعرف عملهم؟ ولا تعرف هل أدوه على ما يجب ام لا؟ انت ترهن حياتك على كل من قائد الطائرة ومساعده والشركة التي اختارته ووظفته ثم كفاءته ثم حالته النفسية والصحية في اليوم الذي تسافر فيه وحالة مساعده كذلك.

ثم ترهن حياتك بأن كل المسؤولين عن هذه الطائرة من مهندسين ارضيين وعشرات العاملين بمختلف اختصاصاتهم قد قام كل منهم بما يجب وترهن حياتك ايضا لموظفي ابراج المراقبة في المطار الذي تسافر منه والمطار الذي تتوجه إليه –تنظيما للرحلات ومنعا لأي تصادم- وكل المطارات او ابراج المراقبة التي تمر عليها ولو في الجو اثناء رحلتك تراهن على ادائهم جميعا لأعمالهم على اكفأ مايكون دون ان تعرفهم بنفسك ولا ان تتحقق من كل ذلك, بل واكثر من هذا ان ترهن سلامتك على كل المسافرين معك في الطائرة الا يقوم أي منهم بأي حماقة قد تكلفك حياتك, وكل هذا لا يشغل بالك وانما في الغالب انت تختار من برامج الترفيه ما يناسبك اثناء الرحلة ثقة في عشرات لا تعرفهم وخطأ اي منهم هو خطرعلى حياتك, وبعد ذلك تقف حائرا مرتعبا مدعيا لواجهات تعقل تعلم انها كاذبة وما هي إلا غطاء لخوفك من مخاطرة مالية تعادل عشر دخلك السنوي؟! صحيح ان امر الإنسان لعجب!.

ضرورة التريث مع عدم الانجراف

ولكن مهلا هل هذا يعني انني ادعوك للإندفاع كيفما اتفق وخلف كل ماتسمع او يسنح لك؟ بالطبع لا, انا ادعوك فقط لكي تتمعن فيما هو امامك, لا تدع خوفك يضيع عليك الفرص ولا تدع طمعك يوقعك في المحاذير, إن للمخاطر إدارات كاملة في البنوك وفي حالتك انت ابدأ بأن تسأل نفسك اسئلة بسيطة وحاول ان تجيب عليها بدقة, ما الذي تخاطر به؟ وهل يمكنك تحمل خسارته؟ وماهو المكسب؟ وكم يعادل من حجم مخاطرتك؟ وهل تستطيع تقليل الخسارة؟ وهل يمكن تعويضها؟ وتذكر ان المياه شديدة الصفاء لا تعيش فيها الاسماك, إن النظر للماضي فقط هو الذي يعطيك معلومات مؤكدة عن ما فاتك من ربح او ما تجنبته من خسارة لكن المستقبل لا يعطيك تأكيدا بسلامة او امانا من خسارة ولو جلست في بيتك,  واعرف هذا إن الخطر الحقيقي يكمن فيما-او في من- لا تتوقعه ولا تخشاه.

فيديو مقال الإستثمار والخطر

أضف تعليقك هنا