تجربتي في قراءة فتح الباري شرح صحيح البخاري للحافظ ابن حجر رحمه الله

الحمد لله والصلاة والسلام على خير خلق الله وبعد:

إلى إخواني من طلاب العلم أرسل هذه الكلمات..

ومن يتهيب صعود الجبال   يعش أبد الدهر بين الحفر

ما أسباب صعوبة قراءة كتاب (فتح الباري)؟

قبل حوالي عشر سنوات قد تزيد أو تنقص, ابتعت كتاب “فتح الباري” من إحدى المكتبات بسور الأزبكية بالقاهرة, وكنت ساعتها طالب بجامعة الأزهر الشريف, تخرج لتوه من الثانوية ليلتحق بالجامعة, وليس عندي ما يؤهلني للقراءة في مثل هذه الكتب كحال كثير من أبناء الأزهر الذين تخطوا هذه المرحلة.

قررت ساعتها أن أبدأ في قراءة كتاب فتح الباري, فلم أستطع هضم بعض مصطلحاته, لأن طريقة الحافظ في هذا الكتاب تناسب المتقدمين من طلاب العلم.

فتحت المقدمة وفرغت منها وكذلك المجلدات الثلاث أو الأربع الأول ولم أستطع أن أتخطاها، فتركته لمدة عشرة أعوام.

ولا أخفيكم سراً كلما دخلت المكتبة أنظر إليه وينظر إلي بمجلداته ذوات الخمس عشرة مجلدة, وتمر الأيام والسنون كالبرق الخاطف أو هكذا خيل إلي على الأقل, ثم أعود على نفسي باللوم وأقضي عليها بالعجز وأسألها:

إلى متى يا نفس هذا التكاسل والتواني عن كتب السلف والهيبة منها؟

وأعاود سؤالها قائلاً:

لمَ ألف علماؤنا هذه الكتب؟

ولمن تم تأليفها وكتابتها وترصيصها وحبكها؟

فلا أجد لها جواباً إلا ما قدمت سابقاً من جواب، وهو إلى أن تستطيع هضم مصطلحات هذه الكتب.

ما الطريقة الأمثل لقراءة كتاب (فتح الباري)؟

وقبل عدة أشهر عن طريق صفحتي الشخصية في الفيس بوك (حمدي الصيودي) كتبت أسأل الإخوة هل تنصحون بخوض غمار هذه التجربة؟فجاءتني الإجابات كلها بالتأييد مصحوبة بكلمات ترفع الهمة وتدفع إلى الأمام دفعاً, فاستخرت الله تعالى واستعنت به وقررت أن أبدأ.

وكانت خطتي في الجرد تقوم على الأتي:

  • استعنت بالله تعالى على الفراغ من هذا الكتاب مع الاستفادة مما فيه بقدر المستطاع.
  • وضعت أمامي نسخة من صحيح البخاري علقت عليها بعض الفوائد كأرقام الأحاديث الثلاثية, وما قيل عليه من أصح الأسانيد والأحاديث ذات الإسناد الموحد (كحديث رجاله مدنيون أو حجازيون أو مصريون أو بصريون ……….) وهكذا.
  • قمت بتقييد المهم فقط من الفوائد وذلك لكثرتها.
  • تقسيم القراءة على المجلدات بحيث يتم الفراغ من المجلد في غضون أسبوعين على الأكثر .
  • عدد المجلدات 15 مجلد حسب طبعة دار الكتب العلمية، أقل مجلد عدد صفحاته (570) صفحة تقريبا وأكبرها(980 ) تقريباً وغالبها يقترب من (750) صفحة وهناك صفحات تصل الى 30 سطر أو تزيد وغالب الصفحات 25 سطر قد تزيد او تنقص.
  • ألزمت نفسي بقراءة ما يقارب (40 او 50) صفحة يومياً ما عدا ليلة الخميس ويوم الجمعة وصبيحة السبت فقد زاد العدد قليلاً.
  • اعتراني أثناء القراءة فتور لطول الكتاب ولكن بفضل الله وحده ثم بالصبر والتحمل تخطيت هذه العقبات.
  • هناك أبحاث لم استطع هضمها إما لصعوبتها أو لتقدمها فقرأتها قراءة عادية ولم أتوقف عندها ( على أمل العودة إليها ثانية ).
  • علمت على الأحاديث الثلاثية في الكتاب حسب ما أشار إليه الحافظ في الفتح .
  • علمت على الأحاديث ذات الإسناد الواحد من كل بلد الذي قال فيه ابن حجر في الفتح ( الإسناد كله بصريون – او كوفيون او حجازيون او مدنيون او مصريون ) ونقلت ذلك إلى نسختي من صحيح البخاري .
  • المدة التي قطعتها في قراءة الفتح (سبعة أشهر ونصف الشهر تقريباً) لم اخلط معه غيره إلا بعض الكتيبات والكتب التي لا تتعدى 350 صفحه ككتاب الصمت والملكوت للهدلق, وكتاب إعلاء البخاري, وكتاب ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين, وما كان في حجمها أو صفحات من كتب أخرى.

يا طالب العلم إن الهجوم على مثل هذه الكتب الكبيرة يتطلب صبراً وجلداً ومثابرة وجدة ونشاط واستمرارية أو ديمومة في القراءة.

ما المعارف التي يقدمها كتاب (فتح الباري)؟

من خلال قراءتي في الفتح وجدت فيه علوماً شتى  أذكر لك منها:

-العقيدة والتوحيد وما يندرج تحتهما من مسائل.

-التفسير وعلوم القرآن وعلم القراءات.

-علوم الحديث بشقيه الرواية والدراية.

-التاريخ والسير.

-الطبقات والتراجم .

-الفقه وأصوله وما استقلا به.

-اللغة والعروض وما يتبعهما .

-الأدب والزهد والرقائق والمواعظ .

-حتى بعض من علوم الفلسفة وعلوم الطبيعة من كواكب ومجرات تجدها فيه.

كل ذلك وغيره مما لم أتذكره وقت تدويني لهذه الكلمات تجده في هذا الكتاب القيم.

@ فيا طالب العلم ثق تمام الثقة ما إن تفرغ من المقدمة، والمجلد الأول، حتى تجد نفسك قد اعتدت على أسلوب الحافظ في الشرح، بل وأحببته وأحببت طريقته في العرض، تمشي معه كلمة كلمة، وسطر سطر،  وصفحة صفحة، وباب باب، وكتاب كتاب، ومجلد مجلد، حتى تنهيه فتشعر ساعتها بأنك قد أنجزت شيئاً لنفسك أولاً ثم لمن بعدك من خلال ما تم تدوينه من فوائد أثناء جردك للفتح.

أسباب استحقاق تسمية كتاب (فتح الباري) بكتاب الإسلام

ومع أن الفتح من الكتب التي ينبغي أن تقرأها أكثر من مره، ليس للذة القراءة فيه فحسب، بل لأهميته وكثرة فوائده وجودة أبحاثه وقوة استدلاله وجمعه لأطراف المسائل وتوسعه أحياناً وعزوه للأقوال إلى مؤلفيها, فهذا الكتاب ينطبق عليه بحق اسم (كتاب الإسلام)، وعسى أن تسعفني كلماتي الركيكة لأوضح لك لماذا وصفت هذا الكتاب بقولي (كتاب الإسلام) في النقاط العشرة الآتية.

  • يحاول جاهداً ان يربط لك الحديث من خلال طرقه واختلاف ألفاظه والكلام عليها والكلام على إسناده ورجاله واثبات الفروق بين الروايات والمرويات في كثير من الأحيان  .
  • يحكم على الحديث الذي يورده في الاستدلال على كلامه في الغالب وان استدل بحديث فيه ضعف بينه الا في النادر .
  • يذكر لك كثيراً من مسائل الفقه المتعلقة بالحديث ويرجح حسب اجتهاده وحسب اراء من سبقه وحسب ما يؤيده الدليل .
  • الأبواب التي تخلوا من الأحاديث كتلك التي لم يذكر البخاري فيها شيء من مرويه يحاول ابن حجر أن يذكر في شرحه ما يناسب هذا الباب حتى لا يصبح الباب خالي من الحديث فيذكر لك الحافظ حديث أو حديثين من البخاري أو من غيره مما يناسب هذا التبويب.
  • يذكر الخلاف في القراءات.
  • يتكلم على الغريب من الألفاظ في القرآن او الحديث بطريقة أهل اللغة.
  • يذكر كثيراً الخلاف بين المذاهب الأربعة وقد يُلحق بها المذهب الظاهري والزيدي والشيعي ان اعتبرناه مذهباً أصلا، و ينقل بعض الكلام عن أهل الاعتزال .
  • أورد من كلام أهل الأدب والشعر والتصوف كثيراً جداً مما تجده مبثوث في ثنايا الكتاب من أوله إلى آخره.
  • ذكر من كلام أهل التراجم والسير ونقل عنهم كثيرا جداً.
  • تكلم في كل فن من خلال ما يسعفه به الحديث الذي يرويه البخاري في صحيحه مرتبطاً بالتبويب الذي بوبه البخاري رحمه الله.

كل ما سبق يذكره لك الحافظ -رحمه الله- باختصار شديد، وبلغة سهله قويه محبوكة بحبكة أهل الفن الذي يتكلم فيه, فكأنك في الكلام على الحديث مع المحدثين وفي اللغة مع اللغويين, وفي الأدب مع الأدباء, وفي الشعر مع الشعراء, وفي الغريب مع أهل كتب الغريب, وهكذا مع كل أهل فن يتكلم فيه كأنك معهم.

كلمة أخيرة:

أتوقع سيأتي يوم من الأيام ويحتاج الناس إلى شرح لفتح الباري، وفك لبعض رموزه، ولو حدث هذا لجاء فتح الباري في (100) مجلدة أو تزيد، لذلك قلت إن هذا الكتاب يعتبر (كتاب الإسلام)  والسؤال كيف يتم ذلك؟

والإجابة  على هذا السؤال (وهي اجتهاد مني) تكون من خلال تطبيق العشر الآتية:

  • يقوم الشارح ( أو من ينوي أن يشرح الفتح) بذكر إسناد ما أورده الحافظ من أحاديث يستدل بها أثناء الشرح،  وهي جملة كبيرة جداً وغالبها حكم عليها الحافظ أثناء شرحه.
  • ويقوم (الشارح للفتح) بذكر الأحاديث التي ذكرها الحافظ مختصرة فيذكرها الشارح للفتح كاملة ويذكر طرق الحديث ويرجح ويصحح حسب قواعد الجرح والتعديل مستضيئاً في ذلك بأقوال العلماء.
  • يعزوا كل قول قاله الحافظ أو نقله ولم يتم عزوه إلى قائله.
  • يذكر ما يتعلق بالحديث من المسائل التي لم يذكرها الحافظ.
  • ينقل أقوال العلماء بتوسع في المسائل الواردة من عقيدة وفقه ولغة وغيرها..
  • يترجم بتراجم مطوله للذين ترجم لهم الحافظ ولم يتوسع في تراجمهم.
  • يترجم من لم يترجم لهم الحافظ حتى ولو كانوا من المشاهير .
  • إذا تكلم الحافظ في الفتح عن قاعدة فقهية باختصار يشرحها شارح الفتح ويبسط القول فيها وما يتعلق بها .
  • لا يترك شاردة ولا وارده أشار إليها الحافظ إلا واستوعب الكلام عليها مثل الكلام في الجرح والتعديل او وفيات الرواة والعلماء وغيرهم والكلام على المدن المذكورة والأعلام …….. إلى غير ذلك .

في رأيي لو مشى شارح الفتح على هذه النقاط وأضاف إليها ما أداه إليه اجتهاده في العمل، وما رآه مناسباً لأفاد الأجيال القادة فائدة كبيرة، ولقدم للأمة خدمة جليلة.

والسؤال الآن كم من الوقت قد يستغرق شرح كتاب كفتح الباري؟

وفي النهاية أقول لا تحرم نفسك من مطالعة كتب الكبار بين الحين والأخر بحجة انها مطولة او صعبة المنال  او لأي سبب آخر.

دمتم في طاعة الله وأمنه

وكتب:

أبو مسلم الصيودي الأثري

حمدي حامد محمود الصيد

حامداً ومصلياً لله رب العالمين

#الصيودي حمدي حامد

فيديو مقال تجربتي في قراءة فتح الباري شرح صحيح البخاري للحافظ ابن حجر رحمه الله

أضف تعليقك هنا