قراءة في كتاب حوادث دمشق اليومية (8) العادات والتقاليد

العادات والتقاليد

إن الحياة الاجتماعية في دمشق لا يتعرض لها البديري في مدونته بشكل مباشر، بل تجد تفاصيل هذه الحياة متناثرة هنا وهناك بين سطور مدونته، فهو يكتب الواقع كما هو، فإذا تحدث عن الوالي وعرضت له حالة اجتماعية تكلم بها، حتى عندما يتحدث عن الفتن أو الحج أو المناسبات كهلال شهر رمضان يتعرض للحياة الاجتماعية.

أولاً – المأكولات

لا يتحدث البديري عن المأكولات التي يتناولها أفراد المجتمع الدمشقي في عصره، إلا أن حديثه حول أسعار المواد الغذائية يمكن ان يعطينا تصوراً عن نوعية بعض المأكولات، فهو يذكر في حديثه عن غلاء الأسعار المواد التي تدخل في غذاء أهل الشام ومنها الخبز الشامي والأرز والزيت والسمن والدبس والطحينة والعسل والبيض والحمص ولحم الضأن ولحم الجاموس والبقر….

ثانياً – الأفراح

يذكر البديري في مدونته حوادث دمشق اليومية أفراح أهل الشام في أعراسهم وغيرها من الاحتفالات كالختان، والواضح أن الأعيان من أهل دمشق كانوا يقيمون الأفراح الباذخة حيث ينفقون فيها الكثير من الأموال على المأكولات وعلى المغنين والراقصات، وهذا يدل على رواج سوق المغنين والموسيقيين والراقصات.

سليمان باشا يختن ابنه

يذكر البديري أن الوالي سليمان باشا العظم قد أقام فرحاً لختان ولده أحمد بك، وكان الفرح في الجنينة في محلة العمارة، وأنه جمع في الفرح كافة الملاعب ووسائل التسلية وأرباب الغناء واليهود والنصارى، واجتمع فيه الأعيان والأفندية وغيرهم، وأطلق الحرية في الملاعب فراحوا يلعبون بما شاءوا من رقص وخلاعة وغير ذلك، ودامت الأفراح سبعة أيام بلياليها، وبعد ذلك أمر بالزينة، فتزينت أسواق الشام كلها سبعة أيام بايقاد الشموع والقناديل وكانت زينة لم يسمع بمثلها، ثم عمل موكب ركب فيه الأغوات والشربجية والأكابر والانكشارية، وفيه الملاعب الغريبة من تمثيل شجعان العرب، ثم طهر ولده أحمد بك، وأمر من صدقاته أن يطهر أولاد الفقراء وغيرهم ممن أراد، فأقبلت الناس بأولادهم، وكلما طهروا ولداً يعطوه بدلة وذهبيتين، وأنعم على العام والخاص والفقراء والمساكين، وهنا يمدحه البديري كثيراً وكأنه لا يعلم أن هذه الأموال قد سحبها من الرعية بالضرائب والمظالم.

أحد الأعيان يزوج ابنته

وفي نفس الشهر أقام فتحي أفندي الدفتري فرحاً عظيماً بمناسبة زواج ابنته من ابن أخيه، وكان فرحاً عظيماً ما عمل نظيره بدمشق، وكان سبعة ايام أيضاً كل يوم خصّه بجماعة: فاليوم الأول خصّه بحضرة والي الشام سليمان باشا العظم، واليوم الثاني للموالي والأمراء، واليوم الثالث للمشايخ والعلماء، واليوم الرابع للتجار والمتسببين، واليوم الخامس للنصارى واليهود، واليوم السادس للفلاحين، واليوم السابع للمغاني ووالمومسات وهم بنات الخطا والهوى، وقد تكرم عليهم كرماً زائداً، وأعطاهم الذهب والفضة بلا حساب، وكان قبل الفرح قد عمل تهليلة، جمع بها جميع مشايخ الطرق.

والملاحظ من ترتيب الحفلة التي أقامها فتحي أفندي أن هناك الكثير من التسامح في المجتمع الدمشقي، حيث خصص يوم لكل طائفة (يوم لليهود والنصارى) ولكل طبقة اجتماعية (يوم للمشايخ ويم للتجار ويوم للفلاحين وهكذا …..) حتى تأخذ كل طائفة أو طبقة حريتها في الاحتفال.

أحد المشايخ يزوج ابنه

ويذكر أيضاً أن الشيخ ابراهيم الجباوي متولي الجامع الأموي قد عمل فرحاً بمناسبة عرس ابنه، وامر أن تزين الأسواق بالقناديل والشموع وأن تشعل منارات الجامع الأموي وهذا ما لم يفعله أحد قبله كما يقول البديري، فهل إشعال منارات الجوامع لأجل أفراح الزواج مقبول.

ثالثاً – الملاعيب

ومن الحالات لتي تدخل الفرح والسرور على أهل دمشق كانوا أصحاب الملاعيب الذين يقدمون عروضهم في الساحات والأسواق والأزقة ويأخذون فلوساً على ذلك، ويذكر البديري قصصاً طريفة عنهم، وهي تدل على فطنة وذكاء أهل دمشق وقدرتهم على الإبداع، ومن ذلك:

اللاعب التركي

يذكر البديري أن رجلاً تركياً من أصحاب الملاعيب جاء إلى دمشق ومعه صحن من نحاس يفتله على عود ويحذفه للأعلى قدر قامتين ثم يتلقاه على العود وهو يفتله وينقله من إصبع لآخر وهو يدور، ثم صارت أولاد الشام تفعل كفعله فتعجب من ذلك، وذكر أنه دار بلاداً كثيرة ولم يقدر أحد أن يفعل مثله إلا أولاد الشام فسافر ولم يعد.

المغني التركي

ويذكر أيضاً أن تركياً جاء إلى دمشق يصفق بأصابعه ويدق برجله على الأرض دقاً محكماً ويغني بالتركي والعربي ويلم فلوساً من المتفرجين، فصارت أولاد الشام تفعل مثله وأحسن، فذكر أنه دار الدنيا ولم يتعلم هذه الصنعة سوى أولاد دمشق واندهش من ذكائهم.

ملاعيب السيما

ويذكر البديري في ولاية عثمان باشا سردار الجردة أن قبجي جاء من الباب العالي وأمر بالزينة العظمى، ونادى عثمان باشا أن من عنده لعبة ولو كانت من الطين أو الخشب أو عنده معرفة بأبواب السيما والتي تسمى بالملاعيب فله عندي الإكرام الزائد، والسيما كلمة تعني عرض الألعاب وربما جاءت كلمة السينما منها وفي اللهجة المصرية المحكية يقولون عن السينما سيما، ويبدو أن هذه الألاعيب أشبه بالمهرجانات في وقتنا الحالي، حيث يذكر البديري أن العروض قامت بكل أنواع الملاعيب، وقد عمل في ذلك جميع العاملين في الصنائع والحرف، فكانت المواكب مدهشة جداً، فمنهم من لبس الأسلحة والدروع الفاخرة ومنهم من لبس الثياب المثمنة المنوعة، وقد صارت زينة لم يسمع بها من قبل على حد قول البديري.

رابعاً – الغناء والطرب

يتضح لنا من حديث البديري أن الغناء والطرب الأصيل كان منتشراً في دمشق إلى جانب الغناء الشعبي والراقص، ولكن ما يلفت النظر في مدونته أن هناك عروض للموسيقى فقط، وأن أصحاب هذا الفن يقدمون عروضهم بشكل محترم في المقاهي العامة، وأن أبناء دمشق يأتون لتلك المقاهي ويستمعون لهم، ويذكر أن غالب الموسيقيين كانوا من اليهود والنصارى، ومن ذلك حديثه عن وصول ثلاثة يهود إلى دمشق قادمين من حلب، وأنهم يمتلكون مهارة في ضرب آلات الطرب بأحسن النغمات، فصاروا يشتغلون في قهاوي الشام، ويسمعهم الخاص والعام.

فيديو مقال قراءة في كتاب حوادث دمشق اليومية (8) العادات والتقاليد

أضف تعليقك هنا