إتباع الهوى فساد فى المجتمع وإنحراف فى المعتقد

آثار اتباع هوى النفس

ومما دفعني أن أكتب في هذا المقال كثرة الإنحرفات الأخلاقية والفكرية والعقدية فكتبت في أول سبب ألا وهو ((هوي النفس فساد فى المجتمع وانحراف في المعتقد ))

من أبرز المشاكل التي تعاني منها الأمة في هذه الأيام هو أن كل إنسان يعتقد أنه علي صواب والجميع علي خطأ فيتبع هواه ويسير عليه رغم أن هذا المعتقد أو الهوى يخالف الفطرة السوية والنفوس الزكية فتري بعد ذلك انحرافات وخرافات لا تمت للمعتقد الصحيح بصله رغم أن الحق واضح وضوح الشمس في رابعة النهار ولكنهم يؤثرون الباطل والشهوات لأن هواهم وملذاتهم الباطلة يقيدها الشرع ولا يسمح بالفجور بالفجور ولا بالانحلال  الأخلاقي والمجتمعي .

الحرية الباطلة

ومن هذا المنطلق انتشرت دعاوي الحرية الباطلة فيقولون لكل إنسان الحرية في المأكل والمشرب والملبس وان يفعل مايشاء في أي وقت كيفما شاء دون تقييد للشرع لهم في شيء فحينما تقول لماذا كل هذه الدعاوي تجد أنهم تعودوا علي هذا المستنقع العفن فبادروا بالحرب علي الدين وتقولوا عليه الأباطيل لأنه لا يخدم مصالحهم ولا هواهم فمن هذا الفساد أيضا تري أن عالما كبيرا في أي  مجال معين يعبد بقرة أو فارا أو حجرا فلا تتعجب لان هواه أوصله إلي هذا الحد واقرأ معي قوله تعالي “أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَٰهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَىٰ عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَىٰ سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَىٰ بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَن يَهْدِيهِ مِن بَعْدِ اللَّهِ ۚ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ.”

وفي الحديث الصحيح يقول نبينا -صلى الله عليه وسلم-: ((ثلاث منجيات، وثلاث مهلكات، فأما المنجيات: فتقوى الله في السر والعلانية، والقول بالحق في الرضا والسخط، والقصد في الغنى والفقر، وأما المهلكات: فشح مطاع، وهوى متبع، وإعجاب المرء بنفسه).

ماهو سبب الانحرافات الفكرية و الأفكار المتطرفة؟

وحينما تنظر بعين التدبر لهذا الواقع فانك تري أكثر الانحرافات الفكرية وخروج الأفكار المتطرفة  إنما  هو بسبب هوي النفس لان هذا المتطرف أو  صاحب هذا الفكر العفن يقرا قراءة واهية ولا يبحث في هذا الموضوع عن المعاني الصحيحة فيقتل ويذبح ويستحل الحرمات لان ذلك يخدم مصالحه الشخصية ويخدم هواه ولا حول ولا قوة إلا بالله .

وان من أسوأ الجرائم التي تتعرض لها الأمة في هذه الأيام وما يقع الان في دنيا الناس من انتهاك للحرمات والاعتداء على المقدسات وقتل الصالحين والاستهزاء بالمصلحين إنما هو بسبب هوي النفس وإيثارها للشهوات والحفاظ على الدنيا والتقليد الأعمي .

لذا تري ربنا سبحانه يعلل قتل اليهود للأنبياء بسبب إتباعهم للهوي فيقول تعالى وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَقَفَّيْنَا مِن بَعْدِهِ بِالرُّسُلِ ۖ وَآتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ ۗ أَفَكُلَّمَا جَاءَكُمْ رَسُولٌ بِمَا لَا تَهْوَىٰ أَنفُسُكُمُ اسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقًا كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقًا تَقْتُلُونَ (87)

لماذا حذر القران من أهل الأهواء

الأهواء ضلال وإضلال لماذا لأنه انحراف عن الحق وإيثار للشهوات وحرص علي متع الحياة الرخيصة هذه الأهواء ضلال للنفس وخسران يهوي بصاحبه إلي أودية الشقاء في الدنيا والآخرة .

وأما أصحاب الهوى فإنهم لا يكتفون بانحرافهم وفساد قلوبهم بل يواصلون سيرة إضلال الناس وإفساد العقائد ويصرون بكل قوة علي نشر مذاهبهم الهدامة واقرأ معي قوله تعالى “﴿ قُلْ إِنِّي نُهِيتُ أَنْ أَعْبُدَ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ قُلْ لَا أَتَّبِعُ أَهْوَاءَكُمْ قَدْ ضَلَلْتُ إِذًا وَمَا أَنَا مِنَ الْمُهْتَدِينَ ﴾.

ولاحظ معي هذا التعبير القرآني تدعون أي يدعون آلهة غير الله ويذيعون لها وينشرون لتلك العبادات الباطلة ومن هذا المنطلق حذر القران من مصاحبة أهل الأهواء والوقوع في شراكهم وخداعهم وأمر بمصاحبة أهل الحق وملازمتهم حتى لو كانوا فقراء ماديا أو ليس لديهم مناصب اجتماعيه لان الحق يرفع صاحبه وان الباطل يزرى بأهله .

قال تعالى وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ ۖ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ۖ وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا (28) .

ودعا القران أهل الحق بالالتزام بالشريعة السمحاء والتمسك بالوحي الإلهي والإصرار على الوحي المقدس دون الالتفات إلي غوغائية أهل الأهواء .

إن أهل الأهواء يحاولون تجميع صفوفهم وتوحيد حجتهم في مواجهة أهل الحق ولكن هيهات فان الله ناصر عباده المؤمنين وهو ولي المتقين وان أهل الباطل تحسبهم جميعا وقلوبهم شتي .

قال تعالي ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَىٰ شَرِيعَةٍ مِّنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ (18) . إِنَّهُمْ لَن يُغْنُوا عَنكَ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا ۚ وَإِنَّ الظَّالِمِينَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ ۖ وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُتَّقِينَ (19).

هل الهوى يتطبع في النفس؟

قبل الإجابة علي هذا السؤال لا بد أن تعرف أيها الإنسان أن الله عز وجل ميزك بالعقل وكرمك بالدين ومنحك وسائل المعرفة لتدرك الحق من الباطل والطيب من الخبيث ((يقول الله تعالى ولقد كرمنا بني أدم .))

ويقول تعالى ((وَاللَّهُ أَخْرَجَكُم مِّن بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ ۙ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ . ))

واذا خرج الإنسان عن موازين العقل الصحيح واثر الشهوات في الأنفس والأموال والأولاد وتمرد على القيم وتعالى على الحق فقد اتبع الهوى وضل ضلالا مبينا والإنسان السوي هو  الذي يقوم بتطبيع هواه ومغالبة النفس بالاحتكام إلى نور الحق .

ولقد بين الله سبحانه وتعالى حب الإنسان للشهوات وبين أنها في طبيعة الإنسان :ـ

قال تعالي : زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ۗ ذَٰلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ۖ وَاللَّهُ عِندَهُ حُسْنُ الْمَآبِ .

ثم استنهض القران الهمم إلي جنة فيها مالا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر علي قلب بشر فقال سبحانه  ۞ قُلْ أَؤُنَبِّئُكُم بِخَيْرٍ مِّن ذَٰلِكُمْ ۚ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِندَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَأَزْوَاجٌ مُّطَهَّرَةٌ وَرِضْوَانٌ مِّنَ اللَّهِ ۗ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ .

ثم حدد القرآن صفات هؤلاء الأخيار فقال سبحانه :ـالصَّابِرِينَ وَالصَّادِقِينَ وَالْقَانِتِينَ وَالْمُنفِقِينَ وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالْأَسْحَارِ .

لقد صدقوا في عقيدتهم وسلوكهم وصححوا  سيرة حياتهم  .

إن المسلم السوي لا يرفض الأموال ولكنه يريدها حلالا طيبا ولا يمسك عن المأكل والمشرب ولكنه يحرص على الطيبات من الرزق ولا يئد في نفسه حب الجمال ولكنه يسعي إلي جمال الأخلاق وحسن المعاملة مع الخلق ولا يعرف الرهبانية ولكنه يتعاون على البر والتقوى .

ماهو تشبيه القران لأهل الأهواء؟

لقد شبه القران أهل الأهواء الذين يعلمون الحق والفضيلة ويرفضون الولاء لها وبين أيديهم الهدي ويؤثرون الهوى عليه شبههم بالكلب اللاهث الذي لا ينفك عن اللهث في الراحة والإعياء والبرد والحر وهو شر أنواع هذه الفصيلة . كذلك فان أصحاب الأهواء لاتنفعهم موعظة ولا تقيدهم تذكرة ولا تصل إلى قلوبهم هداية ولا تتفتح عقولهم على الحق .

يقول تعالى واتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ (175) وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَٰكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ ۚ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِن تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَث ۚ ذَّٰلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا ۚ فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ .

فقد يكون لهذا التشبيه نموذج واقعي في ماضي أو حاضر أو في بيئة معينه ولكنه نموذج متكرر في زمان ومكان .

انه مثل ضربه الله سبحانه وتعالى لمن اعرض عن الحق وأنكره أو تعلم العلم فلم يعمل به و جاءته الهداية فاعرض عنها .

لقد انزل الله وحيه وحمَل أنبياءه شرائع هديه رفعة للإنسان وعزة له فى الدنيا وكرامة له في الآخرة لكن أصحاب الأهواء

اثروا متع الحياة الرخيصة وركنوا إلي شهوات النفس الأثمة  وزين لهم الشيطان قبائح الأفعال فأهلكوا أنفسهم وافسدوا في مجتمعاتهم فيجب على أهل الحق أن يكونوا حراسا على دين الله حتى تكون كلمة الله هي العليا .

هل إتباع الهوى ظلم ؟

نعم إن إتباع الهوى وتأليه الشهوات بحيث تكون متحكمة في سلوك الإنسان وأعماله يجعل الحياة كلها ظلما وظلاما يقلب موازين العدل .

إن حب الهوى وإيثار الشهوات يدفع الإنسان إلي شهادة الزور وكتمان الحق ونصرة الظالم  يقول الله تعالى : ـ ۞ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَىٰ أَنفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ ۚ إِن يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا فَاللَّهُ أَوْلَىٰ بِهِمَا ۖ فَلَا تَتَّبِعُوا الْهَوَىٰ أَن تَعْدِلُوا ۚ وَإِن تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا .

إن حب الهوى وإيثار الشهوات ينأي بالأحكام عن الحق والعدل ويقذف بهم في مهاوي الاستبداد والطغيان  يقول تعالي :ـ يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُم بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَىٰ فَيُضِلَّكَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ ۚ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ .

إن أصحاب الهوى يرتكبون أسوأ الجرائم ويكذبون الحق ويغمزون الشرفاء ويستهزئون بالمصلحين .

يقول تعالى :ـ وَمِنْهُم مَّن يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ حَتَّىٰ إِذَا خَرَجُوا مِنْ عِندِكَ قَالُوا لِلَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مَاذَا قَالَ آنِفًا ۚ أُولَٰئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللَّهُ عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءَهُمْ .

وفقني الله وإياكم الي ما يحبه ويرضي

فيديو مقال إتباع الهوى فساد فى المجتمع وإنحراف فى المعتقد

أضف تعليقك هنا