المجتمع الثلاثي والمجتمع الثنائي

على ساحل البحر

عاش قومٌ فترة من الزمن، ولما كانوا عند الساحل كان قوتهم منه، وبالأخص من صيد السمك، واستمر الحال، ولسبب أو لآخر كان ممنوعاً عليهم في دينهم صيد يوم السبت تعظيماً له، ويشاء الحكيم -سبحانه- أن تكثر الأسماك يوم السبت وتظهر عياناً على الساحل على عكس باقي أيام الأسبوع ، وتتكرر تلك الظاهرة ، حتى اجتمع فريق منهم وتداولوا الموضوع بينهم

  • الخير كثير يوم السبت ، وشحيح في باقي الأيام. ونحن في حاجة للسمك؟
  • اقترح أن نصطاد يوم السبت .
  • لكنه مُحرّمٌ علينا، أنخالف أمر الله!!!
  • ماذا نفعل ، الوقت يمضي والبلاء يزداد.

وبعد تأمل وتفكير، قفز أحدهم

  • وجدت الحل
  • أسعفنا به
  • نضع أحواض ونسوق السمك لها عند كثرتها، حتى إذا تكاثرت يوم السبت لا تستطيع الخروج ، ثم نأتي يوم الاحد فنصادها، فيكون صيدنا لها يوم الأحد وليس السبت!
  • لكن هذا تحايل وتعدي على الأمر الرباني ، فنحن حقيقة قد اصطدناها يوم السبت وليس الأحد، فنخشى أن يعاقبنا الله!!.
  • بل يوم الأحد، فكرة ممتازة .
  • بل غير صحيحة….

وكَثُر اللغط في المجلس والحوار ، وانقسم اهل القرية بين مؤيد ومعارض.

انقسام أهل القرية

ومن الغد بدأ الفريق المؤيد بتهيئة الأمور ونصب الشبك ، وفعلاً تمت عملية الصيد الأولى بنجاح، ولم يحدث شيء بل أكل الصائدون المعتدون .

واستمرت العملية وزاد ممارسوها ، بل وأعلنوها في القرية وأصبحوا يبيعون ذلك السمك في سوق القرية ، وانتشر الخبر وأصبح الصيادون المعتدون معروفين لدى الجميع ، لكن ثمة فريق لايزال يرفض وينصح ويجاهد.

فانقسم أهل القرية ( المجتمع) إلى ثلاثة أقسام :

  1. فريق ممارس للصيد المحرم ومجاهر ٌبه( الظالمون).
  2. فريق ناصح يتحدث مع الفريق الأول باستمرار وبتكرار ( الناصحون).
  3. فريق لا يمارس الصيد لكنه صامت لا يرى فائدة من نصح الظالمين ( الصامتون)، ووصل بهم الحال إلى معاتبة الناصحين لكثرة وعظهم للظالمين مع عدم استجابتهم ، فلا فائدة من الكلام معهم فهم سيعذبون عذاباً شديداً وسيهلكون؟
  • نحن ننصحهم من أجلنا لا من أجلهم فقط.
  • كيف
  • هذا الوعظ معذرةً إلى ربكم وربنا الذي وهبنا كل شيء وأمرنا بعدم الصيد يوم السبت ، فلا يصح أن نسكت عن المنكر حتى لو انتشر فنحن نخشى أن يعاقبنا الله معهم لسكوتنا عنهم، ثم قد يستجيب بعضهم ،لكنا مطالبون بالنصح لا بالنتائج.

المجتمع الثلاثي

وهكذا استمر هذا المجتمع الثلاثي لفترة من الزمن ، وفي أحد الأيام يقوم الصالحون لأداء أعمالهم:

  • ما هذا! أمر عجيب وغريب
  • ماذا هناك؟
  • لا أرى الظالمين، لقد كنا نراهم كل يوم في هذا المكان!!
  • اسمع اصواتاً غريبة ، لحظة … إنها أصوات حيوانات ..!!
  • ماذا؟ دعني اسمع … إنها أصوات قِردة!
  • من أين تأتي تلك القردة، فنحن هنا منذ زمن ولم نر أية قردة؟ دعونا نقترب أكثر
  • نعم والله إنها قردة !!!

وبُهت الجميع ووقفوا صامتين وهم يتفكرون من أين أتت تلك القردة، ثم أين أصحابنا الظالمون !

وبعد برهة من الزمن ينطق أحدهم (صاحب الحكمة)

  • لقد عرفت سر تلك القرود؟ لقد مسخ الله أصحابنا الظالمون إلى قردة، انظروا إلى أشكالهم وأماكنهم، لقد أنزل الله بهم عقابه، وهذا أحد أشكال العقوبة الربانية – والعياذ بالله-.
  • لاحول ولا قوة إلا بالله!! لقد نصحناهم وحذرناهم لكنهم لم يستجيبوا.
  • الحمد لله الذي لم يجعلنا مثلهم.
  • ذلك لأنا كنا نعظهم وننصحهم ولم نترك ذلك أبداً فنجانا الله ، فالحمد لله
  • ماذا عن الصامتون؟ صمت الجميع

المجتمع الثنائي

وفي الزمن الآخر، قريةٌ أخرى تحت قيادة ورعاية من مُترفيها، فهم الأمراء.

يصلها الداعي إلى الخير فيتحدث معهم وينصحهم ويرشدهم إلى الصواب، فيسمع الجميع، لكنهم يرفضون ويأبون .

ويتمادون في الفسق والفجور ومعاندة ربهم الغفور، وخاصة عِلية القوم وقيادتهم، فأصبح أهل القرية ( المجتمع) فريقين :

  1. فريق يمارس الفسق علناً امام الناس والجمهور ( الظالمون).
  2. فريق لا يعمل لكنه صامت لا يأمر ولا يحذر ولا يتكلم، وهو يشاهد ويعلم ( الصامتون).

عندها جاء العذاب وحق العقاب ، فكان على الجميع ( الظالمون والصامتون) بلا استثناء فدُمِّرت تدميرا.

أظنك تتفق معي أن مجتمعات الأرض لا تخلو إما أن تكون ثلاثية أو ثنائية، والنتيجة محسومة

فمع مَن ترغب أن تكون ؟

فيديو مقال المجتمع الثلاثي والمجتمع الثنائي

أضف تعليقك هنا