مسافر في أغسطس

رأيته في صورته لأول مرة …. قد انتشر الصلع رأسه، يحيط بها شعر بسيط من جوانبه، بضحكة عالية تملأ شدقيه، تخرج ويخرج معها غل لا حدود له، وحقد لا حد يوقفه، يضحك ويقهقه بصوت أوقف كل حواسي، وشل كل مشاعري وأحاسيسي، فلم أعد أملك القدرة على شيء، بوجه قبيح قمئ، قد نزع منها أقل علامات البراءة أو اللطف، وكأن دم وجهه قد سحب منه، فتراه باهتًا باردًا أو صفه كما شئت، فما تصفه تجده فيه.

أفزعني أرهبني أخافني 

أفزعني …. أرهبني …. أخافني …. لكن ذلك كله لك يكن شيئًا فيما فعل …. مد يده فإذا هما حمراون من شدة ما تلطخت به من لون أحمر يشبه الدم – أتحدث إلى نفسي – لا بل هو الدم قانيًا، أشار إلى بيمناه فإدا به يمسك قلمًا لا يقل في لونه عن لون يده، لكني لم أر قلمًا مثله من قبل قط …. قلمًا لا يكتب إلا بالدم …. حبره من الدم …. حار مثل الدم …. لونه أحمر مثل الدم …. حروفه … كلماته …. عباراته …. خطابه …… نظرته …. ابتسامته …. ضحكاته…. كلها من الدم …

سألني هل رأيت صاحبك؟

قال مخاطبًا إياي: أرأيت صاحبك؟؟؟؟!!!! قلت: ما به؟ فإني والله لا أرى الخير في وجهك، ولا البشر في عينيك، فوجهك وجه بومة، وفمك فم شؤم لا يخرج منه الخير أبدًا …. ماذا عنه؟ ما به؟ ما جرى له؟ أجابني بكل بلادة، ورد عليَّ غير عابئ بخوفي وقلقي والرعب الذي تملكني، قال: قد كتبت اسمه، قلت أين؟ ولمَ؟ ما الذي تقصده؟ لم أفهم؟ قال: كتبت اسمه بهذا… نظرت فإذا قلمه يتقاطر منه الدم، ويده قد ملأها الدم بل سيل منها أشار بها فإذا بسجل مفتوح واسم صاحبي أعلاه:”…………”.

رأيت صاحبي كالبدر مشرقاً

ساعتئذ …. وبرغم الدم الذي رأيت، والحقد والغل الذي ملأ وجهه، والرعب الذي كان قد تملكني، والخوف الذي كان قد أحاط بي …… برغم ذلك كله قد شممت من الدماء التي ملأت المكان رائحة أطيب من ريح المسك وطيبًا فاح شذاه في المكان كله، وبدت صورة صاحبي كالبدر مشرقًا،

وإذا باسمه كأنه حبات من لؤلو انتظمت بجوار بعضها البعض في نظم فريد لتشكل اسمه -تحت صورته وهو يرتدي بزته الرسمية على مكتبه في مقر عمله بالجامعة أستاذًا للبلاغة والنقد الأدبي- فقمت منتفضًا من نومي، وأزلت الغطاء عن رأسي، فإذا بي أسمع صوت الناعي ….ينعي إلىَّ خبر لحوقه بالرفيق الأعلى ….. وهو ينادي: مسافر في أغسطس …. إن صاحبك قد عاد إلى مثواه الأخير.

فيديو مقال مسافر في أغسطس

 

أضف تعليقك هنا