تصويب الفهم في مسألة الخروج على الحاكم

الحاكم الشرعي 

اولا .. ليست المشكلة في النصوص نفسها .. ولكن المشكلة في فهم وتفسير النصوص. فلا انكار لصحة الاحاديث.. إنما المقصود فيها بالخروج  هو الخروج على الحاكم الشرعي، والحاكم الشرعي هو الحاكم الذي ارتضاه الناس واتى بشورة بينهم وليس بالفرض عليهم، فاذا لم يكن وجود الحاكم شرعيا فلا محل هنا للاستدلال باحاديث الخروج  على الحاكم . لذلك لابد للعلماء قبل أن يتكلموا في الخروج على الحاكم أن يتكلموا اولاً في مشروعية الحاكم المعنى والاستحقاق الشرعي لتنصيبه حاكما اصلاً.

الفرق بين الخروج عن الحاكم وتغير الحاكم 

ثانيا..  هناك فرق بين (الخروج على الحاكم) و(تغيير الحاكم)، فتغيير الحاكم الشرعي أمر مشروع تماما حتى ولو لم يفسد أو يستغل سلطانه بسوء، ولكن يكون ذلك بقضائه فترة معينة وأراد الشعب بعدها تغييره، حينها لا يكون أمام الحاكم سوى طريقين: إما أن يمتثل لقرار الشعب ويتنحى، وإما أن يستخدم القوة والبطش والقهر وهذا يدخل في حكم اخر وهو الطغيان وسنأتي عليه بعد قليل.. اما الخروج على الحاكم فهو معاداة الحاكم الشرعي دون سبب مشروع وقبل انتهاء مدته في الحكم، وهذا أمر غير جائز لانه يخلق حالة من الفوضى ونسف الاستقرار للمجتمع.

أسباب سقوط مشروعية الحاكم

ثالثا.. من الاسباب الاساسية لسقوط مشروعية الحاكم وحاكميته، والتي توجب تغيير الناس له اذا لم يتمكنوا من تقويمه هو: ارتكابه للجرائم التي تدينها الشريعة نفسها وترسم لها عقوبات حدية مثل القتل والسرقة والزنا، ولا حصانة للحاكم في هذا الامر، لانه مجرد ان ارتكب جريمة حدية وجبت عقوبته وفق الشريعة الاسلامية، فهو في هذا الحالة يكون مجرماً مداناً تحت القانون الجنائي، وهذا يستلزم بالضرورة انزاله من الحكم وتقديمه للمحاكمة. والأصل في هذا أن الشريعة لا تناقض بعضها، فلا يكون أن تأمر بإقامة الحد على المجرم ولو كان حاكماً ثم تمنع الخروج عليه في نفس الوقت.

كلمة الحق

رابعاً.. يفغل الناس كثيراً عندما يتحدثون عن عدم جواز الخروج على الحاكم، تلك الاحاديث النبوية الأخرى التي تأمر بالأخذ على يد الظالم وقول كلمة الحق أمام السلطان الجائر والذي هو افضل الجهاد، والأهم من ذلك يغفلون الايات القرانية التي تأمر بكفران الطاغوت، والطاغوت من أصل الطغيان وهو الظلم الشديد ومثاله الواضح في القران هو فرعون الذي بلغ به الاستبداد أعلى مستوى بأمر الناس بعبادته من دون الله، ولقد قال الله تعالى‏{‏أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُواْ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَن يَتَحَاكَمُواْ إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُواْ أَن يَكْفُرُواْ بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُضِلَّهُمْ ضَلاَلاً بَعِيدًا‏}‏.. فبالقياس على أصل معنى الطغيان والطاغوت أن كل من يحقق هذا المعنى ولو لم يرقى في ظلمه إلى أمر الناس بعبادته، وجب الكفران به بل ومعاقبته وليس مجرد الخروج عليه، والقران والاحاديث النبوية تحوي الكثير عن الأحكام المتعلقة بالحاكم الظالم.. والسؤال الآن، لو أن فرعون لم يأمر الناس بعبادته ولكنه حقق جميع انواع الظلم الاخرى فهل هذا يخرجه عن صفة الطاغوت؟ من اهماسباب ذم الله تعالى في القران لفرعون وجعله مثال للظلم الشديد ليس فقط ادعائه الألوهية وإنما أيضأ  قوله (مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَىٰ ).. اذن، فكل حاكم يحقق صفة الطغيان وجب اقصائه والخروج عليه تماماً كما خرج موسى على الفرعون.

الأحكام في الشرعية الإسلامية 

خامسا.. من يستشهد بحديث طاعة الامير (وإن ضرب ظهرك وأخذ مالك) ، ففهم هذا الحديث يجب أن يكون على قياس السياق العام لنصوص الأحكام في الشريعة الإسلامية، والشريعة لا تأمر بظلم مطلقاً.. ولذلك فدلالة ضرب الظهر هنا وفق السياق العام لتشريع الحقوق والواجبات قد تكون تنفيذا لعقوبة حدية او تعزيرية وليست ظلماً، أيضأ دلالة أخذ المال فليست مشروطة بظلم وإنما قد تكون بالرضا على نحو الذكاة والصدقة.. اذن، فمقصود الحديث في ضرب الظهر واخد المال أنه يكون بالحق وليس بظلم، وهذه هي القاعدة الأصولية (لا ضرر ولا ضرار)،(إِنَّ اللَّهَ لا يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئًا وَلَكِنَّ النَّاسَ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ).
اخيراً.. من اكثر ما يوقع الناس في الخطأ في فهم النصوص والأحكام انهم يجعلونها عضين، أي مقطعة وغير موصولة بسياقها الكلي، سواء بقصد أو بغير قصد.. ولذلك توعد الله تعالى من يفعلون ذلك بالوعيد الشديد في قوله (الَّذِينَ جَعَلُوا الْقُرْآنَ عِضِينَ. فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ. عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ)، فليحذر هؤلاء أن يلبسوا قولهم بظلم إذا ما لم يرعوا المقاصد الكلية للشريعة وهم يصدرون فتواهم وأحكامهم.

فيديو مقال تصويب الفهم في مسألة الخروج على الحاكم

 

أضف تعليقك هنا