قراءة في كتاب حوادث دمشق اليومية (6) الحج

الحج

في مدونته حوادث دمشق اليومية يذكر البديري الحج كحدث هام في حياة أهل الشام، فالحج له طقوسه الخاصة وحيث أن امير الحاج الشامي غالباً ما يكون والي الشام وأن الحج الشامي يشمل كافة الحجيج من الشام بكافة أقطارها من حمص وحماه وحلب وطرابلس وغيرها وكذلك من ينضم إليهم من الحجاج القادمين من الأناضول وروسيا وشرق اوروبا.
وتكمن أهمية الحج في تاريخ البديري من كونه يؤرخ لمرحلة هامة تتعلق بمخاطر طريق الحج بسبب النزاعات الكبيرة التي حدثت بين القبائل العربية والدولة العثمانية، فالدولة العثمانية أفسدت علاقتها بالقبائل العربية وارتكبت الكثير من الجرائم بحق تلك القبائل، وقد كان ولاة الشام تحديداً من يقود الحملات ضد تلك القبائل وحيث أن ولاة الشام كانوا أمراء للحج فإن ذلك جعلهم هدفاً لهجمات القبائل العربية، ورويداً رويداً شعرت الدولة العثمانية بالحاجة لقيام بعض القبائل بحماية طريق الحج، فاتفقت مع كل قبيلة من القبائل بأن تحمي الطريق الواقع في منطقة سيطرتها، فكانت كل قبيلة ترافق قافلة الحج ضمن نطاقها حتى تدخل في نطاق القبيلة التالية التي تقوم بنفس الدور وهكذا… وكانت الدولة العثمانية تدفع لتلك القبائل لقاء هذه الحماية مبلغاً من المال يسمى بالصرة.

إليكم حوادث الحج كما يذكرها البديري في عصره

أولاً – المحمل

ومظاهر الحج تتجلى في المحمل الذي كان فرجة لأهل الشام، وخروجه يكون في منتصف شهر شوال تقريباً، والمحطة الرئيسية اللاحقة بعد دمشق هي المزيريب، وفرقة مزيريب الخاصة بالحج كانت تدخل الشام لأجل المحمل ويومهم مشهود دخول دمشق، حيث يقول البديري ودخلت المزاريباتية الشام.

ثانياً – إمارة سليمان باشا العطم

  • يذكر في عام 1155ه أن الحج كان بأمن ورخاء ورخص، وكان أمير الحج سليمان باشا العظم وسردار الجردة يعقوب باشا.
  • ويذكر البديري خروج المحمل الشريف من الشام في شوال من العام 1155ه بإمارة سليمان العظم ويذكر مجيء الحج الحلبي ومعهم ألف وسبعمئة حاج أعجمي، وأن الباشا أقام في المزيريب أربعة أيام ثم رحل ويذكر أن قبيلة بني صخر هي من حمل الحجاج على الجمال وقد كانت الخفارة لهم.
  • ويذكر في شهر صفر من العام 1156ه ورود خبر عن الحج الشريف وأنه غرق منهم الحسا قريباً من القطرانة، وذهب مع السيل قريباً من نصف الحاج، ثم جاءهم سيل عند وصولهم للبقاء وأخذ منهم ايضاً، فأرسل سليمان باشا العظم إلى أهل الشام ومن حواليها بأن يأتوه بعلوفة وذخيرة، فنادي المنادي في شوارع دمشق: يا أمة محمد من كان يحب الله ورسوله فليخرج لملاقاة الحجاج بالمأكل والمشرب والملبذس فخرج خلق كثير.

ثانياً – إمارة أسعد باشا العظم

  • يذكر البديري في مدونته أن الوالي أسعد باشا العظم خرج أميراً للحج طوال فترة ولايته لدمشق أي لمدة أربعة عشر عاماً، وسنقدم لكم أهم الحداث المتعلقة بالحج خلال إمارة الوالي أسعد باشا العظم، ولم يقع في ولاية أسعد باشا العظم ما يستحق الذكر سوى أن المحمل الشريف يخرج في منتصف شوال وأن الحجاج يعودون في شهر صفر من العام الذي يليه ولم يواجه الحجاج سوى بعض السيول في الحجاز التي كانت تودي بحياة البعض منهم مع بعض المواشي والابل.
  • ويذكر في عام 1164ه مجيء الكثير من الحجاج العجم وكانوا ألف وستمئة أعجمي عدا العرب والبغاددة وأنه صار جبر خاطر لعموم الناس في البيع والشراء، حيث جلبوا معهم روبيات ذهب كثيرة ولؤلؤ وأحجار كريمة ومعادن وقماش وغير ذلك.
  • ثم يذكر في شوال من عام 1165ه خروج الحجاج إلى بيت الله الحرام مؤلفاً من الركب الشامي والحلبي والأعجمي وقد سار فبلهم المحمل، ولكن بسبب فساد الطريق وتنازع القبائل العربية فقد اضطروا لتغيير طريق العودة حيث واجههم العربان وحصلت لهم مشقة عظيمة وعادوا في أواخر صفر من العام 1166ه إلى الشام.
  • ويذكر في عام 1170ه أن أمير الحج أسعد باشا العظم قد أصلح بين أهل المدينة الشريفة وبين العرب الذين حاصروها، وذلك بعدما أعطاهم نحو مئة كيس من المال فشكرته جميع الحجاج على ذلك.

ثالثاً – فاجعة الحج أثناء إمارة حسين باشا مكي

  • ثم يذكر الفجائع التي وقعت للحجاج أثناء ولاية حسين باشا مكي، حيث خرج اميراً للحج في شوال من العام 1170ه وعند العودة في المحرم من عام 1171ه خرجت عليهم بعض القبائل العربية وهاجمت قوفل الحج ونهبتهم، ويذكر البديري الحادثة بالكثير من الأسى حيث يقول: وجاء الخبر للشام أن الحج قد شلحه العرب وسلبوا أموالهم ومتاعهم، فضجت العالم وتباكت الخلق وأظلمت الشام، وبلغ الناس ورود ستة مكاتيب للمتسلم أن يخرج لنجدة الحجاج فلم يخرج، فهجمت العامة على المتسلم بالسرايا ورجموه بالحجارة، فنادى منادياً بإخراج الدواب لملاقاة الحجاج وأن يأخذوا معهم ثياب مفصلة ومخيطة ونعال وغير ذلك، فخرج خلق كثير لملاقاتهم، ثم يصف لنا البديري دخول الانكشارية المرافقين للحج إلى الشام ومعهم حجاج مركيين كل اثنين ثلاثة على دابة وهم في آخر درجة من العدم، والمنادي معهم بيده راية بيضاء ويصيح هذه راية الانكشارية، فضجت الناس بالبكاء والعويل، وكان في القافلة أم السلطان العثماني وقد سلب متاعها مثل بقية الحجاج، وأخبر الحجاج الواصلون عن الفظائع التي قام بها العرب في تشليحهم، وأنهم أقاموا أربعة عشر يوماً في الجوع والعطش لا ماء ولا زاد، ومنهم من مات جوعاً وعطشاً وبرداً وحراً، وقد شرب بعضهم بول بعض، وما زاد الطين بلة هجوم أهل معان على من تبقى من قافلة الحجاج فنهبوها مرة ثانية فوق نهب العربان، وأما الوالي حسين باشا مكي فإنه اضطر للجوء إلى غزة وقد تم عزله لاحقاً وتولية عبد الله باشا الشتجي بدلاً منه.
  • ثم بعد مدة وصل خبر إلى دمشق أن عمر المحاميد شيخ حوران وجد المحمل والصنجق عند العرب فأرضاهم واسترجعهما وفك أسر المحملجي ومن معه من الرجال، فوصل المحمل للشام وهو محمول على جمل وقد ستروه بثوبه الأخضر التحتاني ومعه محمد بشه السقباوي وبعض الفرسان من الدروز والعرب.
  • ولكن ما السبب الذي أدى لوقوع هذه الفظائع والأهوال للحجاج مع أن فترة إمارة أسعد باشا العظم للحج والتي استمرت أربعة عشر عاماً لم يحصل فيها ذلك، والآن ومن أول عام لولاية حسين مكي بل من أول شهر يحدث ذلك، أقول لأن السبب في ذلك يعود لمقدرة أسعد باشا على استمالة العربان حيث كان يقدم لهم الهدايا والنقود الذهبية ويأمن شرهم، وقد مر معنا كيف سعى للصلح بينهم وبين المدينة المنورة، كما أن الأحداث الكبيرة من فتنة الانكشارية والقبيقول قد ألهت أهل الشام عن إرسال النجدة لإنقاذ الحج، وربما يكون ذلك من تدبير أسعد باشا العظم ليظهر أنه الأقدر والأكفئ على ولاية الشام وإمارة الحج.

رابعاً – إمارة عبد الله باشا الشتجي

  • ثم يذكر أن قافلة الحج تم تأمينها خلال فترة إمارة عبد الله باشا الشتجي، وذلك أنه ضرب الكثير من العربان بين الحرمين وقتل منهم عدداً كبيراً بما في ذلك شيخ من مشايخهم الكبار، وذلك في عام 1172ه.

خامساً – إمارة محمد باشا الشالك ثم عثمان باشا

  • ثم يذكر في عام 1173ه كيف أن عثمان باشا سردار الجردة قد عمل الخيرات العظيمة في الحج فغلب بذلك محمد باشا الشالك أمير الحج ووالي الشام فقامت الدولة العلية بعزل الشالك وتعيين عثمان باشا والياً على الشام كما ذكرنا ذلك في الفصل المتعلق بالولاة.
  • ويذكر أخيراً كيف نجح عثمان باشا في إمارة الحج خلال العامين اللاحقين 1174ه – 1175ه وأن الركب الشامي كان في رحلة مريحة لم يكدرها أي تكدير.

فيديو مقال قراءة في كتاب حوادث دمشق اليومية (6) الحج

 

أضف تعليقك هنا