هموم لاجئ… باتت تاريخاً

بقلم: آية علان

ألم الغربة واللجوء والإبتعاد عن الوطن

يسكن في بلاد شتى لكنَّ وطناً واحداً يسكنه, جسده على أرض لكنَّ وجدانه بقي على أرض وطنه, بقيت هويته فهي جزء لا يتجزأ من كيانه الذي تناثر هنا وهناك كأوراق الخريف المنسية… هل عرفتموه من ملامح وجهه المغطاة بهموم سنينٍ غاب فيها عن وطنه, ومن تراكمات فوق ظهره وشوق ومرارة قد أثقلت كاهليه؟؟!
أجل, إنّه ذاك الفلسطينيّ المغترب الذي أصبح سجين غربته وظلامها الذي لا يتبدد إلَا برجوعه إلى وطنه فلسطين, وأرض لطالما غرف من عشقها وبيت عاش فيه أجمل أيام طفولته في دفء وأمان قبل أنْ… قبل أنْ يقتل الاحتلال روعة تلك الأيام وجمالها بظلمه وقوة سلاحه, فها هو يعيش آملاً حالماً بحق عودته إليها منذ أن خرج منها جبراً عنه, ليصرخ قائلا:

أريد البقاء

على أرض لونت أحلامي

وحفرت آلامي

أريد البقاء

على أرض الرباط

على أرض الشهادة

أريد البقاء

لأشتم رائحة ترابها الذي عبق بمسك شهدائها

أريد السلام… على أرض لم تعرف السّكون

أريد البقاء

على أرض عشق أطفالها الحجارة

على أرض رسمت حدودها على أيدٍ لم تعرف المحال

على منبع المقاومة… مَجْمع الشهداء

من وسط جهنّم عرفت الأمان

من قاع البحور عرفت أنَّ لا للمستحيل

منذ الحرب إلى الآن

عرفت الأمل… أدركت أنَّ لا للصّمت…

لا للرّحيل… نعم للبقاء

أنا وأنت هنا, وهم هناك… إلى لهيب جهنّم

أريد البقاء

في أرض السّلام… مهبط الأنبياء…

أريد البقاء

أبناء فلسطين،لاجئين ومغتربين ومعاناتهم المريرة

هل خطر في بالك يوما أنْ تسأل نفسك كم من مغترب فلسطينيّ في بلاد الشّتات والمخيمات الفلسطينية التي تحتضن أبناء فلسطين يشتاقُ لاحتضان تراب وطنه كما تحتضن الأم رضيعها؟؟
هل تسألت لِما هذا الفلسطيني يتمرد… يصرخ… يقاوم؟؟
هذا هو الفلسطيني المتمرد الذي أبى الذل والخنوع والعدوان كما قال كامو:”ما الإنسان المتمرد؟ هو إنسان يقول: لا” (كامو, البير. الإنسان المتمرد, صفحة9. كتاب اللغة والتفكير, 2018_2019. مطبوعة), ذاك الذي تعتصر الأشواق قلبه يوما بعد يوم وهو على أرض لا تمت لهويته وعاداته وتقاليده بشيء يذكر…  كما ذكر معلوف قائلا: “لا تُعطى الهويّة مرة وإلى الأبد” (معلوف, أمين. الهويات القاتلة, صفحة55. كتاب اللغة والتفكير, 2018_2019. مطبوعة).
أين أنتم يا عرب… أين أنتم يا مسلمون؟؟… لما سمحتم للأغراب أن يكتبوا عنكم, لما لم تسبقوهم إلى كتابة مآسيكم… تاريخكم… بطولاتكم… أَلأنّكم تلعبون بالمناصب… أم بالاوراقِ؟؟

شعب حطّم أغلاله…حجارته أشعلت نيراناً…إرادته أنجبت أبطالاً… سماؤُه أمطرت نيراناً… مغتربوه خطو عودتهم… شهداؤه رسموا أحلامهم… يا لكم من شعب جبّار عجز الشعراء عنكم… ذرفت الكلمات أمامكم بحور حبرٍ… تهاوت الأقلام أرضاً من مآسيكم وآلامكم…

لن تستطيع الكلمات ولا الجمل المنمَقة وصف صعوبة أو لربما قسوة غربة الفلسطينيّ عن وطنه, إذ أعجبني تعبير التّهكم والسخرية لإدوارد: “إن الحياة الماضية للمهجَريين… كما تعلم ملغاة ” (سعيد, ادوارد. الحركات والهجرات, صفحة58. كتاب اللغة والتفكير, 2018_2019. مطبوعة).

كثرة الكتابات والأقوال عن معاناة الشعب الفلسطينيي

كذلك القول الذي عبر أصدق تعبير عن معاناة فلسطيني أثقلته المتاعب فقيل:€

بك يا زمان أشكو غربتي…

إن كانت الشكوى تداوي مهجتي…

قلبي تساوره الهموم توجّعاً… ويزيد همي إن خلوت بظلمتي

(حسين, محمد, وعادل القاضي. كتاب الهجرة والاغتراب, صفحة9. الطبعة الأولى, 1999. مطبوعة).

غربة جرداء داهمت شعباً لم يعرف المستحيلاً, مسك تعطر به من كان شامخاً ليهوي على أرض السّلام شهيداً… ترثيه الألسن, وترسمه الأنامل, سلاماً على من علّمونا السلام, على من أبكته العيون, على من تناديه القلوب, أنتم السابقون ونحن اللاحقون.

حياة أشبه بالجحيم, آلاماً حفرت طريقها في جسد صاحبها… حروباً لم تنته… دموعاً ذرفت شلالاً؛ لتسقي أحلاماً بات رماداً, شعب سطر التاريخ… حفر الآفاق… رسم حدود حريته وآماله… شعب الجبّارين… شعب المقاومة والشهداء.

فالأسباب لا تعد ولا تحصى لغربة أصبحت يقيناً, أهمها هو الاحتلال الغاشم, وطلب العلم في إحدى الدول الغربية أو العربية كان من أحد الأسباب وما زال, وتحسين الظروف المعيشيّة أيضاً كانت سبباً لابدّ من ذكره؛ بسبب قلة فرص العمل. ولا ننسى طلب العلاج فالحروب عديدة كانت وما زالت على وطني, وشعبها ما زال مثقلاً بالجراح والآهات, ولعلّ هذه الكلمات التي استوقفتني عبرت أبلغ تعبير عن ذلك فقلت:

ما أهلكني صاروخاً فجّرني        كمثل غربةٍ جرداء أماتتْني

ها أنت هناك يا ابن وطني تستذكر ذكرياتك الماضية ربما كانت جميلة… بيتك…عائلتك… أطفالك…أحلامك… ونحن هنا نكتب فيكم أشعاراً, ونخطٌ بطولاتكم, ونرسمُ حريتكم, فاصبروا يا من فجرتم نبع الصبر والسلوان, يا من علّمتم جيلاً لم يعرفَ التاريخ, يا من أحببتم وطناً  بات مستحيلاً,  فهل من مسافر إلى بلدي؛ ليخبرني عن أحوالها وأحوال أهلها؟؟ أجيبوني أرجوكم فالشوق مزقني والآه أثقلتني… هل من مجيب؟؟ هل تسمعونني؟؟… أرجوكم.

بقلم: آية علان

أضف تعليقك هنا