محاولة لإغلاق باب زويلة

رسالة هولاكو للملك قطز

“من ملك الملوك شرقًا وغربًا القان الأعظم .. يعلم الملك المظفر قطز، وسائر أمراء دولته وأهل مملكته، بالديار المصرية وما حولها من الأعمال، أنا نحن جند الله في أرضه ، خلقنا من سخطه، وسلطنا على من حل به غضبه. فلكم بجميع البلاد معتبر، وعن عزمنا مزدجر، فاتعظوا بغيركم وأسلموا لنا أمركم، قبل أن ينكشف الغطاء، فتندموا ويعود عليكم الخطأ، فنحن ما نرحم من بكى .. فعليكم بالهرب، وعلينا بالطلب، فأي أرض تأويكم، وأي طريق تنجيكم، وأي بلاد تحميكم؟ فما لكم من سيوفنا خلاص، ولا من مهابتنا مناص .. فلا تطيلوا الخطاب، وأسرعوا برد الجواب، قبل أن تضرم الحرب نارها، وترمي نحوكم شرارها ..

ألا قل لمصر ها هُلاون قد أتى ** بحد سيوف تُنتضى وبواتر

يصير أعز القوم منا أذلة ** ويُلحق أطفالاً لهم بالأكابر”

تلك كانت كلمات من رسالة أرسلها حاكم القبائل التترية (هولاكو) التى كانت تعيش في منغوليا حياة بدائية فقيرة حتى جاء (جنكيز خان) ووحدها تحت كلمة واحدة، واستطاع بتلك الكلمة أن يقود تلك القبائل انطلاقا من أرضهم من الشرق إجتياحا للغرب، إلى أن وصلوا (بغداد) عاصمة الدولة العباسية حينها، وأنهوا وجودهم الفعلى للأبد، واستأصلوهم من جذورهم، وقتلوا الخليفة (المستعصم بالله) ركلا بالاقدام، في مشهد نهاية مأساوى، وُضع بأسوأ ما يكون لأكبر دولة على الأرض حينها.

حمل تلك الرسالة أربعة جنود، لم يكونوا بالطبع يمثلون أنفسهم كجنود في جيش التتار، بل إنهم كسفراء الحاكم كانوا يمثلون هولاكو نفسه، ولأهمية مقامهم هذا إضافة إلى ما تناقله الناس عن دموية التتار وبشاعتهم من قبل، فلا يمكن لعقولنا أن تتخيل مدى الغرور والكبرياء الذى ملأ هؤلاء السفراء الأربعة وهم ينقلون تلك الرسالة نيابة عن ملكهم.

وصول الرسالة للملك قطز

قرأ الرسل تلك الرسالة بلهجة شديدة على أسماع مملوك شاب، نصب نفسه سلطان على عرش مصر، وكان قائداً من قواد السلطان الراحل نجم الدين أيوب، فلما فرغوا من قرائتها، وانتظروا تسلم مفاتيح أبواب القاهرة، وجدوا من يكبل أياديهم بالحديد، ثم ساقوهم إلى ساحة القصر، وقتلوا ثلالة منهم، وترك سيف الدين قطز المملوك رابعهم ليروى لسيده كل ما حدث.

ثم أخذت رؤوس السفراء القتلى – نواب هولاكو وممثليه – وعلقت رؤوسهم على باب زويلة؛ ليري الجميع إن التتار يموتون كما يموت الناس، ويهزمون هم أيضا كما هزموا بلاد المسلمين من قبل؛ وإعلانا للحرب على جمع خشي بعض الناس حتى أن يمسكوا السلاح في وجوههم، ورأت بعض الدول أن دفاعاً عن النفس هو نوع من الوقاحة والجرأة فاستكانت.

بتلك الرؤوس الثلاث المعلقة، أصبح باب زويلة رمزا للصمود والثورة والتحدى، صمود امام خطر قادم لا محالة، وثورة على أوضاع تسوء يوما بعد يوم، وتحدى لقوة لا ترتوى إلا بشرب الدماء، حصن قوى صامد أغلق امام الموت والذل.

والزمان يدور دورته

والقاهرة تتبدل، والأمراء يتوالون على العروش عام بعد عام وقرن بعد قرن.

وترى منطقة الغورية المقابلة لشارع المعز لدين الله الفاطمي والمجاورة للأزهر الشريف هى الطريق المؤدية لباب زويلة، حين تسير قليلا إلى الداخل وتلتقي عيناك بمئذنتين عملاقتين نصبتا على الحصن، وباب الحصن من تحتهما، كأنهم يحتضنون ذلك الطريق الضيق.

وسترى حصن باب الحصن مفتوح عن آخره، أكله الصدأ، وأخفي التراب معالمه، لم يعد الحصن من القوة بما يكفيه ليصمد أمام التتار الجدد، بل أصبح ملجأ لتجار الأقمشة وفوانيس رمضان، وأصبح أقرب إلى العشوائيات منه إلى رمز الصمود.

سترى فارقا واضحا وظاهرا بين ماضيا كان .. وحاضرا أصبح، فارقا يجعلك تتساءل: هل يغلق باب الحصن مرة أخرى في وجه التتار الجدد؟ وهل يحتاج ذلك إلى معجزة؟

أم أن اليأس والعجز قد تمكنا من هذا الحصن، ولا مفر من قضاء نحبه إلى الأبد؟!

فيديو مقال محاولة لإغلاق باب زويلة

أضف تعليقك هنا

أحمد عثمان

أحمد عثمان