قراءة في كتاب سأخون وطني ل محمد الماغوط

كتاب “سأخون وطني”

إنه توقيت هذا الكتاب..
قراءة في كتاب سأخون وطني..هذيان في الرعب والحرية. محمد الماغوط
يبدو للقارئ من الوهلة الأولى أن عنوان هذا الكتاب صادم ومثير، فيدق ناقوس الخطر وصفارات الإنذار ،يتساءل القارئ:هل خان محمد الماغوط وطنه فعليآ؟
لأن فكرة خيانة الوطن عند أي مجتمع فكرة صادمة وقاسية ،
وعلى غير الخونه الحقيقيين اللذين يخونون أوطانهم سرآ،لكن عند محمد الماغوط كانت فكرة خيانة الوطن معكوسة على عكس عنوان الكتاب تمامآ، هو كان يريده وطنآ مختلفآ عكس ماعاشه.

وصف “محمد الماغوط” لوطنه

لقد أحب محمد الماغوط وطنه ، كما وصفه في كلماته:
ثم انني أحب هذا الوطن من محيطه إلى خليجه. فأينما كنت، ما ان اقرأ اسمه في جريدة، أو اسمعه في اذاعة حتى اتجمد كنهر سيبيري، كعريف في حضرة جنرال، انني احبه، قدروا ظروفي وعواطفي.

فيه قرأت أول قصة لياسين رفاعية، وسمعت أول أغنية لفهد بلان، وقرأت أول افتتاحية ترد على كل المخططات الاجنبية في المنطقة، تبدأ ببيت للفرزدق وتنتهي ببيتين للأصمعي. فيه سمعت لأول مرة اسم: قضية فلسطين، عائدون، حرب التحرير الشعبية، حرف الاستنزاف، الكيلومتر 101، مرسيدس 220 امبريالية، استعمار انسبستر، ديبون، فيزون، بيار كاردان، جنرال الكتريك، جنرال سيلاسفيو.

وهنا يتلقى القارئ كلماته على طبق ساخر،في إحدى صفحات الكتاب:
وصرخت زوجتي بحدة: مشكلتك أنك تسخر من كل شيء في هذه المنطقة.
فقلت لها: بالعكس، مشكلتي أنني احترم كل شيء فيها حتى قمامتها، بدليل، وأنا عائد في آخر الليل سقط عليّ كيس قمامة، فلم أحتج. ولم أنفضها حتى عن رأسي وثيابي، لأنني من طريقة سقوطها عليّ عرفت أنها زبالة مدعومة.

تجربته في الوطن العربي

كانت تجربة محمد الماغوط قاسية في الوطن العربي، لقد ترعرع على أنغام شعارات وأفكار تزداد عظمتها مع ازدياد عظمة أصحابها،
لم يخلع تلك الشعارات إلا عندما أيقن أنه شاخ وهرم وأضاع أروع سنين عمره هباءً كما قال.
وكأنه يقول:إذا كانت خيانة الوطن هي بالامتناع عن إلقاء الشعارات وتعظيم السياسيين والتصفيق لهم، بينما الفقير يشكو القلة في كل شيء ، فسأخون وطني بالامتناع عنها حتمآ.
لربما كانت حروفه وكلماته لاذعه وساخرة ولكنها مليئة بحرقة المضحك المبكي
قلم ممزوج بواقع من التخاذل العربي، والفكاهة الحارقة والحزن اللاذع ،
هوية عربية باتت مجرد إسم ،ووطننا العربي يضيع لحساب إسرائيل يومآ بعد يوم .
هل يوجد في وطننا العربي من يراهن على عدم خيانة أي حاكم عربي لبلده؟
فبمجرد أننا نرى التطبيع مع إسرائيل مباحآ وعلى عينك يا تاجر، والقضية الفلسطينية أصبحت كرة تتدحرج على طاولات المفاوضات فقط للتسلية أو ليقضي الساسيون إسبوع سياحي بالمجان، فاعلم أننا في مزبلة عامة..
وعلى الدنيا السلام .

يحاول محمد الماغوط الصراخ في إحدى صفحاته فيقول :

أيها العرب، استحلفكم بما تبقى في هذه الأمة من طفولة وحب وصداقة وأشجار وطيور وسحب وأنهار وفراشات.

استحلفكم بتحية اعلمها عند الصباح و إطراقة جبينها عند المساء، لقد جربتم الرهاب سنين وقرونا طويلة وها أنتم ترون إلى أين أودى بشعوبكم.

جربوا الحرية يوما واحد لتروا كم هي شعوبكم كبيرة وكم هي اسرائيل صغيرة.
كتاب يمثل الواقع العربي بسوداويته الساخرة والحزينه في آن واحد، يشعر القارئ لوهلة أنه يحتاج أن يقرأ ماسبق أو مافاته من ماضٍ وتاريخ عابر قبل أن يصاب بصدمة واقعه المتستر خلف قضبان جلاديه.
مُنع هذا الكتاب من التداول في أكثر من بلد عربي، مما جعل القارئ العربي يقبل أكثر على قراءته ويجعله أكثر فضولآ لمحتواه، وخصوصآ أن عنوانه مثير للجدل.

نقد “محمد الماغوط” لدول الوطن العربي

على العلم أن محمد الماغوط لم يستثني أي بلد عربي في كتابه، شمل المجتمع العربي كله في كلماته وسخريته،
لقد كان محمد الماغوط يريد تسمية كتابه، نفحات من المزبلة العربية
فكان سأخون وطني..هذيان في الرعب والحرية
من المؤكد أن محمد الماغوط لم يخن وطنه ولم يخن شعبه ولا أمته،
لكن هناك حتمآ مأساوية وصل إليها المواطن العربي تجعل خيانة الوطن مشروعة مجازآ وليس بشكل حقيقي.
وأخيرآ ..ماكتبه محمد الماغوط جزء بسيط جدآ من واقع مرير وقاهر ومرعب، بطريقته الساخرة والمؤلمة ،كغيره من الشعراء اللذين عانوا من ولاءهم لأوطانهم وكانت حياتهم مليئة بحرقة المضحك المبكي .
إنها شهادة فاجعة على مرحلة معتمه من واقع العرب.

فيديو مقال قراءة في كتاب سأخون وطني ل محمد الماغوط

أضف تعليقك هنا