الأثر الأريسطي في البلاغة والنقد العربيين حتى القرن الخامس هجري

بقلم: عبدالله الزياني

الأثر الأرسطي في البلاغة والنقد العربيين حتى القرن الخامس هجري

الكاتب : عبدالله الزياني / المغرب

النقد والبلاغة

تعد قضية التأثير الأرسطي في النقد والبلاغة العربيين، من أكبر القضايا التي عرفها النقد العربي الحديث؛ فهذه القضية قد ألفت فيها كتب كثيرة خلال القرن العشرين ومطلع القرن الواحد والعشرين . رغم الترجمة العربية لكتب المنطق والفلسفة.خاصة كتابي أرسطو ” فن الشعر ” و” الخطابة”. فقضية التأثير الأرسطي في البلاغة العربية مازالت عالقة بين النفي والقبول ، رغم أن أول ترجمة لكتب أرسطو السالفة الذكر كان خلال القرن الثاني الهجري على يد يونس بن متى .لكن التأسيس الفعلي للبلاغة العربية كان مع عبد القاهر الجرجاني بكتابيه:  ” أسرار البلاغة ” و”دلائل الإعجاز “ . يقول  الدكتورعباس أرحيلة:  “إن الحضارة العربية الإسلامية كانت منفتحة على معطيات الحضارات السابقة بصرف النظر عن مصدرها “[1].

الأدب العربي

يعد عميد الأدب العربي طه حسين المتوفى عام 1973 أول من أثار قضية التأثير الأرسطي في الأدب العربي  خلال القرن العشرين ببحثه . ” البيان العربي من الجاحظ إلى عبد القاهر “، والذي ألقاه في سبتمبر سنة 1931 بمدينة ليدن بهولندا. في المؤتمر الثاني عشر لجامعة المستشرقين، وقال: طه حسين. ” أن أرسطو كان المعلم الأول للمسلمين في علم البيان “[2]. بهذا يكون طه حسين قد أتى بما لم يأت به الأوائل من عرب ومستشرقين . ” في الوقت الذي كان سائدا بين البلاغيين العرب، وعلماء اللغة والأدب أن البلاغة العربية كانت أصولها ومنابعها عربية، ومفاهيمها ومصطلحاتها. هنا أشير إلى صحيفة بشر بن المعتمر . لكن ” فمنذ نهاية الثلث الأول من القرن العشرين أشار بعض الباحثين إلى وجود عناصر غير عربية في موروثنا البلاغي والنقدي استخرجوا بعضها، ولفتوا انتباه غيرهم إلى ضرورة تعميق هذا الجانب من البحث لتتم لنا صورة النظرية الأدبية عند العرب بالوقوف على مجمل روافدها “[3] .ومن بين الذين أثاروا هذه القضية خلال القرن العشرين إلى جانب طه حسين، نجد أمين الخولي قد أسهم بقسط في هذه القضية . ” فأمين الخولي حاول  إثبات التأثير بالوقوف عند مؤلفات الرجل على الدليل المادي فرأى أن إشارته مرتين متتاليتين إلى ’’ أهل الخطابة ونقد الشعر’’ دليل على أنه ينسب الطريقة البلاغية لأهل الخطابة “[4] .أي أرسطو وأفلاطون الذي عرف بفن الخطابة في اليونان القديمة، هذا ما جعل أمين الخولي يقر بوجود نفسٌ بلاغي ونقدي في الأدب العربي. فليس هناك جدل في صلة الثقافة العربية بباقي الثقافات المجاورة لها؛ وعلى رأسها الثقافة الفارسية، والرومانية، واليونانية. وقد اعتبر بعض الباحثين العرب، ” أن كثيرا من القوانين والمبادئ  التي  تتركز عليها  نظرية  الخطاب  عند البلاغين، خاصة  المعتزلة، كمفهوم:  ’’ المنفعة ’’ وربط ’’ المقام بالمقال ’’ ومراعاة ’’ مقتضى الحال ’’ أجنبية يمكن ردها إلى السوفسطائيين، وإلى طريقة سقراط في توليد المعاني “[5] .

قضية التأثير والتأثر

هكذا تكون قضية ’’ التأثير والتأثر ’’ قد أخذت منحى غير المنحى الذي ظهرت عليه ، بالرجوع إلى تاريخ الأدب العربي قراءة ونقدا. لكن ما قيل ويقال في هذه القضية لم يرض أحد الطرفين، فهل هناك تأثير  في البلاغة والنقد العربيين؟ أم أن ذلك لا يعدو أن يكون مجرد حبر على ورق؟. وهناك من رفضه جملة وتفصيلا، لكن لا يمكننا الحديث عن هذه القضية خارج حضور دور الفلاسفة العرب الذين أسهموا بدورهم في ربط الصلة بين الحضارتين الغربية والعربية، كما عملوا على  ترجمة أو إعادة  ترجمة وتلخيص  كــتب  أرسطو  السالفة  الـــذكر ’’ فن الشعر ’’  و ’’ الخطابة ’’ لكن، ” لو وجد هذا الحكيم أرسطو في شعر اليونانيين ما يوجد في شعر العرب؛ من كثرة الحكم والأمثال والاستدلال واختلاف ضروب الإبداع في فنون الكلام لفظا ومعنى، وتبحرهم في أصناف المعاني وحسن تصرفهم في وضع الألفاظ بإزائها، وفي إحكام مبانيها واقترانها،  والتفاتاتهم و تتميماتهم  واستطراداتهم، وحسن مآخذهم ومنازعهم، وتلاعبهم بالأقاويل المخيلة كيف شاءوا، لزاد على ما وضع من القوانين الشعرية “[6] .وهناك من لم يستسغ قضية التأثير الأرسطي في البلاغة والنقد العربيين، ولم يسلم بها جملة وتفصيلا ومن بين هؤلاء عباس أرحيلة في كتابه  ’’ الأثر الأرسطي في النقد والبلاغة العربيين إلى حدود القرن الثامن الهجري ’’، يقول: ” وأستطيع القول إني لم أجد تأثيرا أرسطيا في النقد والبلاغة العربيين إلا ما كان له من أنفاس منطقية عند ما يحلو لهم أن يجعلوا الجملة البلاغية قضية استدلالية. وأرى إشكال التأثير ترك ندوبا في وجدان المثقف العربي في العصر الحديث. لقد شككه في أصالة أمته ورسخ في وجدانه التبعية لأرسطو في القديم ولحفدته في الحديث. والغريب حقا أن يقع إهمال الرصيد النقدي والبلاغي الذي أنجزه العرب في تاريخهم الثقافي بضخامته وتنوعه وامتداداته، ولا يلتفت الغربيون إلا ما قاله أرسطو. ويقوم أبناء ينتمون إلى حضارة المسلمين ليخرجوا ذلك الرصيد من جبة أرسطو “[7] .

المراجع

[1]  – عباس أرحيلة ، الأثر الأرسطي في النقد والبلاغة العربيين إلى حدود القرن الثامن الهجري ، ص 41  .

[2]  – عباس أرحيلة ، مجلة عالم الفكر ، العدد 2 المجلد 32 ، 2003 .

[3]  – حمادي صمود ، مرجع سابق ، ص 60 – 61 .

[4]  – انظر ، أمين الخولي ،مناهج تجديد ، ص 154 – 155 .

[5]  – انظر ، إبراهيم سلامة ، بلاغة أرسطو بين العرب واليونان ، ص 31 – 37 .

[6]  – انظر منهاج البلغاء وسراج الأدباء ، ص68 – 69 .

[7]  – عباس أرحيلة ، مرجع سابق ، ص 727 .

 

بقلم: عبدالله الزياني

أضف تعليقك هنا