قراءة في كتاب حوادث دمشق اليومية (5) المشايخ

المشايخ

ونقصد بالمشايخ كل من يذكرهم البديري في مدونته بلقب الشيخ ومنهم شيوخ الكار (الصنعات) وشيوخ الدين من مفتين وفقهاء ومحدثين، وشيوخ الصوفية وبخاصة المجاذيب وأصحاب الحالات.

أولاً – شيوخ الصنعات (شيخ الكار)

إن دمشق كانت ومازالت مشهورة بصناعها الماهرين وهؤلاء كان لهم شيخ يسمى بشيخ الكار أو الصنعة، حيث يقوم بتنظيم امورهم ومتابعة شؤون الصناع سواء أكانوا وصلوا لدرجة (المعلم) أو لم يزالوا مبتدئين، وهو يمنح هؤلاء الصناع درجاتهم في العمل ويمنحهم الشهادات اللازمة لممارسة المهنة، والبديري في مدونته لا يذكرهم إلا في حالة وفاتهم ومن ذلك:

– يذكر لنا في عام 1155ه – 1742م وفاة الحاج أحمد الحلاق بن حشيش، ويقول: كان رجلاً صالحاً وحسن المعاشرة، وكان حلاقاً فريداً، وأنه كان يحلق للفقراء من طلبة العلم مجاناً، ويذكر أنه أستاذه ومعلمه في صنعة الحلاقة حيث تعلم الصنعة منه.

– ثم في عام 1156ه – 1743م يذكر وفاة نقيب النقباء في دمشق على الحرف والصنايع وهو عبد الرحمن بن الشيخ محمد الحلاق القادري.

– ويذكر في عام 1158ه – 1745م وفاة الشيخ الفاضل يوسف الطباخ الحلواني وقد تشرف بحلاقة رأسه فاغتنم دعاؤه.

– ويذكر في العام 1165ه – 17م وفاة ثلاث مشايخ حرف في الشام وقد ماتوا في يوم واحد وهم: الشيخ عبد القادر شيخ الحلوانية (صناع الحلويات)، والأسطة محمد البوشي شيخ الحلاقين، والأسطة محمد شيخ القاوقجية (صناع القبعات).

ثانياً – الفقهاء والمحدثون والمشايخ

والبديري في مدونته لا يتعرض بالذكر للمشايخ والفقهاء والمحدثين إلا عند وفاتهم، ولا نعلم السبب من ذلك، هل لأنهم لم يقوموا بدورهم الحقيقي على الوجه الأكمل في تحسين أمور المدينة والحد من تعديات العسكر وسلطة الولاة، أم أنهم بشكل أو بآخر كانوا شركاء في الظلم الواقع على الناس في تلك الأيام، فأغلبهم كانوا تجاراً يكنزون الذهب والفضة على حساب الناس من أمثال الشيخ أبي قميص الكردي، بينما نجد في نفس الوقت الكثير من المشايخ والفقهاء الذين قاموا بدورهم على أكبر وجه في نشر العلم والفضيلة ومحاولتهم الحفاظ على القيم المعتبرة في المجتمع الدمشقي، من أمثال الشيخ الملقب بأبي السرور والشيخ العجلوني والشيخ محمد الغزي وغيرهم الكثير، وإليكم ما ذكره البديري الحلاق:

  • يذكر في العام 1155ه – 1742م وفاة الفقيه عبد العزيز أفندي السفرجلاني وهو فقيه مهاب ووقور ومقبول عند الحكام والعام والخاص لأنه كان محباً للخير وقد نال جاهاً عظيماً لم ينله أحد من أهله قبله،
  • ويذكر عام 1161ه – 1748م وفاة الشيخ محمد المصري الأزهري الملقب بأبي السرور، ودفن بمرج الدحداح قريباً من النهر، وكان عالماً فاضلاً ديناً، ومن مناقبه كما يقول البديري أنه ما اجتمع به أحد إلا وحصل له سرور وفرح، ولو لم يتكلم، وهذا أكبر دليل على صلاح طويته، ولذلك سمي بأبي السرور.
  • ويذكر لنا عام 1162ه – 1749م وفاة الشيخ اسماعيل العجلوني محدث الديار الشامية بل خاتمة المحدثين والمدرس تحت قبة النسر بجامع بني أمية، ومن افتخرت به دمشق على سائر الدنيا، وأن أهل الشام جميعهم خرجوا في جنازته.
  • ثم يذكر البديري في عام 1163ه – 17م وفاة العالم العامل الشيخ محمد الديري، وكان يدرس بالجامع الأموي، وبعده توفي الشيخ العالم الزاهد منلا عباس الكردي وكذلك الشيخ عيسى إمام صلاة الأولى بالجامع الأموي في محراب السادة الشافعية، وكان رجلاً صالحاً حسن القراءة والصوت ويلبس دائماً ثياباً بيضاء وعمامته من صوف أبيض ودفن بالبرامكة ولم يخلف عن جنازته من أهل دمشق إلا القليل.
  • ثم يذكر في أواخر عام 1163ه – 17م وفاة الشيخ اسماعيل بن الشيخ عبد الغني النابلسي والذي مات عن ثلاثين ولداً من بنيه أولاد بنيه، وعمر سبعة وسبعين سنة، وكانت وفاته بالصالحية ودفن في دارهم التي في العنبرانية قبلي الجامع الأموي.
  • ثم يذكر في عام 1164ه – 17م وفاة الشيخ محمد أبو قميص الكردي شيخ مدرسة المرادية، وسمي بأبي قميص لكونه إذا لبس قميصاً لا ينزعه حتى يتقطع من غاية الزهد، وكان صائماً متهجداً، وخرجت في جنازته الأكابر والأعيان لاعتقادهم في صلاحه، ولما فتحت حجرته وجدوا عنده ثياباً جديدة من الكتان والكثير من المؤن كالرز والعسل والسمن، ووجدوا أيضاً قدرة مصاري وذهب وأمتعة وغيره الكثر، ويعلق البديري على ذلك فيقول: ((فانظر إلى زهد مثل هذا، فقد ذهب الصالح بالطالح)).
  • ويذكر في نفس العام وفاة الشيخ عبد اللطيف بن عبد الهادي، وهو شيخ وقور وفقيه، ويصل بنسبه لسيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه، حيث قرئ نسبه عند إقامة صلاة الجنازة عليه فكان بينه وبين عمر رضي الله عنه ثلاثون جداً.
  • ويذكر في عام 1167ه – 17م يذكر وفاة مفتي السادة الشافعية ويصفه بأنه بقية العلماء وأفصح من نطق بالعربية الشيخ محمد افندي الغزي ودفن بمرج الدحداح رحمه الله، ثم توفي الشيخ محمد بن أحمد بن سوار شيخ المحيّا والشيخ خليل بن البكري والشيخ أحمد الجلبي إمام جامع السنانية للسادة الشافعية، ويصفه مؤرخنا أنه كان إماماً في كل فن فاضلاً مباركاً.
  • ثم يذكر في عام 1170ه – 17م وفاة الشيخ ابراهيم الجباوي السعدي الشاغوري شيخ سجادة الطريقة السعدية ومتولي الجامع الأموي وتوفي أيضاً الشيخ الجليل العالم الفرضي الشيخ عبد الله البصروي الشافعي وكان علامة زمانه قي كل فن وخصوصاً علم الفرائض، وفي عام 1171ه توفي العالم العلامة خاتمة المحدثين وبقية السلف الصالحين الشيخ صالح الجنيني المحدث الكبير تحت قبة النسر في الجامع الأموي وصار له مشهد عظيم ودفن بباب الصغير.
  • وفي عام 1172ه توفي الشيخ احمد بن سوار شيخ المحيا وبعده توفي ابن عمه الحسيب النسيب الشيخ سليمان وكذلك توفي العالم العلامة مفتي السادة المالكية الشيخ يوسف افندي وصار له مشهد عظيم ودفن بمرج الدحداح.

ثالثاً – المجاذيب أو أصحاب الحالات

والبديري ابن عصره، ذلك العصر الغارق في الخرافات والخزعبلات، فقد انتشرت حالة المجاذيب بكثرة في الدولة العثمانية التي شجعت على ذلك، فتكرس الاعتقاد في الأشخاص المجذوبين وأنهم اصحاب حال ناتج عن اطلاعهم على أمور روحانية عظيمة دفعتهم للجنون، مما دفع بالمجتمع للنظر لأي شخص تظهر عليه علامات الجنون بأنه من أصحاب الحال وأنه رجل مبارك، ولربما بعض الدجالين ادعى حالة الانجذاب ومكر بالمجتمع مكراً كبيراً، مع ان دمشق وغيرها من البلدان كانت تعج بالمشايخ الزاهدين الورعين الاتقياء الأنقياء من أمثال الشيخ محمد الديري والشيخ الزاهد منلا عباس الكردي، وإليكم بعض ما ذكره البديري عن المجاذيب في عصره:

  • يذكر منهم الولي المجذوب الشيخ ابراهيم الملقب بالكيكي وكان رجلاً مباركاً، وأبوه من الصالحين، وكان في غالب وقته يدق على يديه ويميل إلى ورائه وقدامه وينادي بأعلى صوته: ولك كيكي يا غواص، ثم يذكر من كراماته أنه رأى يوماً من الأيام رجلاً يبيع علب اللبن فصاح عليه وقال : بدي علبة وصار يبكي ويدق بيديه فاجتمعت الناس وأخرجوا له علبة فقال لا أريد إلا هذه وأشار إلى إحدى العلب فأخرجوها له فأخذها وأفرغها على الأرض فإذا فيها افعى فتركها وذهب، وسبب وفاته أنه أصابه قوّاس في رجله في فتنة الانكشارية والقبيقول والقواس هو حامل البندقية، فصار يبكي ويانادي يا أبي يا غواص قرصتني زلقطة، ومات بعد ايام.
  • ويذكر أيضاً وفاة الولي الشيخ محمد جبري، ويصفه بذي الكرامات الظاهرة والأحوال الباهرة، وقد كان أحياناً يغيب وأحياناً يحضر وأحياناً يسكر، وقد كان له جماعة وتلاميذ، وقد لازمه جماعة من الفقراء يدورون معه أينما دار ويباتون حيث يبات.
  • ويذكر البديري أنه في وقت الكسوف اشتعل من تلقاء ذاته القنديل ف المزار المجاور له والذي كان للشيخ عز الدين أبو حمرة، حيث يصفه بصاحب الكرامات الكبير ويذكر أن مقامه بجامعه المعروف في باب السريجة.

فيديو مقال قراءة في كتاب حوادث دمشق اليومية (5) المشايخ

 

أضف تعليقك هنا