اللا وهم

بقلم: عطاالله ابراهيم الخليل

ذكرياتي 

«كان تشبت فولكنربحريته في ميدان الابتكار هو ما منعه من التقيد بأي مدرسة فنية . بل سمح له أن يخلق تدريجيا منتوجا أدبيا فريدا تتكامل فيه سمات الوصف الواقعي و الطبيعي بالإشارات الثرية النابعة من نسيج المنولوجات الداخلية مثلا بمعالجتها المعقدة لتداخل المواضيع والأزمنة والتناقضات والثوابت النفسية» .. كانت آخر جملة همست بها نفسي  اثر انبجست صورتها في غلاف رواية الصخب والعنف . رفعت ناظري متشبثا بمقبض الحديد العلوي للحافلة . طلبة لا يتجاوزون الخامس والعشرين بهمساتهم ضحكاتهم كتلك التي ألفناها عقب دروس الجامعة في الأمسيات نسقا لهرج مينامار..قبل فواجع العشرية .. بل إلى اليوم خلف ذاكرتي همس الخطى بعد جنازة أختي . إني لا أعلم إن كان بيننا وبينهم شيء نموت من أجله لطالما كنا نساند باستمرارية الجمهورية ..

إنا كما كنت وكما لا أزال * زراوي لطيفة * خريجة كلية الآداب .. لا أعلم إن كان لإقامتي في تونس دوافع التغيير أم لنوع من المزاج الخاص ..

  • القابض : الساحلين …أكرر..

خطواتي لنزل بورقيبة ليلا كما أريد أن يكون وكما أرادني أن أكون له . همسات موجه سكنت قلبي . جنبا لجنب. شرقا كما أرى أضواء المنستير صوب الأفق بمحاذات الساحل .

تنفست الصعداء ..

نطقت: ما كنت الا شخصية لآراء الكاتب . فلم ضميري منشغل كأشد ما يكون عليه الانشغال في سببية جهل بصائر الغرباء عن ما يجول في ثناي فكر يتملكها غرباء آخرون . أو بعبارة أدق ما جال في خاطري في مقدمة السرد.

ليجيبني همس بجانبي: لأن التأمل نوع من رونق الإيمان ..

بشير .. كف عن سخفك .. بملء الغرور

أضاف : ألست جزء ؟

عندها لم يتح لي إلا أن أرفع الجانب الأيسر من ثغري وأترك الجانب الأيمن على ما كان  عليه لأضيف : هل كنت مضطرا وأنت تتجاوز الستين من عمرك إلا أن تلازم زيارتي ..

  • بل زيارتك لي
  • كيف
  • لا أرى فيك ما قد يناقض وجهة نظري . ماتت أختك . المعاش قليل. و تستقلين الحافلة لعجز مادي. أما عن طبيعة فكرك فأنت قلقة والإنسان القلق عظيم . والإنسان غير القلق ليس كذلك .. وأما موقف اللا منتمي الطبيعي فهو أن لا تنظر إلى الفلسفة بل إلى الفيلسوف بحد ذاته .. الإنسان القلق متشتت الفكر يكون عظيما .. هذا ليس قولي بل رأي كولن ولسون في دراسته – سقوط الحضارة – أما عن رأيي فلا أظن أن الكاتب باسمي يسعى لطرق باب الفلسفة. بل يريد توضيح اللا وهم عند الإنسان باختلافه . سطحيا كان أم أعظم شأنا من ذلك ..
  • أجبت : لا أريد أن آخذ انطباعا عن شخصيتك . فليصورك القارئ كما يشاء..
  • لكن أردف يجيب ضاحكا حتى كاد يختنق: بل الشخصية العربية على العموم. بأسى طبعا ..
  • بشير أنا وأنت مجرد شخصيات: فما انطباعك حول اللا وهم ..
  • لا أعلم لماذا هو يتوق للموضوع . إن كانت لغايته عبر السرد القصصي هي إيصال فكرة مشتركة في أطرافها ما تعجز اللغة عن التعبير عنه. فتقلب الأحاسيس سيصنع العشوائية في الأفعال ناهيك عن ترتيب الأفكار ..
  • لم تجب بعد
  • إليك بقدح القهوة الذي أمامك عزيزتي ..
  • دورتين بالملعقة. ماذا ترين؟
  • شبه دائرة
  • نحو أين؟
  • للوسط أو للمركز؟
  • هو ذاك .. الدوق هكسلي في روايته – لكي يقف الزمن – سعى لكي يعطي معنى للإنسان يصل به إلى معناه في الفطرة و الجوهر حيث يعيش عالمه الأصيل حياة وخلودا . دون إنية وزمن. وأنرنست همنغواي قتل نفسه إثر  موجة اكتئاب  . موزار لحن على شاكلته. والرسامون .. وكل بصفة عامة نشترك في نفس المنطلقات الفكرية مختلفة الأحاسيس . فكلنا يجسد بعضا من اللا منتمي
  • هتفت :
  • إن كان لسعينا وراء الحقيقة دمج للإنسانية وهواجس الأفكار. فماذا عن السطحي من أفعالنا. مواقفنا ، بعض أراءنا…
  • الوهم عزيزتي والمفاد لا شيء وقد يكون مخطئا..

لكنني أضفت : وماذا عن ما تكبته النفس ؟..

  • هو اللا وهم وهذا ما نريده . حقيقة الذات بل الإنسانية وفي لب معناها الإنابة. فمجموع اللا وهم يقيم جوهرا مشتركا بيننا وبين الجوهر العام في نهر لا يجف نحو ..
  • نحو أين
  • فليحل الصمت.
  • كررت: لهذا بعض الصوفية والمفكرين أو اللهوتيين بصفة عامة طلقوا الدنيا ولو للحظات لنوع من الصمت بل للاختلاء أحيانا.
  • أجاب: بل كل البشر بصفة عامة والكاتب كما أظن متأكد بأن كبار السن قد يبكون خفية ما يشبه الحزن في تداخل اللا وهم فاللاوهميون يبحثون عن أنفسهم، وعن الله تعالى..إلى منتهى العلم الى جوهر اللا وهم …
  • فماذا خلف اللآوهم..
  • أدباء عباقرة ..متشائمين بصورة خفية لم تفهم ولا أظن أنها قد تفهم إلا إذا كان للقارئ رغبة.
  • همست: أرى في عينيك ما يزيل رجعيتك الدينية .. الفكرية ..في تحليلي لشخصيتك فقد بت أراك كفكرة مقابل انسان . بل الإنسانية جمعاء ..

لم يكترث لجوابي. بل لف ذراعيه حولي. حضنته .. خدي الأيمن التصق بقميصه الأكارون . رائحة العطر والسجائر تماما كأنسي بجدي في الامسيات الرمضانية في الأرض هناك عند الغروب غرب هضاب الجزائر

اردفت أقول : ماذا خلف الغير في نفوسنا .  سكتت لبرهة ثم اتممت :

اعرف .. فلتنهي الموضوع ..

سل خنجره . طعنني بقوة ..

شهقت ثم سقطت ..

لكن ماذا بعد اللا وهم يا ترى  ..

ملاحظات :

عبارة : لم يكن ……. استمرارية الجمهورية .  في الصفحة 1 مقتبسة من رواية  مذنبون للحبيب السايح .

نزل بورقيبة : شاطئ بالمنستير جنوب تونس .

بقلم: عطاالله ابراهيم الخليل

خطواتي لنزل بورقيبة ليلا كما أريد أن يكون وكما أرادني أن أكون له . همسات موجه سكنت قلبي . جنبا لجنب. شرقا كما أرى أضواء المنستير صوب الأفق بمحاذات الساحل .

 

أضف تعليقك هنا