قليلٌ من كثير

“إن الأمور الجميلة دائماً تاتي على التدريج، لكن رغبتُنا المُلِحة في تتاليها قادِرة على أن تمنعَ قدومها أصلاً، لذلك لاتستعجلِ الخيرَ فدائماً ما كان أوّلُ الغيث قطرة، و لِتعلم إن انكسرتَ لن ترعاك الحياة أو ترحمك مطلقاً، فإما أن تجد سبيلاً للتصالح مع ذاتك و النهوض بها من جديد أو ثق بي سوف تكون طريحاً طوال عمرك، لن يتبدل حالك أو يتغير شيء من حولك ما دمت لا تسعى أنت وراء ذلك، إبدأ دائماً من النقطة الصعبة وستنحني لك الصعاب”.

لمحة من الماضي تتكلم عن بناء شخصيتي وذاتي

الطفولة التي عشتها

كانت البداية منذ أن بدأت أُدرك كل شيء حولي، كنت طِفلاً شَقياً لكن دائمَ الضحِك و التّبسم حتى أن الأمور التي أفعلها و تثير غضب شخص ما أحياناً ينقذني الضحك من هول غضبه فيستلطفني ، لم أكن أُعطي حياتي أي إهتمام ، كانت كما تجري تأخذني معها و لم يكن لدي نية أن أُعاكس تيارها و أسعى وراء هدف أو غاية أريدها ، كنت كَعامة الناس أعيش كل يوم على حدة ، لا أهتم لما فعلت فيما قبله و لا ماذا سيحدث في الذي يليه ، كم كنت جاهلاً لكل ما سيحدث لي مستقبلاً ، لم أرد تغير شيء حينها لا نفسي و لا مجتمعي و لا طباعي أو أسلوبي في الحياة.

مراهقتي واختيار الأصدقاء في تلك الفترة وبداية تقوقعي

نضجت قليلاً بعد مراهقتي الهادئة مقارنة بمن هم حولي و بدأ رتم الحياة يتصاعد و كأنه يُجهّزني لمرحلة قادمة عندها سيتغير كل شيء ضننته يوما دائم ، بدأت أول أخطائي عند اختيار سيء لبعض الأشخاص الذين قد تكون كبيرة جداً عليهم كلمة الأصدقاء أن يندرجوا تحت مسماها ، و لكن بالمقابل أنا ممتن لهم و لكل شخص دون إستثناء كان قد عبر و رحل من حياتي ، أنا ممتن لكل ما تركه فيني من أثر مهما كان فقد جعلني أصل لِشخصي الذي أنا عليه الآن ، شخصٌ أنا راضٍ عنه وسعيد لوصوله لهذه المرحلة من حياته رغم أنه لا زال لم يحقق الكثير و لكنه لا زال مستمراً في الإتجاه الصحيح ، عانيت لأعود لسابق عهدي فقد خسرت الكثير ممن هم حولي لأجل تمسكي برأيي الخاطئ الذي ضننت أنه الصواب.

محاولتي النهوض وفشلي في ذلك

عدت لأستقيم فسقطت مرة أخرى فهذه المرة بالغت في حذري ، و وضعت دائرة على محيطي و لم أسمح لأحد بالأقتراب غير الذين أريدهم أن يقتربوا ، لا أُنكِر أنه أمرٌ جميل أن تُصبح متحكِماً ولو قليلاً بأمورك الدنيَوية و لست ملزماً بالمجاملة على حساب ذاتك و تحميلها ما لا طاقة لها به بسبب شخص لا تريده في حياتك أو أمر لا ترغب بِفعله ، أعترف أنني بالغت جداً فلم أجعل حولي إلاّ قلة لكنني كنت سعيداً بسبب إختياري للموضع الذي وضعت نفسي فيه ، و لِأن طبيعة النفس البشرية من الصعب عليها الإعتراف بما فعلت أو النظر له كقرار غير صائب.

لقائي بالشخص الذي أرشدني للطريق الصحيح

استمر الحال دون أي إختلاف حتى تخرجت من المرحلة الثانوية و بعدها بدأت أحاول إصلاح ما أفسدته مع الجيد من الناس ولا زال الإصلاح قائماً حتى الآن ، و كشخص يعيش في بيئة لم يكن الطامحين هم أهلها لم أكن مختلفاً عن البقية فقد أخذت قسطاً طويلاً من الراحة و لم ألتحق بالجامعة ، إلتقيت بشخص ما حينها كان غاية في البشاشة و الوضوح و نقاء القلب “رحم الله تلك الروح الطيبة” جمعتنا الأيام طوال سنة كاملة أنساني فيها كل رفيق سوء قدمته لي الحياة ، أرشدني لِلطريق الصحيح علمني كيف أكون طاهر القلب صافي الذهن قام بدعمي على الصعيد النفسي بحيث أن الكل يتعجب من السكينة والسعادة التي وصلت إليها.

القشة التي قصمت ظهر البعير

لكنه بعد تلك السنة التي جمعتنا ذهب عند ربه و كانت هذه هي القشة التي قصمت ظهر البَعِير فرحيل البعض ليس كأي رحيل ، حينها انقلبت حياتي رأساً على عقب ، فقدتُ شخصاً كان متواجداً بجانبي حتى في الوقت الذي لم أُرِده ، لقد علمني الكثير في هذه الحياة و كان مِثال يحتذى به عند ذكر البساطة و التواضع و اللّين ، رحيله قاسٍ فقد أفاقني من غفلتي ، كنت ساهياً ضائعاً جعلني أخيراً أدرك بأن الكل راحل في أي لحظة ، نعم أخطأت كثيراً سابقاً ولكني عدت أخيراً لأصحح الأمور.

اتخاذي لأقوى خطوة شخصية قمت بها في حياتي

لم تكن الخيارات كثيرة أمامي والوقت يلاحقني لا أستطيع تبديد الوقت فلقد أضعت الكثير منه ، قمت بإتخاذ أقوى خطوة شخصية قمت بها في حياتي لربما عند البعض هي شيء إعتيادي و بسيط ، و لكن لِشخصٍ متقوقع في حياته و ليس مُلماً بكثير من الأمور مثلي ، كان هذا شيء صعب جداً و لكن كنت متأكداً من أمرين ساعداني على ذلك ، أنني إن بدأت بهذه الخطوة فلا سبيل للعودة حتى أجني ثِمارها ، وشخص عرفته عن طريق الصدفة و لِأكون منصفاً له حتى في غيابه لقد كان هو الداعم الأول لهذه الخطوة ولكن حاله كحال كل الأمور الجميلة ( لا تدوم ).

حانت اللحظة الموعودة  لأنتقل لمكان آخر غير الذي نشأت فيه و عشت فيه كل سنين عمري الماضية مكانٌ لم أعتقد لوهلة أنني قادر على الخروج منه ( وحيداً ) مبتعداً عن كل ما يربطني به ، انتقلت وأخذت بِزمام كل المهام ، حينها بدأَت الشكوك والأسئلة تجول في رأسي هل سأستطيع فعل هذا ؟ مالذي رحلت لأجله عن دياري ؟ هل سأحصل عليه في النهاية أم سيذهب تعبي أدراج الرياح ؟ لا أعلم ولكني كنت أحاول أن أُثبِت لنفسي بأنني أمتلك كل الأشياء التي تجعلني أستطيع فعلتها مهما كلف الأمر ما دمت سأغير حالي و أصلح الوضع قدر المستطاع.

بداية التأقلم وإثبات نفسي

عشت أيامي الأولى جثة هامدة رحلت و تركت خلفها روحاً متشبثة بعائلة و أصدقاء و الكثير من الأماكن التي تربطني بها الذكريات ، بدأت أتأقلم و وجدت لنفسي عزلة كنت بحاجة إليها دون أن أعلم و أعظم درس لقنتني إياه الغربة و الوحدة هو الإكتفاء بذاتي ، و أن أكون غنياً بنفسي عن الجميع ، و أن أتعلم كيف أواسي نفسي ، عندما وصلت لهذه المرحلة من الإكتفاء بالذات و حب نَفسي إكتشفت أن الماضي من عُمري لم يكن سِوى مجرد سخافات مُبتذلة و إهمال في حق نفسي.

لقد تكيفت مع الواقع فأصبحت أعيش يومي أفكر في أن أكون شخصاً أفضل من اليوم الذي يليه و وضعت الضوابط و الأنظمة لنفسي ، فمن يريد العلى ليس عليه أن يسهر الليالي فقط بل عليه أن ينضبط لتحقيق غايته ، عائلتي دعمتني بشتى الطرق لن أتحدث عنها كثيراً فالكلام غير كافي ولو كتبت فسيستغرق الأمر مني أكثر من مقال حتى أنصفهم ، فهم سبب إستمراري حتى الآن و لكن سأرد لهم الجميل يوماً ما ولو تأخر قدومه.

طريق النجاح ليس مفروشا بالورود

في المقابل لن أنسى أنه حتى في إنشغالي و مسامحة ذاتي و محاولة إيجاد طريق الخلاص لروحي التي أُرهقت سابقاً بما فيه الكفاية لم يرحمني بعض الكارهين من سوء الظن و الحقد و الكراهية رغم إبتعادي التام و إنقطاعي عن كل ما يصلني بالماضي أو المكان الذي أتيت منه ، لكن احذر ” الشخص الذي يستمتع بوحدته ولا يخشاها فالحياة لم تهزمه فما ظنك ببشر ” لكنني أحاول جاهداً أن أكون ذا حُلم و صبر فطريق النجاح ليس مفروشاً بالورد ، به الكثير من البلاء و ما يُلقّاها إلا الذين صبروا.

الفرج لايأتي إلا بعد الصبر

صبرت فكان عطاءُ الله عظيماً حينما إلتقيت بشخص ما في هذه الغربة وكنت قد ابتعدت عن عائلتي و كل أصدقائي و كان الله يواسيني به دائماً فهو أخ قبل أن يكون صديق ، يبهرني بكرمه و عطائه و رفقته الحسنة فكلما أحسست بالتعب و النصب مما أسعى إليه كان الله يشدد به أزري ، لقد أَخرجَ الأمور الجيدة بداخلي بسبب إيمانه بي و بما أنا قادر عليه ، لم أعتقد يوماً بأنني سألتقي شخصاً مثله.

بين الماضي والحاضر

عذراً فبين الماضي والحاضر صعب جداً أن أعبّر عمّا مررت به أو ما مرّ بي حتى الآن ، لكن اليوم أصبح لي غاية أنشدها ، هي فكرة وليدة الحظ و الصدفة ، جائت مثل نسمة طيبة شرحت صدري و طبطبت على أوجاعي و أصبحت بفضلها مبتهجاً ، لا أعلم كيف و لكن لها القدرة على محوُ كل ألم و جعل كل الأمور التي تجاهلتها أن تُصبِح ذو قيمة و في مقدمتها نفسي التي لم أنصفها ، نسمةٌ أتى معها أملٌ لِأفكارَ يائسة هُزمت في ميادين الدنيا ، يالها من فكرة لِجمالها لم أجد وصفاً يليق بها أبداً فكل سطر أكتبه أمحوه بمجرد توقفي للتفكير بها ، يقول المثل الصمت في حرم الجمالِ جمالُ لكن في موقفي هذا الأمر مختلف ، فلا حديث مُنصف و لا صمتٌ جميل لكنني أطلب الله تحقيقها.

ختاماً فلتعلم أن قوة شخصيتك تنبع من قوة تفكيرك، لا تنظر بنظرة دونية إلى نفسك و آمن دائماً بأنك شخص رائع فهذا التفكير الإيجابي سيغيرك لا إرادياً، فالله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بِأنفسهم.

فيديو مقال قليل من كثير

أضف تعليقك هنا