بين الوهم والحقيقة

بقلم: سناء جبار

جمال الطبيعة

كان الجو يزداد رطوبة وحرارة في ذلك التجمع، تلفتت يمينا ويسارا كأن انفاسها غادرتها ، همت باللجوء الى حيث فسحة لتنفذ من خلاله إلى متنفس.

فجأة وجدت نفسها بممر خال بين أزقة ضيقة مظلمة.سعت اليه بخطى حثيثة حتى توقفت متوجسة من نهايته الغير معروفة حيث ضاق الممر وأظلم اكثر فاكثر ..

سمعت أصواتا مكتومة خلف بعض الأبواب فركضت عائدة مفضلة الزحام على طريق مجهول النهايةفجأة شعرت بجموع تدفعها وتحيدها عن طريق العودة وهي تمر مسرعة من جنبها

وحين اختفى الجمع وجدت نفسها على طريق سكة حديد يرتفع عن الأرض تارة وتارة يهبط لم تر مثله بحياتها لكن ما شجعها على قطعه حتى النهاية هو ذاك الهواء العليل النقي الذي مر على رئتيها فملأها برودة لطيفة وانتعاشا غريبا…

وللحظة اختفت سكة الحديد وظهرت شجيرات خضراء لامعة بأوراق دائرية كبيرة على طريق زراعية غاية بالجمال والغرابة.أخذت بجمال ما ترى عيناها وعذوبة ما تستنشق من عبير رئتيها.. ترى ما هذا المكان… أين انا… هل يمكن ان يوجد كهذا شيء على الأرض حقا ونحن عنه غافلون…..!؟

مرت ثوان وهي تحدث نفسها وكأنها كانت تفكر بصوت مسموع لأن فلاحا مر جنبها مبتسما بوقار ملك، مثبتا عليها نظراته لترد على تساؤلاتها وكأنه دليل سياحي..بلا نطق كلمة.. أومأ لها أن تتبعه لتجد كل ما تنشد من أجوبة وتحلم به من راحة بعد تعب وخوف وضياع في طرق مجهولة….وصل الاثنان إلى بيت من اللبن (الطين) على ناصية بستان غريب بأشجاره ككل شبر بهذا المكان كانت المساحة تبدو أوسع مما ترى العيون، هنالك فضاء نقي الانوار بالغ العمق طيب النسمات…

البساطة في العيش

دخل الفلاح الوقور ودخلت بعده.. وقف بزاوية الدار ودق قدميه مرتين على مرتفع من الارض وهمهم بكلمات لم تفهمها رغم بساطة نطقها.. واذا بالأرض استوت وتشكلت على هيئة سرير هش…!!!!

بلا كلام تقدمت بتوجس لكن باشتياق لأخذ غفوة بعد ما كان وما حصل لها طوال اليوم من النصب والتعب كان جسمها يتوق للراحة ورأسها يضج بالأسئلة..ما أن إضطجعت على شبه السرير ذاك حتى غطت بنوم عميييق بل غابت عن الحياة……

أحست بعد دقائق وهي لم تأخذ قسطها من الراحة بعد بعائلة الفلاح وهم خمسة أشخاص لهم ابتسامة رب أسرتهم ذاتها وعليهم سحنة الوقار والهدوء ذاته…. سمعت كلاما بلا صوت.. لقد نمت أربع ليال وأيام !!!؟رأتهم يفترشون الأرض المجردة قرب قدميها على شكل دائرة ،تاركين لها مكانا خاليا جنبهم وقد وضعوا في الوسط كل ما يملكون من طعام وهو عبارة عن أقراص من المعجنات بدائية وغريبة الشكل واكواب صغيرة تحتوي العصير..

وبإيماءة منهم لها فهمت ولسان حالهم يقول نحن تنتظرك على العشاء لن نأكل حتى تشاركينا..استوت جالسة بينهم وشعور غريب وجميل ينتابها، كان احساسا بالحب والانتماء والسكينة لم تشعر بمثلها من قبل احساس بدفء عائلة..بينما كانت عيناها تتفحص بساطة طعامهم نطقت ربة البيت اخيرا: قسميه بيننا انت فانت ضيفة..

بدا عليهم ما كانوا يعيشونه من شظف المعيشة وضيق الحال مع كل علامات الرضا والمحبة، بلا ادنى تفكير ولا عد قالت:  قرصان لكل منا مع كوب عصير، مدوا ايديهم ومدت يدها بلهفة لتتناول العصير اولا فقد نامت لمدة طويلة على ما يبدو، فاذا هي رشفة واحدة و …..!! تذوقت أطيب ما يمكن ان تتذوقه بحياتها استذوقته وكأنها ذابت فيه لا ذاب في فيها… لحظة اغمضت عينيها لكنه تلاشى في فمها كما تلاشى كل طعامهم..!

شعرت بالأسف على فقدان الطعام اكثر من شعورها بالغرابة مما رأت، عقدت حاجبيها مستغربة متسائلة وهي تحول نظرها من واحد إلى آخر.. وقبل أن تنطق جاءها الجواب وبنفس الابتسامة الرقيقة الوقورة: هذا هو طعامنا في الواقع، انه (كالوهم) لكننا احببنا ان تشاركينا به…..

بلحظة واحدة فهمت كل استفسارات مراحل رحلتها الغريبة فسكنت نفسها الفضولية وهدأت عاصفة روحها المستنفرة ورضيت بزيارتها لهذه العائلة اللطيفة التي لا تمت للبشر بأي صلة وهذا العالم المنسلخ من عالمها المكتظ الحار والرطب بعرق الناس المزدحمين بلا سبب أو هدف  وقبيل عودتها كانت قد حصلت على هدية لا تقل غرابة عن كل ما مر بها ذلك اليوم…….

بين الوهم والحقيقة

بقلم: سناء جبار

وللحظة اختفت سكة الحديد وظهرت شجيرات خضراء لامعة بأوراق دائرية كبيرة على طريق زراعية غاية بالجمال والغرابة.أخذت بجمال ما ترى عيناها وعذوبة ما تستنشق من عبير رئتيها.

 

أضف تعليقك هنا