سياسة التخويف في بلادنا

الخوف في بلادنا

عرفت البشرية على مر العصور البشرية أشكالاً كثيرة من الخوف، إلا أن الخوف الذي تشهده مجتمعاتنا في الوقت الحالي هو خوف غير مسبوق من حيث سرعة انتشاره، وتنوع مصادره، وتعدد أسبابه، وتباين دوافعه، وإذا ما تأملنا واقعنا بشكل أكثر قرباً سنجد أن الخوف بات سمة من السمات التي تميز مجتمعنا وصولاً إلى الحد الذي يجيز لنا تسمية بلادنا “البلاد المسكونة بالخوف”.

وسواءاً كان هذا الخوف حقيقياً أم متخيلاً إلا أنه بات يسكن قلوبنا ويطاردنا بشكل دائم، إنه الخوف من كل شيئ، ومن أي شيئ، بصرف النظر عن مصدره، أو قربه منا فخوفنا قد يكون من الكوارث البيئية، الوباء، الحرب التدخين، السمنة، الأمراض، الهاتف النقال، المزروعات المعدلة جينياً، المأكولات، اللحوم الأسماك، وحتى الماء الذي نشربه.

ثقافة الخوف

ولم يكن الخوف لينتشر بهذه السرعة في مجتمعنا ويتحول إلى حالة ثقافية عامة تتغلغل في تفاصيل الحياة اليومية، لولا تلك القدرة التي تتمتع بها وسائل الإعلام الحديثة في هذا المجال؛ فوسائل إعلامنا الفاشلة نجحت بصورة مباشرة او غير مباشرة على تصنيع الخوف، ونشره، وتعميمه، وعولمته بفاعلية فائقة وبسرعة مذهلة، فلم يسبق أن عرفت المجتمعات في الماضي البعيد، أو حتى القريب، مخاوف بالقدر الذي بتنا نعرفه اليوم، حتى صار بإمكاننا القول إننا نعيش ضمن مجتمع يحمل سموم فكرية وأوهام ومخاوف مرضية.

لكن كيف تحوّل الخوف من كونه مجرد شعور فردي إلى حالة ثقافية عامة بيينا؟

وضمن مقالي هذا سأحاول قراءة دور مؤسساتنا الإعلامية في زراعة سياسة الخوف التي أصابتنا جميعاً.

بداية يشير مصطلح ثقافة الخوف، في الطروحات السياسية والإعلامية إلى تلك الحالة من مشاعر الخوف المهيمنة على الخطاب السياسي في مجتمعنا حيث نرى مواطننا يصدق بفكره وشعوره كل حالات التخويف الإعلامية السلبية، وأصبح وللأسف الشديد لا يصدق الأخبار الإيجابية بل يستمتع بحالة خوفه من شبح أسود قادم، وهذا الأمر تطور ليصبح حالة عامة تهيمن على شبكة علاقات الأفراد الاجتماعية وتسيطر على مجريات حياتنا اليومية.

وهنا قد تتباين طروحات الدارسين في تحديد أسباب انتشار هذا النوع من الثقافة في مجتمعنا والجهة أو الجهات التي تقف وراء تصنيعها وإنتاجها، وهيمنتها على شبكة العلاقات الاجتماعية، إلا أننا جميعاً متفقون أن الخوف بات حالة عامة تُسيطر علينا، ليس هذا فحسب بل بات خوفنا مندمج ضمن نسيجنا الثقافي والاقتصادي.

توجيه سياسة الخوف

لكن هل يعقل أن تكون سياسة تصنيع الخوف السياسية والإعلامية هذه صدفة في زمن لم يعد فيه أحد يؤمن بالصدف، أم أن هناك مؤسسات وأنظمة تعمل بشكل مدروس على تصنيع ثقافة الخوف وبشكل مقصود من أجل تحقيق أهداف خاصة ومصالح ذاتية.

إذا صح كلامي هذا فعلينا أن نعلم جميعاً أننا قد وقعنا في فخ اسمه (سياسة المتاجرة بتخويف وذعر الشعوب)، وهذا الفخ ليس سوى سياسة تُحول الخوف من خلال أداة الإعلام إلى سلعة تُباع وتُشترى كباقي السلع، تدر على مُصنعيها أموالاً طائلة، قد لا تدره عليهم أي تجارة أخرى حيث تتمكن الأنظمة المُصنعة للخوف إلى إحكام سيطرتها بشكل أكبر من خلال ترويع الناس، ودس الخوف في قلوبهم ونفوسهم من أجل إبقائهم في حالة دائمة من عدم الثقة بمجتمعهم وأرضهم ومستقبل بلادهم، فلا يجدون فرصة أمامهم للتخلص من هذه الحالة سوى تبنيهم الحلول التي يقدمها لهم النظام الإعلامي والذي سيدعي أنه يقوم بالتصدي للخوف الذي هو بالأساس من قام بزراعته، وبالتالي قبولهم الطرق التي يراها ملائمة ومناسبة لمحاربته أو القضاء عليه ضمن استراتيجيته الأساسية.

افتعال الأنظمة العربية لسياسة الخوف

وفي الواقع يعتبر لجوء الأنظمة السياسة في بلادنا العربية إلى افتعال الخوف ليس حديثاً، فقد تحدث عنه (كامبل وكوسر) وأكد أن الأنظمة الإعلامية السياسية تعتمد على صناعة الخوف لدى شعوبها من أجل كسب ولائهم وتأييدهم في ما سيقومون به من أفعال عدوانية تجاه هذا الخطر المزعوم، بحجة درئه، وإقصائه، وإبعاده، وبذا، تكون هذه الأنظمة قد وجدت في التدابير الأمنية التي تنتهجها حجة تستند إليها في هروبها من مواجهة مشكلاتها الحقيقية الداخلية من جهة، وتكون في الوقت نفسه، قد حققت أهدافها ومصالحها الخاصة من جهة أخرى.

ولا ننسى المؤسسة الإعلامية الأمريكية التي كانت وماتزال تعمل في صناعة الأشباح السوداء بوجوه مختلفة لتبرر لنفسها التدخل من أجل حماية الشعوب الخائفة فدور المؤسسة الإعلامية الأمريكية قوي في شرقنا الموبوء بالخوف فهي إلى اليوم تقدم لنا رؤية لأشباح تدور من حولنا وهي المنقذ الوحيد، وفي هذا الصدد يقول المفكر (شيللر): “يقوم مديرو أجهزة الإعلام في أمريكا بوضع أسس عملية تداول “الصور والمعلومات” ويشرفون على معالجتها، وتنقيحها، وإحكام السيطرة عليها، تلك الصور والمعلومات التي تحدد معتقداتنا ومواقفنا، بل وتحدد سلوكنا مستقبلاً”.

فيديو مقال سياسة التخويف في بلادنا

أضف تعليقك هنا

حسام ابراهيم الغزالي

حسام ابراهيم الغزالي