الحاكم بأمر الله المفترى عليه

بقلم: ندا الشيخ

المنصور بن عبدالعزيز بالله

هو المنصور بن عبدالعزيز بالله بن نزار، ولد فى سبتمبر عام 985، و كان وقت توليه الحكم طفلا لم يتجاوز الحادية عشر عاما و تم تعيين وصى على الحكم كما جرت العادة ، هو سادس الخلفاء الفاطميين و لكن لم تمر سوى أربع سنوات حتى انفرد الحاكم بأمر الله بالسلطة و المصريين، فقد جمع فى فترة حكمه بين النقائض، بين خدمة العلم و محاربته، بين نشر العدل و التحكم فى الشعب ليصبح الحاكم بأمر الله “أيقونة” على مر العصور، شخصية قلقة و غريبة أثارت الكثير من التساؤلات ، كما أثارت الدهشة حتى ان ابن إياس قد قال فيه ” أرى فيه أخلاقا حسانا قبيحة ..و أنت لعمرى كالذى أنا واصف ..قريب بعيد باذل متمنع.. كريم بخيل مستقيم مخالف.. كذوب صدوق ليس يدرى صديقه ..و إنى لفى شك لأمرك واقف..كذلك لسانى هاجنى لك مادح..كما أن قلبى جاهل بك عارف ” و هى أبيات تدل على مدى الإشكال فى شخصيته.

الشجاعة والإقدام

و فى هذا يقول ابن تغرى بردى ” و كانت خلافته متضادة بين شجاعة و إقدام و جبن و إحجام ومحبة للعلم وانتقام من العلماء، و ميل إلى الصلاح و قتل الصلحاء، وكان الغالب عليه السخاء وربما بخل بما لم يبخل به أحد قط ، وأقام يلبس الصوف سبع سنين فى ضوء الشمس اللامع ليل نهار، و قتل من العلماء و الكتاب الأوائل ما لا يحصى، و سب أبى بكر وعمر و عثمان و عائشة و طلحة و الزبير و معاوية و عمرو بن العاص على جدران المساجد و الجوامع، ثم محاه بعد سنتين.

بعض تصرفات الحاكم 

فقد مثلت بعض تصرفات الحاكم حيثيات قوية لاتهامه بالجنون والاستبداد، وقف المؤرخون أمامها بالدهشة فقد منع النساء من الخروج إلى الطرقات و الطلوع إلى الأسطح و منع الخفافين من عمل الاخفاف لهن، كما منعهن من دخول الحمامات العامة و كذلك منع الرجال من الجلوس فى الحوانيت، و أمر بمنع الناس من أكل الملوكية “الملوخية”و القرع و كتب على الفلاحين قسائم بأن لا يزرعونهما و علل تحريم القرع بأن أبا بكر كان يميل إليه و منع ذبح الأبقار السليمة إلا فى الأضحية و منع صيد الأسماك كما منع الزبيب و العسل الأسود و كسرت نحو اثنى عشر ألف جرة منه و كسرت اوانى الخمور كما منع الناس من الخروج بعد المغرب فى الطرقات و ان لا يظهر أحد بعدها لبيع او شراء فخلت الطرقات من المارة و أمر بقتل الكلاب فقتل منها اعدادا قدرت بالالآف.

الدعوة لعبادة الحاكم بامر الله 

وفى سنة 1017م حضر الى مصر وفد من الدعاه الفرس يضم الحسن الفرغانى و حمزة اللباد و محمدبن إسماعيل الدرزى، و أعلنوا تأليه الحاكم و كان أساس المذهب الدرزى و كان مضمون دعوتهم “ان الإله يحل فى الحاكم” و وصل الأمر للدعوة لعبادة الحاكم بأمر الله،و قد ترك الحاكم هؤلاء و دعوتهم فلا هو نهاهم عنها و لا دعمهم و كالعادة عندما بدأت تظهر دعوة تأليه الحاكم بين الناس كتب له بعض الناس رقعة و لصقوها على المنبر “بالجور و الظلم قد رضينا لا بالكفر و الحماقة يا مدعى الغيوب من كاتب البطاقة.
وذكرت بعض الروايات انه المهدى المنتظر لغموضه و انه لم يمت و مازال حيا!!
كذلك أمر المسيحيين و اليهود بلبس زى مميز لهم،و منعهم من دخول حمامات المسلمين و أمر واليه باروخ التركى اليهودى الذى اسلم بهدم كنيسة القيامة عام 1009م و هدمت كنائس أخرى.

بعض مظاهر الحاكم بأمر الله 

و هناك شهادات قوية تنصف الحاكم بأمر الله فقد تخلى عن كل مظاهر البذخ و العظمة فكان زاهدا متقشفا،فمال إلى ارتداء الخشن من الثياب و ركوب الحمير،كما اخذ فى ارتداء الكتان مثل المتصوفة كما أسقط جميع الرسوم و المكوس ماعدا الخراج و رفض جميع أنواع المواكب و لم يتردد فى مصادرة أموال بعض عناصر الصفوة، حتى لو كانوا أقاربه مثل صهره عبدالعزيز بن النعمان و أمر بإعادة بناء كنيسة القيامة بعد ان هدمها، كما اتخذ من أهل الديانات الأخرى مناصب حساسة بالدولة و أمر بتأسيس دار الحكمة و تجديد الجامع الأزهر و كان فى عهده بداية بناء المراصد الفلكية فى مصر و أسس دار الحكمة لتنافس بيت الحكمة فى بغداد.

بناء السد العالي فى أسوان

و من الأمور الهامة انه قد سمع باسم و نبوغ الحسن بن الهيثم فى الهندسة، و انه قال “لو كنت فى مصر لعملت فى نيلها عملا يجعل به النفع فى كل حالة من حالات الزيادة و النقصان” فأرسل إليه المال و حثه على المجئ إلى مصر فلما وصل اكرمه و ارسل معه الصناع إلى أسوان، و لكن ابن الهيثم لم يستطيع ان يفعل شيئا تجاه ذلك، و اعتذر عن عجزه فأبقاه الحاكم عزيزا مكرما إلى وقت وفاته “و كانت هذه المحاولة اول فكرة لبناء السد العالى فى أسوان”

تاريخ الحاكم بأمر الله 

“ونختم القول بشهادة الأستاذ الدكتور عبدالمنعم ماجد ان تاريخ الحاكم بأمر الله ترجمة لحياة رجل عظيم من رجال مصر العظام مسلكه هو مسلك الرجل السوى و يذكر ان منعه للمأكولات كان لضرر فيها و انه شدد على الجوانب الأخلاقية و منع المفاسد و الخمور ، و أما عند وفاته فلم يشأ الحاكم ان يتخلى عن غموضه حتى لحظات النهاية ففى 27 شوال 411، خرج الحاكم وحده ليلا راكبا حماره متجها إلى المقطم و ذهب وحيدا و لم يرجع، و دهش الجميع ودارت عمليات البحث عنه و بعد خمسة أيام عثروا على ثيابه ممزقة بآثار طعنات و وجه الإتهام إلى اخته “ست الملك” لأنه كان يبدى سخطه عليها و كرهه لها فانتقمت منه، و يبدو انها تخوفت من تصرفاته غريبة الأطوار ان تؤدى إلى نهاية الدولة الفاطمية فكان لابد من التخلص منه”
هذا هو الحاكم بأمر الله الذى لايزال قابعا فى محكمة التاريخ فكان أكثر شخص ارهق التاريخ فى تصنيف عهده و غموض نهايته.

 

بقلم: ندا الشيخ

أضف تعليقك هنا