إدارة النفايات بين الشمال والجنوب

بقلم: سامية بن يحي

إدارة النفايات بين الشمال والجنوب

هل سيشهد الجنوب العالمي نهجا أخلاقيا؟

الإنسان والبيئة

منذ أن أدرك الإنسان مدى تأثيره على البيئة خلال السبعينيات، اقترح المجتمع البيئي بعض الحلول، مثل الأنظمة والإعانات والضرائب والحصص، وما إلى ذلك،  والغرض من كل هذه التدخلات هو إجبار المنتجين والتجار والمستهلكين على مراعاة الأضرار البيئية التي يسببونها، حيث ينتج العالم سنويا وفق تقرير صدر عن برنامج الأمم المتحدة للبيئة UNEP عام 2009، في دراسة بعنوان “نحو اقتصاد أخضر”  أكثر من 3 مليارات طن من النفايات، يتوقع أن تصل هذه الكمية إلى ما يزيد عن 13 مليار طن عام 2050.

النفايات ونقلها 

وتعتبر اتفاقية بازل  22 مارس 1989 بشأن التحكم في نقل النفايات الخطرة عبر الحدود وإزالتها، من حيث المبدأ، جزءا من نهج الأخلاقيات البيئية، الذي يحظر، استيراد النفايات الخطرة من البلدان الصناعية، والتخلص منها في البلدان النامية ، حيث تضع هذه المعاهدة الدولية إجراء يتضمن متطلبات صارمة مثل موافقة البلد المتلقي على أي نقل  للنفايات الخطرة عبر الحدود، كما جاء في بندها الرابع : “وإذ يعي روح ومبادئ وأهداف ووظائف الميثاق العالمي للطبيعة الذي اعتمدته الجمعية العامة للأمم المتحدة في دورتها السابعة والثلاثين عام 1982 كقاعدة أخلاقية فيما يتعلق بحماية البيئة البشرية والحفاظ على الموارد الطبيعية “وأكد على انه يجب أيضا أن تأخذ بعين الاعتبار الأحكام الأخرى من الديباجة التي تحتفظ بنقل التوافق مع حماية صحة الإنسان والبيئة  بغض النظر عن مكان يتم التخلص من النفايات ضمن الإدارة السليمة بيئيا لهذه النفايات والالتزامات الدولية للدول في مجال حماية البيئة، والتكيف مع الدول الأفريقية في إطار اتفاقية باماكو من 30 جانفي 1991 التي تقضي بفرض حظر على الواردات من النفايات الخطرة ومراقبة انتقالها عبر الحدود، والتي تميل لحظر جميع الواردات من النفايات الخطرة إلى أفريقيا والتحكم في نقل النفايات عبر الحدود بين الدول الأطراف في الاتفاقية.

مخاطر النفايات على البيئة

رغم هذا يبرز الإخلال بالأخلاقيات في السياق الخاص بنقل النفايات على التوزيع الانتقائي للمخاطر البيئية بين سكان الشمال ومجتمعات الجنوب ، من خلال تصدير المخاطر من منطقة إلى أخرى، وهو أمر لا مفر منه أمام  التزام القانون الدولي الصمت المتواصل – وبالتالي على المجتمع الدولي ابتكار علاقات متوازنة بين الشمال والجنوب.

ليبقى السؤال مطروحا: هل سيشهد العالم نهجا أخلاقيا في ادارة النفايات؟

في هذا السياق ، فإن الإنصاف هو أساس التضامن المرتبط بـ: عمليات نقل النفايات ، وفي مقدمتها مبدأ الاستقلال الذاتي ، حيث يجب أن يكون لدى البلد المتلقي من دول الجنوب العالمي القدرة على تقييم المخاطر التي تشكلها النفايات الخطرة،  كحق يتم إرساله إليه ، وكذلك حق رفضه ، بمعنى أن الدول يجب أولا وقبل كل شيء أن تكون قادرة على تقييم فعالية الكميات والصفات من النفايات التي تهدف إلى تلقيها بالمقابل ، يمكن الرفض اذا كانت تشعر أن ليس لديها القدرة التقنية للإدارة السليمة بيئيا لهذه للنفايات.

ضرر النفايات على البيئة

اذن وفق منطق سلسلة صنع القرار، ينطوي بالضرورة على وجود أخصائيين على المستوى المحلي يكونون في وضع يسمح لهم بتقييم هذه القدرات وقياس العواقب البيئية والصحية الناتجة عن معالجة هذه النفايات من قبل الدول، و يؤدي تراكم عدم المساواة الاجتماعية والايكولوجية الى تحليل قانوني لعدم المساواة في موقع الصناعات الملوثة، و الجودة البيئية في العلاقات بين الشمال والجنوب، خاصة فيما يتعلق بشحنات النفايات.

مهمة الدولة 

وبالتالي يجب على سلطات الدولة المرسلة أن تكون في وضع يسمح لها برفض التحويل رسميا ، بافتراض أنها على علم تام بالتحويل وطبيعته ، وقبل كل شيء ، بقدرات الإدارة -في الدولة المستقبلة- من الرفض حتى لو كانت هذه الدولة لها مصلحة اقتصادية وبيئية في وجود النفايات المعنية ثم يستند الإنصاف على علاقة ثلاثية “الشاحن – حالة الإرسال – حالة الاستلام والمعالجة” ، على أساس الشفافية والمسائلة، و على الرغم من أن هذه المسؤولية تستند إلى نهج أخلاقي، إلا أنها لا يمكن أن تظل أخلاقية فقط ، مبررة بذلك أنها منظمة  في إطار اتفاقية بازل لضمان ظروف النقل على وجه الخصوص.

القانون والعدل

هناك مبدأ أخلاقي آخر قابل للتطبيق أيضا والذي يقوم على أساس النهج القانوني لإدارة النقل يتمثل في العدالة التوزيعية، وهذا يستدعي التوازن في المشاركة والمخاطرة بين أولئك الذين ينقلون ويستفيدون منهم ، والذين يعانون منهم والذين يجب أن يستفيدوا منهم في ظروف إنسانية ومقبولة بيئيا، وهذا يرتكز على تحقيق التوازن ليس فقط في الفوائد الاقتصادية على المدى القصير لهذه الاتفاقات مما يؤدي إلى قبول النفايات الخطرة ، ولكن أيضا الضرر في المدى الطويل على البيئة والصحة البشرية، ويفرض التقليل قدر الإمكان من المخاطر المختلفة  في نهج الوقاية ، مما يجعل الدول الملاحية مسؤولة في كل شيء.

تقليل كمية النفايات

وإذا كان هذا النهج ينطوي على البحث عن تقليل كمية النفايات وخطرها عند المصدر ، فإنه ينطوي أيضا على نقل التكنولوجيات من أجل الحصول على إمكانية ونوعية المعاملة المنصفة في البلدان المعنية، كما هو الحال في بلدان الشمال ، مما يجعل من الممكن التناسب بين المخاطر و “التعويض” عن عواقب التحويلات، وهذا ينم عن  كثير من العناصر والمشاكل التي تترجم اتفاقية بازل والنصوص المشتقة التي تسمح بفهم الإنصاف في معظم نتائجها القانونية اتجاه النفايات المحددة أثناء النقل.

من زاوية أخرى قد  تكون صادرات النفايات التي تنتجها البلدان الصناعية إلى البلدان النامية ميزة بالنسبة للبلدان المنتجة التي تسهل الاستعانة بمصادر خارجية لتكاليف التخلص من النفايات ، في ضل معاناة هذه البلدان النامية من عدم تشجيع تطوير عمليات التصنيع في المجتمع الدولي، والمجتمع البشري.

اتفاقيات إفريقيا

في الأصل ، كانت اتفاقية بازل ليبرالية بما فيه الكفاية من حيث التحكم في شحنات النفايات وهو ما جعل البلدان الأفريقية على سبيل المثال تنشأ اتفاقية باماكو عام 1991 بهدف معالجة الشواغل التي لم تتناولها اتفاقية بازل، حيث  تهدف اتفاقية باماكو ، التي دخلت حيز التنفيذ في عام 1998 إلى حماية صحة السكان والبيئة في البلدان الأفريقية عن طريق حظر استيراد جميع المنتجات الخطرة والنفايات المشعة، كما يحظر إلقاء النفايات الخطرة أو ترميدها في المحيطات والمياه الداخلية، ويشجع الحد من التحركات عبر الحدود للنفايات الخطرة، والتحكم فيها في القارة الإفريقية، و تهدف الاتفاقية أيضا إلى تحسين وضمان الإدارة السليمة بيئيا ومعالجة مختلف النفايات الخطرة في القارة السمراء ، فضلا عن تعزيز التعاون بين الدول الأفريقية.
وقد عقد المؤتمر الأول للأطراف (COP-1) لاتفاقية باماكو في الفترة من 24 إلى 26 يونيو 2013 في باماكو ” مالي”. ومن نتائج هذا المؤتمر بيان وزاري يؤكد فيه وزراء البيئة الأفريقيون عزمهم “على منع أفريقيا من أن تصبح نفايات سامة من خلال التنفيذ الفعال للاتفاقية وتضمنت الاتفاقية على أن مبدأ استيراد النفايات الخطرة إلى إفريقيا يعد جريمة ضد الإنسانية وتعهد الوزراء “بتشجيع التدابير للتغلب على العقبات التي تحول دون الإدارة الفعالة والحد من النفايات في أفريقيا من خلال معرفة أفضل بسيناريوهات إدارة النفايات لمنع التأثيرات الضارة على الصحة والبيئة ، وهو ماعبر عنه إبراهيم ثياو نائب المدير التنفيذي لبرنامج الأمم المتحدة للبيئة قائلا “إن مسؤوليتنا الجماعية هي حماية مجتمعاتنا من العواقب البيئية والصحية المترتبة على إلقاء النفايات الخطرة”. “يمكن أن يؤدي إنشاء شراكات إقليمية بين القطاعين العام والخاص إلى إنشاء هياكل أساسية مناسبة لإدارة النفايات الخطرة المنتجة في أفريقيا لقد قادتنا التجارب إلى إنشاء هذه المعاهدات الدولية بشأن النفايات الكيميائية ، ويجب علينا معا أن نضمن استمرار احترامها.

إدارة النفايات

لذلك من المهم اعادة النظر في عملية إدارة النفايات، و التمييز بين الظروف في الشمال العالمي والجنوب العالمي، حيث تشير الأرقام الأخيرة لمنظمة العمل الدولية لسنة 2019 إلى أن 24 مليون شخص حول العالم يشاركون في قطاع إعادة تدوير النفايات غير الرسمي أي 80٪ منهم من يلتقطون النفايات، و 1٪ من سكان الحضر في البلدان النامية يحققون دخلهم الأساسي من خلال أنشطة إدارة نفايات القطاع غير الرسمي، وفي أمريكا اللاتينية وحدها يكسب  من 4 إلى 5 ملايين من ملتقطي النفايات مصدر رزقهم كجزء من سلسلة التوريد العالمية القابلة لإعادة التدويرما يخلق قضايا لوجستية تؤثر على الصحة العامة والبيئة.

البلاستيك الأمريكية 

وحسب احصائيات صحيفة الغارديان لسنة 2018  تم تصدير ما يعادل 68000 حاوية شحن لإعادة تدوير البلاستيك الأمريكية من الولايات المتحدة – البلد الاول في العالم في انتاج النفايات- إلى البلدان النامية التي تدير أكثر من 70 ٪ من نفاياتها البلاستيكية الخاصة، لذا فان عدم وجود إدارة فعالة للنفايات في البلدان النامية يعرض نظام إدارة النفايات الصلبة في أي دولة نامية إلى مجموعة من المشكلات بما في ذلك التغطية المنخفضة للجمع وخدمات التجميع غير المنتظمة ، والإغراق في الهواء الطلق وحرقه دون السيطرة على تلوث الهواء والماء.

الأمن والسلام

بالمقابل لا يزال التخلص الآمن والسليم من النفايات التي تحتوي على مكونات خطرة مثل النفايات الإلكترونية يمثل تحديا للعديد من البلدان الصناعية، وفي كثير من الحالات  تفضل هذه البلدان شحن النفايات إلى الدول النامية بدلا من التعامل مع تكلفة وصعوبة التخلص السليم من النفايات، حيث لا تزال الممارسة غير القانونية مستمرة، على سبيل الأمثلة نجد حسب احصائيات منظمة السلام الأخضر Green peace وشبكة عمل بازل سنة 2018 تصنف غانا هي إحدى الدول التي تدفن فيها النفايات الإلكترونية من جميع أنحاء العالم، ويلقى في الفلبين ما يصل إلى50 حاوية شحن مليئة بالقمامة قادمة من كندا، وفي نيجيريا كل يوم تتلقى مدينة لاغوس الساحلية ما يقدر بنحو 15 حاوية شحن مليئة بالإلكترونيات المهملة، وتصل النفايات الإلكترونية الأوروبية إلى نيجيريا بشكل غير قانوني ليتم بيعها “كبضائع مستعملة”، وفي الصين تقوم  بتصنيع الكثير من الأجهزة الإلكترونية ، والعديد منها  يتم شحنها مرة أخرى كنفايات إلكترونية على الرغم من الحظر المطبق ، كما أن الكثير من النفايات الأوروبية بما في ذلك المعادن والمنسوجات والإطارات ينتهي بها المطاف في الهند إلى جانب الكثير من النفايات الإلكترونية غير القانونية.

النفايات البلاستيكية

ووفقا لشبكة عمل بازل أيضا، لا يزال يتم إرسال أكثر من 500000 جهاز كمبيوتر مستخدم إلى باكستان كل عام من الدول المتقدمة بما في ذلك سنغافورة والولايات المتحدة الأمريكية وعدد قليل من الدول الأوروبية ، على الرغم من أنها في انتهاك واضح للقوانين الدولية.
وتتمتع بنغلاديش بتاريخ حافل من كونها أرضا لكل شيء، بدءا من النفايات البلاستيكية وزيت النفايات ونفايات الرصاص والبطاريات المستعملة من مختلف البلدان وفقا لدراسات أجرتها منظمة البيئة والتنمية الاجتماعية،حيث يتعرض أكثر من 83 ٪ من الأطفال العاملين لمواد سامة تتعلق بإعادة تدوير النفايات الإلكترونية في بنغلاديش. نتيجة لذلك يموت أكثر من 15 ٪ من هؤلاء الأطفال كل عام..

النفايات الإلكترونية

في الآونة الأخيرة ، كشفت شبكة عمل بازل أيضا أن شركات إعادة التدوير في الولايات المتحدة حاولت تصدير النفايات الإلكترونية بطريقة غير مشروعة إلى جنوب إفريقيا.
نافلة القول لا تزال الجهود ضئيلة من قبل دول الشمال العالمي في تحقيق عدالة حقيقية بينها وبين دول الجنوب العالمي في مسألة ادارة النفايات، ليبقى ظاهر التنمية المستدامة نهجا أخلاقيا يصعب تجسيده على أرض الواقع، لأن باطنه يخفي مصلحة الدول المتقدمة في ابقاء الدول المتخلفة دون نمو عن طريق التحكم في ثرواتها تكنولوجيا، وجعلها سوقا لكل شيء.

بقلم الباحثة سامية بن يحي ، تخصص إدارة دولية، جامعة باتنة 1 – كلية الحقوق والعلوم السياسية – باتنة – الجزائر

البريد الإلكتروني :   [email protected]

 

بقلم: سامية بن يحي

أضف تعليقك هنا