ربيع بلا ورد…

بقلم: بولنوار قويدر

مجاورة اليهود

حط بنا المقام في حي شعبي خليط بين القوميات والديانات يمتاز بكثرة نسماته مقارنة ببقية الأحياء…ومنزلنا هذا قد ورثه أبي عن جدي الذي بدوره يعتبر من الملاّك الكبار في المنطقة  وبجانبنا منزل لأحد العائلات اليهودية التي اشترته …لم  يظهر ما يفسد علاقات العائلتين  …كنّا نتقاسم العيش ونتبادل الهدايا ونتزاور في مختلف المناسبات… ونحن الصغار ملعبنا ومرحنا واحد ومشترك…كل صباح نلتقي لنفترق في اتجاهين مختلفين كل واحد يتجه نحو مدرسته. وفي المساء نلتقي قبل الغروب. أما عطلة الأسبوع المدرسية مختلفة.مدارسنا تعطّل يوم الجمعة وهم يوم السبت كل ذلك لم يؤثر على علاقتنا كأطفال…

يوم النكسة سنة 1967

وذات يوم من سنة 1967   توقفت الحركة ودب السكون فالشوارع خالية من المارة والمدارس مقفلة والاحتكاك ببعضنا أصبح قليلا إن لم نقل منعدم…مرت ستة أيام بليلها ونهارها متشابه من حيث السكون المطبق على أهل الحيّ المعروف بحركته التجارية الرائجة  دكان العم رمضان مقفل والعم بيغن هو الآخر مغلق…الاتصالات التي كانت بين العائلات أصبحت  شبه منعدمة…مرد ذلك اندلاع الحرب بين المقاومة والإسرائيليين. ورغم قلة وسائل الأخبار إلاّ من الراديو والجرائد القليلة كانت أخبار الحرب تصل إلى البيوت طازجة من فرن المعركة عن طريق العيون من كلا الجانبين ممّا أثّر سلبا على العلاقات  دون سابق إنذار…هدأت العاصفة مخلفة دمارا كبير في الأرواح والبنى التحتية والقوى العسكرية وممّا زاد الطين بلّة تعويم الصهاينة بمباركة وسند أمريكي فرنسي بريطاني حيث أدت إلى احتلال إسرائيل لسيناء وقطاع غزة والضفة الغربية والجولان وأثّر ذلك حتّى على فصول السنة حتى أصبح الربيع بلا ورد…كل ذلك جعل منّا أفراد مختلفين في ظرف ستة أيام…بصورة عفوية قسمنا الملعب إلى نصفين وتمسكنا بأفراحنا وأحزاننا لأنفسنا كما فعلوا هم نفس الشيء وطرقنا إلى المدرسة لم تعد هي نفسها…أما معاملاتنا التجارية فقدّت وفصّلت على مفاصلنا كل يذهب عند عمه ليشتري ما  يحتاجه …وكبرنا وتقدمنا في العمر ومازالت حساسية التنافر شغلنا الشاغل…وذات مرة تشجعت لأعيد زمن الوصل قبل الستة أيام بإعادة بناء جسور الود والمحبة والتآلف باستغلال بعض

رفض الجيرة واعلان الحرب

المناسبات لدعوة جيراني للحضور لها أو بعض المناسبات القومية لأفتعل الجلوس بقرب الجار ولكن ما التمسته كان نفورا وحنقا لا يوصف

بأن لا يلبي دعوتي وكلّما أردت الدنو منه في المجالس ينهض منتفضا جانبه. ومّما أكد لي ذلك منع أطفاله الصغار بمخالطة أبنائنا. وكثيرا ما اشتكى لي أطفالي من تصرفات هذا الأب وكنت أمرّر الأمر بأنّه لا حدث وأختلق الأعذار الواهية لكي لا أغرس في نفوس أطفالي كراهية الجار …كل ذلك لم يؤثر علي سوى أنّه  ذات يوم من هذه السنة أرسل إلي استدعاء من المحكمة. استغربت الأمر وذهبت إليه أستفسره  فرد عليّ في استعلاء: موعدنا يوم المحكمة. بحكم بعض المعارف أتصلت بمحامي وكان الوحيد العربي المعتمد في المحكمة وعرضت عليه الأمر فأمهلني يوما ثم عدت له فقال لي: إنّ هذا الشخص يدعي أنه قد اشترى من جدك قطعة ارض الواقعة في المكان(س) والجهة اليمنى من مسكنكم الحالي…لم أتمالك نفسي وفقدت وعيّي من الكذب البائن بينونة كبرى بحيث أنّ الذي يدعي أنّه اشترى هذه الأملاك في ذلك الوقت كان سنه دون الرشد أي لا يتجاوز العشر سنوات فأنّى له هذا الباع في البيع والشرى…عدت إلى البيت وقد عرفت أنّ الحرب بيني وبينه سجال لا تنتهي أوزارها وأنّ المحاكم سوف تمل من مرافعتنا حتى يرث الله الأرض ومن عليها نظرا لتعنت الطرف المعتدي وميل كفة العدالة في غير رجاحتها…

بقلم: بولنوار قويدر

حط بنا المقام في حي شعبي خليط بين القوميات والديانات ..ومنزلنا هذا قد ورثه أبي عن جدي الذي بدوره يعتبر من الملاّك الكبار في المنطقة  وبجانبنا منزل لأحد العائلات اليهودية.

 

أضف تعليقك هنا