الممكنُ في الحياة السياسية لدى الجزائري

الجزائر

يفاضل الفيلسوف الجزائري بين المَلكيات والديمقراطيات بسخرية فيلسوفٍ مظهرًا عيوب النظاميْن وميزاتهما، فيقول أنَّ الخبرة تعلمنا أنَّه ما من دولة جزائرية وقفت جبّارة ثابتة مثلما فعلت الدولة الجزائرية في العهد العثماني، وليس هناك أقصر عمرا وأكثر اضطرابا من الديمقراطيات التي تفتك بها حركات العصيان في كل زمان وكل عصر، ولكن من جهة أخرى، إذا كانوا يسمون العبودية ثباتا والبربرية سلاما واستقرارا، فما أسوأ طالع الرجال عندها وأيُّ بؤس ينتظرهم، حيث يعتقد الفيلسوف الجزائري أنَّ الملكيات المطلقة تؤدِّي إلى العبودية وليس إلى السلام، فالسلام ليس هو مجرَّد غياب الحرب الذي يضمنه البطش، ولكنه واقع في وحدة واتفاق العقول طوعا، ويخطئ خطأ جسيما من يعتقد بقدرة رجل واحد على أن يجمع في يديْه سلطات الدولة جميعها.

الحق والقوة

الفيلسوف الجزائري مثل باقي الفلاسفة الجزائريين، يعتبر أنَّ الحق هو القوَّة دائما، حتى وإن كابر الطوباويون، وحتى في دولة الشعب، فإنَّ حق الشعب هو قوَّة الشعب المتمثلة في وعيه الاجتماعي، الذي يترجم نفسه إلى مؤسسات، وحيث أنَّه ليس للحق حدود سوى القوَّة دائما، فإنَّه وفي الحالة المَلكية، يكون حق المَلِك هو قوَّة هذا المَلِكـ، ولكنَّ المشكلة هنا، تكمن في أنَّ حمل الدولة ثقيل، لأنَّ فحواه التعامل مع الطبيعة الجزائرية (البشرية)، وتقييد نوازعها، بينما قوَّة رجل واحد غير كافية من أجل حِمل مثل هذا الحمل، وهكذا نرى أنَّ الرجل الذي اختارته “الجماهير” (فرق كبير بين الغاشي والجمهور)  مَلِكًا غالبا ما يضعف ويسقط في البحث عن مصالحه ومصالح الأقوياء من أقربائه، أصدقائه ومستشاريه، فليس ثمة عيْنٌ تبقى على الدوام ساهرة وليس ثمة جفن لا يغافله النعاس.

خطر الدولة

وبما أنَّ الصالحون قِلَّة، أمَّا الطالحون من الجزائريين فحدِّث ولا حرج، فهكذا تجد أنَّ خطر الدولة في هذه الحالة قد يأتي من مواطنيها أكثر ممَّا يأتي من أعدائها، ومن هنا يصبح المَلِك خائفا من مواطنيه أكثر ممَّا هو خائف من أعدائه، وسيهتم بأمنه وسلامته أكثر من اهتمامه بمصالح رعاياه، حتى أنَّه قد يتآمر عليهم في السلم كما يتآمر على أعداء الدولة الخارجيون في الحرب، وخصوصا على أولئك الذين يظهرون ميلا نحو التعليم أو من لهم تأثير في المجتمع عن طريق ثرواتهم، فالجزائري قد يذعن لسيطرة الدولة على أفعاله، لكنَّه لا يسلِّم بسهولة بسيطرتها على رأيه وعقله كما في الحالة المَلكية السائرة بطبيعتها نحو الاستبداد، وبما أنَّ ليس للجميع الرأي نفسه، فالأفضل أن يكون لرأي الأغلبية قوة القانون، أي أنَّ القوَّة هنا تنتقل من الفرد الواحد الرازح تحت حمل الدولة الثقيل إلى قوَّة الأغلبية، وهذه هي الديمقراطية أو حكم الجماهير كما ورد عند اليونانيين القدامى (المواطنون في أثينا القديمة).

الديمقراطية

ولكن من جهة أخرى، فإنَّ للديمقراطيات عيوبها أيضا، فالعدد في الديمقراطيات يحكم، ومنه تتحدّد القوة أو الحق هنا، ولكن من الأعداد لا ينبثق الـحكم، والعدد منتج طبيعي للغوغاء والدهماء، ومن هنا يمكن فهم ميل الديمقراطية لتولي المتوسطين من الجزائريين عقلا وقدرة على مقاليد الأمور، فالجماهير تهب مناصبها لمن يحابيها ويداهنها، وهي بالإحساس جُبلت على الأهواء المتقلبة ونوازع الحرق، التدمير وعصيان القوانين، وليس العقل والسبب ما يرشدها كما هو مرشد للنخب الفكرية في المجتمع، وهي تبدوا لا-عقلانية إلى حدٍّ مرعب كيفما نظرتَ إليها، وكل هذا يساهم في تحوُّل الحكومات الديمقراطية إلى كوكب من المنافقين والمداهنين ولمتخصصين في التعامل مع الطبيعة السيئة للجزائريين، ولمتخصصين في تلك الطبيعة للوصول إلى المناصب.

وبالنتيجة يشمئز كل ذي عقل يفكِّر، صاحب حكمة ومعرفة أو عاقل من دخول مجالس حكوماتها.

فيديو مقال الممكنُ في الحياة السياسية لدى الجزائري

أضف تعليقك هنا