قراءة في كتاب حوادث دمشق اليومية /1/ تقديم وتعريف

تقديم وتعريف

إن كتاب حوادث دمشق اليومية لمؤلفه البديري الحلاق يعد من الكتب المهمة التي تؤرخ لمرحلة حساسة في تاريخ مجتمعنا العربي أثناء الحكم العثماني، فهو يؤرخ للفترة ما بين عامي 1154-1175 ه ما يعادل 1741-1762 م وذلك على مدى احدى وعشرين عاماً.

التعريف بالمؤلف

  • والمؤلف البديري الحلاق هو شهاب الدين أحمد بن بدير المعروف بالبديري الحلاق وتاريخ ميلاده  في عام 1701 م أما تاريخ وفاته ففي عام 1762 م ، وهو من دمشق ويُنسب إليها ومهنته كانت الحلاقة وهي مهنة آباءه وأجداده، وقد كان من المتصوفة وممن ينظمون شعر الزجل الشعبي المعروف في بلاد الشام، وعائلة البديري كانت تسكن في حي الميدان الدمشقي، أما مكان عمله فكان محلاً للحلاقة بالقرب من قصر أسعد باشا العظم.
  • والبديري بدأ في تدوين كتابه على شكل يوميات باللغة العربية الفصحى التي يشوبها الكثير من الألفاظ العامية، فهو لم يكن متمكناً من اللغة العربية بسبب الجهل والأمية التي كانت متفشية بسبب الاستبداد العثماني والعزلة المفروضة على البلاد.
  • ومن العام الذي بدأ فيه البديري بتدوين تلك اليوميات وهو 1154 ه – 1741 م فإن عمره كان أربعين سنة واستمر في الكتابة حتى وفاته عام 1175 ه – 1762 م بعمر 61 سنة، ومهنة البديري ساعدته كثيراً في تحصيل الأخبار والحوادث التي جرت في عصره، حيث كان يتردد إليه أغلب فئات المجتمع الدمشقي فيسمع منهم الأخبار وينقحها ثم يدونها، فالبديري يعتبر كاتب لمذكرات مدينة دمشق فكتابه يمكن أن نسميه مذكرات مدينة.

وصف الكتاب

وكتاب البديري أقرب للتقارير الإخبارية منه لكتاب التاريخ فهو يذكر الحوادث جميعها من سياسية واقتصادية واجتماعية:

  • فهو يذكر ولاة دمشق وسياستهم في إدارة البلاد.
  • ويذكر العسكر من انكشارية ودالاتية وقبيقول وغيرهم والصراعات فيما بينهمز
  • ويذكر القضاة والمفتين.
  • ويذكر التجار واحتكار المواد وغلاء الأسعار.
  • ويذكر الحالة الاجتماعية في ذلك العصر من أغنياء وفقراء.
  • ويركز على حالة المجتمع الأخلاقية فيذكر بنات الهوى أو كما يسميهن بنات الخطأ.

أهمية كتاب البديري تكمن في ثلاثة نقاط

  • الأولى

    • أنه كتاب عفوي صادق

      • فالبديري كتب كتابه بدافع من نفسه، فموهبته وحدها هي من دفعته لكتابة هذه الحوادث وتدوينها، فلم يكتب كتابه لأجل منفعة مادية ولا لأجل حاكم طلب منه ذلك ولا لمحاباة الحاكم أو المجتمع فهو يتحدث بكل صدق عما جرى دون أن يراعي حالة سياسية أو دينية أو اجتماعية فالواقع كتبه كما هو، أضف لذلك عفويته في الكتابة فهو يكتب على سجيته، والبديري بالرغم من عاميته إلا أنه صاحب فكر متنور فهو يتحدث بمنطقية عالية عن الأخبار التي ترد إليه فينقحها وينتقدها ويدونها سنة فسنة.
      • والواضح أن البديري صب مشاعره في مدونته اتجاه الأحداث كماهي، فمشاعره مترافقة لحظة بلحظة مع الحدث دون أن يراجعها لاحقاً إذا تبين له خلاف ذلك، فتجده يمتدح في بداية الكتاب الوالي سليمان باشا العظم بينما يذمه بعد وفاته بعد أن اكتشف الناس أنه كان يكنز الذهب والفضة في الدهاليز تاركاً الرعية في جوع وفاقة، دون التنويه أن المدح االسابق لم يكن في محله.
  • الثانية

    • أنه كتاب منوع

      • والكتاب منوع لا يركز على حالة معينة أو موضوع بذاته فتجد فيه الحوادث السياسية والاقتصادية والاجتماعية، فالكتاب أشبه بالثوب المزركش من كل خيط ولون، فهو يقدم في عباراته خليطاً عجيباً من الحوادث المتداخلة بعضها ببعض فتجده يربط في حديثه بين مجريات السياسة والصراعات العسكرية ليصل إلى الحالة الاقتصادية والاجتماعية وكيف تتأثر بتلك الصراعات، وبنفس الوقت فإن الحالة الاقتصادية والاجتماعية كثيراً ما تؤدي لمخرجات تتعلق بالسياسة والصراعات الحربية.
  • الثالثة

    • أنه يضيئ مرحلة تاريخية عاتمة

      • إن المرحلة التي يتحدث عنها الكتاب جاءت بعد أكثر من مائتي عام من الحكم العثماني للبلاد وقبل خروجه منها بما يقارب مائتي عام، فالكتاب يؤرخ لواسطة السلسلة الطويلة من الاستبداد العثماني الطويل الذي أخرج البلاد خارج نطاق التاريخ والجغرافيا، ونحن قلما نجد مدونات صحيحة عن تلك الفترة، فالمدونات التركية المتمثلة بالفرمانات لا تشرح حالة البلاد خلال تلك الفترة، والكتابات التي وردتنا من المستشرقين لا تعبر عن حالة مجتمعنا الحقيقية لقلة خبرتهم ومعرفتهم بالنسيج الاجتماعي للبلاد ولأنهم مجندون لتحقيق غايات معينة بذاتها.

خروج الكتاب إلى النور

والبديري دوّن كتابه على شكل أخبار وحوادث ولم ينشره، ولا نعلم السبب وراء ذلك هل كتب مدوناته فقط لغاية حفظ التاريخ أو رغبةً منه في الكتابة، أم أنه خشي على نفسه من استبداد العثمانيين ممثلين بالوالي وعساكره من انكشارية وقبيقول ودالاتية وشوباصية وغيرهم، والكتاب ظل طي النسيان حتى وصل لمكتبة الشيخ طاهر الجزائري حيث استعاره الشيخ محمد سعيد القاسمي ليقوم بتحقيقه وطباعته لأول مرة في عام 1959، وقد ذكر في مقدمة تنقيحه للكتاب ما يلي:

(( أما بعد فإن حوادث دمشق اليومية …. قد اشتملت على غرائب وعجائب وأهوال، ولبساطة مؤلفها كتبها بلسان عامي، ثم أطنب بزيادات الحوادث وأدعية مسجعة يمل سامعها وسأم قارؤها

فحذفت القشر من هذه الحوادث ووضعت اللباب، وهذبها على حسب الاستطاعة والصواب وإليه تعالى المرجع والمآب)).

وسأقدم تباعاً في عدة مقالات بعنوان (قراءة في كتاب دمشق اليومية) الأحداث التي ذكرها البديري وأحاول تبسيطها وشرحها وإبداء الرأي فيها …. والله ولي التوفيق.

فيديو مقال قراءة في كتاب حوادث دمشق اليومية /1/ تقديم وتعريف

أضف تعليقك هنا