رُهاب السؤال

ماهية السؤال

وجد السؤال في حياة الإنسان ليثير القلق و الإحراج و الدهشة في آن معا،فهو يتحدى عقولنا ،و يحرك مشاعرنا ،و يحفز فضولنا، للكشف عن الحقائق وتبيان المقاصد، في درب الصراع و التصادم مع الجهل، فهو نضال مستمر و مستميت في إعمال العقل،هذه هي بنية السؤال و عمله عند العقل الجريء.لكن العقل الجامد متخلف بالأساس ،يفزع من السؤال، و يفرغه من طابعه النقاشي الجدلي، و يحوله إلى صراع لتصفية الحسابات الشخصية العاطفية، و منه تتحول عملية طرح الأسئلة إلى حرب كلامية، سمتها التعصب و التصريخ و التصيد.

مما يكبح جماح الإستفسار و الإستقصاء و البحث عن الحقيقة،و كذا يحول الإنسان إلى سلة مهملات ترمى فيها كل الشوائب و الأثار، فينجر عنها اعتياد يحجم التلقي و يبرمج العقول.و مما لا شك فيه أن وسائل الإتصال الجماهيري تلعب دورا مهما في رسم هذه الهالة في كنه السائل،خصوصا و أن قيمها الإخبارية تعتمد بشكل مفرط على الإثارة في اشباع رغبة العقل العاطفي (عقل الإنسان المتخلف)،و هو الظاهر في البرامج الجدلية في النصف الجنوبي للقارة أين يعلو الصراخ و العويل لدحر المخالف والتغلب عليه! ،حيث المنتصر فيها من يقزم الآخر، لا من يفحمه بالحجة و الدليل و المنطق في جو رحابته العلم.
فيكفي أن تقفز بين العوالم بكبسة رز واحدة، تسافر عبرها من فضاء النيل السات إلى فضاء الأسترا، لتقارن بين برنامج العويل على شاكلة الإتجاه المعاكس الذي يبث على قناة الجزيرة و برنامج “هارد توك hardtalk” الذي يبث على قناة BBC ،عندها ستتضح لك الصورة بشكل جلي (صورة الحرب الكلامية العاطفية الطاردة للسؤال،و صورة حوار الأفكار الشاخصة من لب السؤال. )

أثر العائلة والمدرسة في تحديد قيم الانسان

كما لا مناص من أن التنشئة الإجتماعية للفرد ،إنطلاقا من العائلة إلى المدرسة و المجتمع، كمتلازمة ثلاثية تحدد قيم الإنسان و مبادئه في طرح السؤال و ثقافة الحوار، تكشف لك حجم الطيش و التيه الذي يتخبط بالفرد المتخلف، و يرافق نمو البيولوجي و السلوكي في آن معا.
فالعائلة كمستقر أولي يُصنع فيه الإنسان، تساهم بالقدر الكبير في سد أواليات الإدراك و هي عديدة لا يسع المقام لذكرها كلها(…) ،و كمثيل نحدد ثقافة الأخد و الرد و التشاور التي تقهر نفسية السائل منذ نعومة أضافره، فالطفل فيلسوف بالفطرة و مبدع بالماهية،هكذا يقذف إلى الوجود!. لكن كلمات ك “أسكت ..لا تسأل.. بلع فمك” الممارس من قبل الأم و الأب و الإخوة، لها الوِقع الكبير في ترسيخ ثقافة رهاب السؤال و قتل روح الإبداع و النقد في نفسية الطارح الصغير.

فينتقل هذا الطفل إلى مدرسة تعليب العقول، و تحت رعاية النظام التعليمي المتخلف، المنمط ، على نفس النهج،نظرا لغياب الحرية و الإستمتاع ركيزة الابداع، و جوهر التعليم في النظام الحداثي.فيغدو طالب اليوم، مرتعبا من السؤال التحليلي في الإمتحان و يفضل الأسئلة المغلوقة المُقولبة في أطر الحفظ (القص و اللصق) ،ما يسهل عليه عملية الإجابة النموذجية!،كأن العلم محصور في إجابة مثالية واحدة!، المصوغة بدورها من قبل المُلقن في رتابية التدريس، و هكذا يبيت ذلك الفرد المبرمج أستاذا ملقنا في دوامة من الجهل الموروث.
والمتتبع أيضا لترتيب أجود أنظمة التعليم في العالم سيلمس فيها أفقا للسؤال الحر،و إطلاقا لعنان العقل في طرح الإشكال، و لعل الأمر مرده للنظام السياسي و التنشئة الإجتماعية التي تؤسس لفرد حيوي، نشط ،محب للحكمة، يواجه حياته بمسؤولية، كمثال يوضح المعنى ،يكفي النقر في موقع “يوتوب”على دروس هارفرد الفلسفية المعقدة للأستاذ Michael sandelالمقدمة بطريقة سلسة و ممتعة.

أثر المجتمع في أفكار الانسان

تساوقا مع هذا نذكر أن المجتمع يُحصر في ثقافته الشعبية و مخيال الجمعي كما يردف “دوركايم” التي بدورها تُحدد في مقولاته الشعبية، و قياسا على هذا، نمسك بمقولة “شاورها و خالفها”، المتداولة بين طيات الفرد و الجماعة في الجزائر، الواصفة للمرأة بإعتبارها أضعف عنصر في المجتمع المتخلف،و أكثرهم غُبنا،حيث أنها -المقولة- تفرض السؤال كقيمة ثانوية شكلية فارغة من أي توصيف لماهيته الحقيقية، المجسد في الأخد و الرد، دون أي توجسات مهما كان نوعها أو طباويتها،فتلبسه ثوب السطحية و الأبوية، وبالتالي يتحول السؤال من أداة للإستفسار و الأخد بالرأي إلى سلطة تقزيم و تصدي للرأي المخالف،فينتقل دورالمرأة من حاضنة الفرخ إلى حارسة الخم بامتياز.

و هكذا يتفنن الإنسان المتخلف في تحويل أدوات العلم إلى أغلال من الجهل و الخرافة، فهو في ديمومة مستمرة من الحركة، لا يقبل التوقف، يساير الزمن بتجاذباته و صراعاته، وهو راكن في وجه الحضارة، وقابع على هامش التاريخ، فإذا لم يبدع في العلم سيبدع في الجهل.

فيديو مقال رُهاب السؤال

أضف تعليقك هنا