حنان الأم
أي بني..
أعلم أن الحياةَ ستغرزُ فيك ما لم أُنبتُ فيك من ِبذره، وأنَّ ما تكسبه في قلبك من حنو أو قساوة هو وليد روحك، و ردُ فعلك تجاه كل ما يعبر فوقك أو من خلالك من أحداث، وأن الدفءَ الذي نِلته في بيت أبيك صغيرا وبين ذراعيَّ أنا ستجدُ مقابله الشوك والجلف في الخارج ، وأوصيك أن تكون قويا لا يهُزك الريح إلا بقدرِ ما يحرك العود الخفيف من الزهر، ثم تعد لموضعك مرة أخرى، و ألا تتظاهر بالقوة في موضع البكاء ،و لا بالثبات حين يجب أن تنهار، الدمعُ يَجبُّ ما بالقلب يا ولدي فلا تحبسه ، ولا تُفرط على نفسك فتخسر سلامُها، و لا تستهن فيضيع الحق و تميل النفس و تبعًا لهما يَخُر العقل صعقا أمام الثوابت ، و أجعل دستورك في محطات اختبار عمرك هو كتاب الله وسنته، ولا تصدق يا بُني كل ما يقال إليك ، الصانعُ هو أعلم من يعلم بصنعته ، ولله المثل الأعلى و الاستشهاد الأول ، الله خالقك ، هو أدرى بما يصلح و أدرى بما يفسدك ويكدر عليك عيشك ، وصية من كلمتين : احفظهُ يحفظك ونقطة ثم لا حديث بعده.
القلب الطيب
و عن قلبك يا حبيبي ، ستمرُ بمن َيكن عليه لطيفا كنسيم الفجر، وتمر بمن يرقد بذكراه عليه كالضيفِ الثقيل ، و تمر بمن يُحيله لشظايا و شرذمات من فُتات ، ثم تمر بمن يُعيد جمع الفتات و الشظايا واحدة واحدة ، لا َيهُمه إن كانت ستُدمى يديه بإحداها ، جُلَّ سعيه أن يُكمل ما بدأ و يعيد قلبك كما أوجده الله على شاكلته ، يعانقه فتدب فيه الروح بعد الموت ، و يُذكِّر و يتحامل و يتقى الله فيم زرعتُ أنا فيكَ يا ولدي ، أوصيك بذا الصاحب خيرًا ، و ألا تتبع هواك عليه فتخسر ، خسران دنيا وحسراتٍ طُوال.
العقل الناضج
و عن عقلك يا روحي ، لن تجنِ منه إلا بقدر المُدخلاتِ إليه ، و بنوع تلك المدخلات وتصنيفها يتبلور شخصك ، و تقفز فوق عمرك عشرات السنين ، تنضج قبل نُضج ، و تَرشد قبل رُشد ، و تهتدي باكرًا باكرا ، و اجعل قلبك الذي أوصيتك به مُسبقا تحت زمام عقلك ، يغالبُ الهوى فلا يغلبه الهوى، و اعصه إن فُتن ، و كما أُمرتَ استقمْ.