قراءة في كتاب الحديث النبوي ومكانته في الفكر الإسلامي للمفكر محمد حمزة

بين الفينة والأخرى يظهر رجال يحملون ألقاباً رنانة, ولكنهم في ذات الوقت يمتازون بالتسرع في الأحكام, يحملون على الحديث النبوي الشريف وعلى أصحابه ويشككون المسلمين في هذا الأصل الأصيل، والركن الركين، من خلال الطعن في صحابة النبي صلى الله عليه وآله وسلم  أو الغمز فيهم , وكذلك النيل من أئمة  الحديث ورواته ورميهم بالإفراط أحياناً, وبالتفريط أحياناً اخرى معتمدين بذلك على كتب الشيعة والمستشرقين, ومن سلك مسلكهم من العلمانيين والليبراليين.

تنحية الأصل الثاني من أصول الشريعة (السنة النبوية)عند بعض المفكرين

ومن هؤلاء المفكرين، المفكر التونسي محمد حمزة  وذلك في كتابه الحديث النبوي ومكانته في الفكر الإسلامي الحديث, فسعى هذا الرجل جاهداً  إلى تنحية الأصل الثاني من أصول الشريعة ألا وهو السنة النبوية.

فادعى مصرحاً مرة , وملمحاً مرة أُخرى إلى عدم حجية السنة وذلك من خلال اختفاءه وراء عرض لكتابات كتّاب، أمثال أحمد أمين , ورشيد رضا وبعض المستشرقين , أمثال شاخت وكولد تسيهر وروبسون وغيرهم، وقد تناول كثيرا من المواضيع التي لها تلازمٌ شديد مع الحديث النبوي الشريف , وكان من طريقته أن يعرض أقوال علماء أهل السنة والحديث فينبزهم من طرف خفي  ويتعرض لأقوالهم وآراءهم بالنقد بصورةٍ لاتستفز الجاهل , بل تؤرق العالم الخبير.

عرض كتابات من أقوال كُتاب ومستشرقين (يطعنون ببعض الصحابة ورواة الحديث) كشواهد في كتاب محمد حمزة

ثم يتبعها بعرضٍ لأقوال بعض الكتاب أمثال أحمد أمين ورضا , وابو ريه  , ممن لاحظ لهم في العلم غير الكتابة , فنراه يسردها سرداً وهو مقرٌ بما يقولون , ورغم أنه لايشير إلى ذلك الاقرار إلا أن القارئ يجد ذلك من خلال السياق والسرد, ثم سار على هذه الطريقة وجعلها منهجيةً لكتابه, وكأنه بذلك يجيّش الجيوش فيقودها من طرفي خفي للهجوم على قلعة الحديث.

وقد فعل ذلك ابتداء ًوشكك في بدايات تدوين الحديث النبوي وأنكر اهتمام الصحابة رضي الله عنهم بهذا العلم الشريف , ثم عرج على عدالة الصحابة فغمز هذا الركن فيهم , واكثر فيه من أقوال أبو ريه , وأحمد أمين , ورضا وعبد الخالق , ليؤكد أنه ليس ثمة فرق في مقام الجرح بين الصحابة رضي الله عنهم وبين من تلاهم من التابعين وتابعي التابعين, بل … إدعى أن القائلين من العلماء بهذا المبدأ  إنما قالوا به دفعاً لأقوال الخصوم ليس إلا ..

وزعم إن القول بمبدأ عدالة الصحابة رضي الله عنهم دعوى لم ترد في كتاب الله عزوجل , وليس لها وجود في الواقع الخارجي .. داعما هذا الزعم باختلاف أهل العلم حول تعريف الصحابي وبعض المخالفات الشرعية التي ارتكبها بعض الصحابة رضي الله عنهم وتكلم فيها أهل العلم، وفي سبيل تاكيد مزاعمه تلك  نجدهُ يلمز ابتداءً الصحابي الجليل أبو هريرة رضي الله عنه, بعد أن يصرح برد أحاديثه ثم يصفه بأقذع الأوصاف  , إلى أن يصل إلى القول بأن في صحابة النبي صلى الله عليه وآله وسلم منافقون.

وجود مشتركات بين كتابات محمد رضا والفكر الشيعي

ونجد من خلال قراءتنا لكتاب هذا المفكر الكبير ! أن لديه كثير من المشتركات مع الطائفة الشيعية, فهو يدعي كما تدعي الشعية أن  الصحابة رضي الله عنهم قد كذبوا على رسول الله في حياته , وأنه قد فشا فيهم الكذب, ويورد بذلك حديثا رواه الطبرسي في كتاب الاحتجاج للطبرسي ولايوجد في دواوين أهل السنة  وعزا مصدر الحديث لمقالٍ كتبه محمد عبده ونشره في مجلة ثمرات الفنون البيروتية سنة 1886 [1]. ويوافقه في هذا الرأي أحمد أمين وابو ريه

ويخيل اليك أنك تقراء لكاتب شيعي وأنت تتصفح تلك الشبه حول الحديث والصحابة, بل إننا لا نبعد النجعة إن قلنا أنه يتكلم بلسان حالهم , فهو يقول مثلا: [ والجدير بالذكر أن الحديث عن أول من أسلم هو موضوع أثير بين السنة والشيعة في أوائل العصر الاموي حينما قام الخلاف بين أهل الجماعة والشيعة حول أحقية خلافة النبي صلى الله عليه وآله وسلم ]وكأن ( محمد حمزة ) يعلن أن للشيعة ظهور في تلك الفترة.

في حين أن الحقيفة التي عند أهل التحقيق أن الشيعة لم تكتمل أصول دينهم ولم تظهر كتبهم إلا في القرن الرابع الهجري , أما التشيع الذي ظهر اسمه على صفحات الكتاب في أواخر مقتل الخليفة المظلوم عثمان بن عفان رضي الله عنه فهو تشيع سياسي وليس تشيع عقدي وهو الذي نعني يظهوره في القرن الرابع الهجري, ويستشهد محمد حمزة  بابن ابي الحديد الشيعي  في شرحه لنهج البلاغة بقوله بأن معاوية رضي الله عنه قد اغرى قوم من الصحابة لوضع الحديث في سب علي رضي الله عنه منهم أبو هريرة وعمرو بن العاص والمغيرة بن شعبة ومن التابعين عروة بن الزبير . .

وبعد ذلك فليس من الغريب أن يساوي محمد حمزة المفكر الكبير , بين أهل السنة ، الذين هم الامة , وبين تلك الطائفة التي لاتكاد تبين علما وفهما ,  فتراه يرعد ويزبد وهو يدعى أن بعض الباحثين قد شككوا في شخصية عبد الله بن سبأ, مع العلم إن الذين شككوا في تلك الشخصية هم الشيعة ليس غير , وكأنه بذلك يعدّ كتاب الشيعة من الباحثين الموضوعيين الذين يؤخذ منهم رأي .

  • خلطه بين الحقيقة والخرافة

    • ويخلط محمد حمزة بين المشروع والموضوع وبين الحقيقية والخرافة ولا أدري هل كان ذلك بقصد أم بجهل عندما يقول في صفحة 250:
    • [ أما في خصوص الأحاديث التي تتنبأ بظهور المهدي فيرى فيها أيضا اضطرابا كبيراً , فقد أختلف أهل السنة والشيعة في اسمه فزعمت المصادر السنية أن اسمه أحمد بن عبد الله وقالت الشيعة إنه محمد بن الحسن العسكري وادعت الكيسانية ان المهدي هو محمد بن الحنفية ] مع أن الفرقه الكيسانية من الفرق السبأية المحسوبة على الشيعة قبل ان تكتمل اركان تاسيس مذهب التشيع في القرن الرابع الهجري
    • فمحمد حمزة هنا لم يثنِ على الشيعة ثناء مكشوفاً ، لئلا ينكشف عنه الستر بل يكتفى بتشويه معالم الحق مستعرضا قضايا عدة تثبت عدم حجية السنة وخروجها من نطاق التشريع , فنراه يؤكد في نهاية المطاف من كتابه بأن السنة مصطلح سياسي لا شرعي أوجده الفقهاء لأجل إيجاد منظومة تدعم أقوالهم وتصنيفاتهم.
  • تأييده لرأي المستشرقيين شاخت وكولد زيهر

    • وكأنه يؤيد رأي شاخت وكولد زيهر, ثم يعقب فيمدح نظرية شاخت بقوله:
      • [  أن النظرية التي يقدمها لنا شاخت تشكل ركيزة اساسية في فهم التطور الذي  مر به الفقه الاسلامي ودور الصراع بين المدارس الفقهية والمحدثين في استحضار سلطة جديدة ممثلة في أحاديث النبي وآثار الصحابة , ] ص 218
    • فهو يرى كما يرى شاخت وكولد تسيهر وبقية المستشرقين  أن السنة انما وجدت لحاجة الفقهاء إلى تشريع مقنن  لأجل استنباط الأحكام ,  ولم يكن لها إعتبار حقيقي في القرون الأولى لا في عصر النبي صلى عليه وآله وسلم ولا في عصر الصحابة رضي الله عنهم أجمعين  فيقول :
      • ص 361 :[ لامراء في أن السنة احتلت مكانة كبيرة في أصول الفقه , اذ اعتبرت الأصل الثاني فيها بعد كتاب الله , بيد ان هذه المكانة كانت متأخرة عن ظهور الأحكام الإسلامية التي قصد بها تنظيم العلاقات الإجتماعية , فكان تأسيس المنظومة استجابه لحاجة الفقهاء إلى وضع تشريع مقنن يمكن من استنباط أحكام جديدة , ]
  • تأييده لرأي الكاتب أحمد أمين بأن الحديث مجموعة من الحكم الهندية

    • ثم ياتي الرجل بالحالقة التي تحلق الدين والعقل فيوافق أحمد امين بأن الحديث النبوي إنما هو عبارة عن مجموعة من الحكم الهندية حين يقول :
    • [ لقد تنبه أحمد أمين إلى عامل مهم ساهم في تضخم الأحاديث النبوية  , وتتمثل في أن الناس لايقبلون إلى الكتاب والسنة لذلك لم تكن لاحكام الحلال والحرام قيمة لديهم اذا كانت مؤسسة على مجرد الإجتهاد لا على الحديث ,  فكان كثير من العلماء يرفض تلك الإجتهادات ويشنع على أصحابها , وكذلك شأن الحكم والمواعظ التي تعود إلى أصول هندية أو فارسية أو إلى شروح من التوراة والإنجيل – فحمل ذلك كثير من الناس إلى أن يصبغوا هذه الاشياء كلها صبغة دينية حتى يقبلوا عليها فوجدوا الحديث هو الباب المفتوح على مصراعيه فدخلوا منه على الناس فكان من ذلك أن ترى في الحديث الحكم الفقهي المصنوع والحكمة الهندية والفلسفة الزردشتية والموعظة الإسرائيلية أو النصرانية ]
    • ويخلص محمد حمزة المفكر التونسي إلى الطعن في منهج المحدثين بصورة عامة  فيثني على محمود أبي رية  فيما زعمه من الكشف عما اعترى منهج المحدثين من خلل في تطبيق قواعدهم حين جعلوا روايات ابي هريرة وغيره من الصحابة كابن عباس في حكم المرفوع في حين اعتبروا روايات غير الصحابة في حكم المرسل ص 158
  • تشكيكه باهتمام الأمة بالإسناد

    • ويشكك حمزة .. في اهتمام الأمة بالإسناد ويدعى اتفاق الباحثين على أن علم الإسناد إنما ظهر في القرن الثالث الهجري , فيقول : [ من المعروف في تاريخ علم الحديث أن حركة جمع الحديث ونقده وتمييز الصحيح من الضعيف والبحث في أحوال الرجال والحكم لهم أو عليهم لم يتم إلا ابتداءً من القرن الثالث للهجرة ] ص 261
    • ويقول أيضا : [ لكن إذا سلمنا مع هؤلاء الباحثين بعناية المسلمين باسانيد الأحاديث وحرصهم على التثبت …] ص 262
    • مع إتفاق أهل العلم على أن بداية الإهتمام بعلم الإسناد إنما كان في فتنة مقتل عثمان رضي الله عنه وهو معنى قول أبن سيرين رحمه الله : [لم يكونوا يسألون عن الإسناد فلما وقعت الفتنة قالوا سموا لنا رجالكم , فينظر إلى أهل السنة فيؤخذ حديثهم وينظر إلى أهل البدعة فلا يؤخذ حديثهم ]
    • الا إن محمد حمزة يميل إلى رأي شاخت أو على الاقل يشكك في إتفاق أهل العلم باستعراض قول شاخت المستشرق حيث زعم بأن الفتنة المقصودة في قول محمد بن سيرين هي فتنة قتل الوليد بن يزيد بن عبد الملك بن مروان المتوفي سنة 126   اي بفارق ستة وثمانين عاما، والذي يكذب شاخت  هذا هو أن محمد بن سيرين قد توفي سنة 110 هجرية لذلك نجد أن شاخت اعتبر أن كلام بن سيرين موضوعاً عليه مع استشهاده به.

[1] مجلة ثمرات الفنون البيروتيه  لسنة 1886  , الاعمال الكاملة الجزء الثاني.

فيديو مقال قراءة في كتاب الحديث النبوي ومكانته في الفكر الإسلامي للمفكر محمد حمزة

أضف تعليقك هنا