الرسالة الثالثة

بقلم: عبد الحق مفيد

استهلال

وجدت هذه الرسائل في محفظة قديمة. ربما من جمعها كان عاشقا للرسائل.كتابها متعددون وأزمنتها مختلفة. يبدو ذلك من اختلاف الخط والتواريخ. نعيد نشرها لنطلعكم كيف كان وهج الرسائل بين حبيبين للإشارة فقط هذه الرسائل حقيقية وليست متخيلة.

الرسالة التالثة:

حبيبتي

مازال المطر يهطل بغزارة, لكن الموج الذي كان يهز مركبنا الليلة الماضية قد هدأ قليلا. الخروج من عاصفة بحرية هو بمثابة ولادة جديدة ..احتاج الأمر لكثير من المناوراة من الربان. ومن الصلوات منا نحن العابرون. كل كان يدعو ربه في عليائه. فهناك يهود ومسلمون وعقائد أخرى. لكن مصيرنا كان واحدا. لقد أدركت أن الرب لا يمكن أن يكون إلا واحدا وهو من نتوجه اليه كلنا على اختلافنا بصلواتنا.

الآن عرفت لماذا سمي البحر ببحر الظلمات

لم أكن أعرف أن الرحلة عبر المحيط الأطلسي ستكون طويلة هكذا و بهذا القدر من المجازفة والخطورة. أفهم الآن لماذا سمي هذا البحر ببحر الظلمات. على كل من يبحر فيه أن يتوقع أي شيء. لقد اقتربنا من الشاطىء الشرقي لأمريكا. وكنت وعدتك أن أبعث لك برسالة حالما تطأ قدماي الأرض وهو أول شيء سافعله بعد أن أسجل نفسي في قائمة المهاجرين الجدد لهذا الحلم الأمريكي.

منذ اسبوع التقيت في المركب مع فريديريك وهو من أب اسكتلندي وام عربية، يجيد التحدث باللغة العربية واقترح علي التوغل غربا نحو مناجم الذهب. قال لي أن هناك جبالا منه لا تحتاج إلا لسواعد لإستخراجها .لا أعرف ان كان علي أن أذهب معه او أكتفي بعمل بسيط على الساحل الشرقي لكي أؤمن لكم انت وطفلينا رحلة من بلدتنا الى هنا.؟ سأصلي و أدعو الرب يسوع كي ينير لي الطريق الذي علي أخذه.. ستكون مشيئته كما أراد.

لا تنسي أن تصلي من أجلي

لو لم تستمر موجة الجفاف التي أصابت حقولنا وماشيتنا كل هذه السنوات لما فكرت في الهجرة الى هنا. لكن خمسة سنوات من القحط ومن محاولة التغلب عليه قد انهكتنا جميعا..هل تذكرين الصيف الذي أقمنا فيه عرسنا ؟ كان محصوله استثنائيا بكل المقاييس .وعرسنا كان كذلك. الكل تحدث عن عرس ابن مختار القرية وابنة حارس الدير. ما زلت أذكره وكأنه البارحة. كنت أجمل عروس. الكل كان يشهد بذلك. بل كانوا يتساءلون أيضا كيف تجتمع الأخلاق العالية والتربية الصالحة والجمال الأخاذ في شخص واحد. الملائكة وحدهم من يحضون بهذا الشرف. لكن الرب اذا شاء فعل ما يشاء.

أنتِ نصيبي الذي يسعدني

أنت مشيئته ونصيبي الذي يسعدني. وسعادتي لن تكتمل بوصولي الى هنا الا بالتئام شملنا من جديد. أنا متأكد بأن دعواتك لي هي من رافقني في هذه الرحلة وهي من أنجى كل من في المركب لأنني كنت على متنه.

حبيبتي البعيدة والقريبة الى وريدي

حبيبتي البعيدة والقريبة الى وريدي والمستوطنة لقلبي وكياني كيف لي أبث اليك كل أشواقي عبر هذه الورقة ؟ لو فعلت ذلك دفعة واحدة لرأيت هذه الكلمات تحترق من لهيب تطلعي اليك. حتما لن تحتمل..بدأ المركب يطلق ابواقه ايذانا بقرب رسوه على رصيف الميناء. هو الآن يقترب من الرصيف ويقترب من حلمنا أن نطأ ارضا جديدة. يقال أن هذه الارض ستكون الأقوى بين الأمم لأنها محملة بآمال وأحلام من يأتي اليها.

لا تنسي ان تقبلي طفلينا

لا تنسي ان تقبلي طفلينا وان تبعثي ايضا بقبلاتهم إلي .حالما تصلك رسالتي قومي بالرد على العنوان الذي ستجدينه في نهاية الرسالة .هو عنوان لوكالة تدبر البريد مقابل عمولة علي دفعها. هنا كل شيء بمقابل كما قيل ليسأتوقف الآن عن الكتابة استعدادا للنزول الى اليابسة التي لم تطأها قدماي منذ أشهر هاهو العالم الجديد يستقبلني وكل أملي أن يستقبلكم أيضا عما قريب.

بقلم: عبد الحق مفيد

 

أضف تعليقك هنا