الرسالة الرابعة

بقلم: عبد الحق مفيد

استهلال:

وجدت هذه الرسائل في محفظة قديمة، ربما من جمعها كان عاشقا للرسائل.كتابها متعددون وأزمنتها مختلفة، يبدو ذلك من اختلاف الخط والتواريخ. نعيد نشرها لنطلعكم كيف كان وهج الرسائل بين حبيبين للإشارة فقط هذه الرسائل حقيقية وليست متخيلة

الرسالة الرابعة:

حبيبتي
لا تتفاجئي ،ما زلت حيا، والدليل هذه الرسالة بين يديك، لا أعرف كم من الوقت مر حتى الآن على اختفائي.. ضاع مني الإحساس بالزمن، وأخمن أنك بحث عني كثيرا بين السجون والمعتقلات على امتداد هذا الوطن ولم تجديني لأن هذا المعتقل سري.
لدي عشر دقائق لأحرر رسالة، لقد تعاطف معي أحد الحراس.. قال لي أنه كان أحد المعجبين بمقالاتي واقترح علي قلما وورقة وقال لي “اكتب رسالة. و ضع العنوان. سأتكفل بإيصالها لأهلك. هذا هو كل ما يمكنني فعله. لكن أرجوك أسرع لا وقت لدينا”
لا تسأليني اين أوجد. لأنني لا أعرف .لكن من خلال صوت الريح وجفاف الجو أخمن اننا في مكان ما بالصحراء الشرقية. لقد تكلمت بصيغة الجمع لأن هناك مختطفين غيري مع أنني في زنزانة انفرادية..

اللحظات الأخيرة

سأخبرك الآن عن أخر اللحظات قبل الاختطاف . بعد أن أنهيت مقالتي اليومية وراجعتها ووضعتها أمام مكتب رئيس التحرير ما زحني هذا الأخير بقوله” الا ترى أنك أصبحت مؤخرا تستعمل مدفعية ثقيلة ولم تعد تكتفي برصاصات قلم؟” أجبته “من أجل وطني وحبه مباح لي أن أستعمل أي شيء”.. بعد ذلك انصرفت ونزلت عبر الدرج متوجها للمقهى الذي تعودت الذهاب له صباحا. وانا في الطريق اعترض سبيلي رجل. كان يضع نظارات شمسية سوداء ببدلة وربطة عنق من نفس اللون. سألني” هل أنت علاء رجب؟” سألت “من سيادتكم؟” أجاب” أمن الدولة لدينا أمر بإحضارك.” وعندها اندفع اثنان من سيارة مركونة بالشارع وسحبوني اليها دون أن يتركا لي فرصة للإحتجاج أو الإستنجاد…

يوم الحرية

وبعدها لا شيء سوى الظلام.. حتى وجدت نفسي هنا. اعذريني حبيبتي؛ لن أحدثك عما يحدث هنا وعن الانتهاكات والفظاعات التي ترتكب .لكن حقيقة انا آسف لأنك تفقدين الآن زوجك بعد ان فقدت أباك وانت ابنة الرابعة عشر من عمرك ودائما من أجل هته الأرض التي قدر لنا ان نهبها حياتنا من أجل تحررها.
ليلا حين يطبق الصمت على المكان أعيد تشغيل مشهد لقاءنا الأول وأستأنس به حتى انام..
جئت لتغطية حدث” يوم الحرية” كنت أنت من يسير الجلسة ويشرف على اللقاء،حينما رايت اسمك على يافطة المنصة “نجلاء كريم” عرفت انك ابنة شهيد الوطن. ما الذي شدني اليك؟ أصلك وانتمائك لأسرة عريقة في النضال ؟ام شخصيتك القوية والفاتنة حد الجنون؟ أم لغتك المنسابة والآسرة؟ أظن أن كل ذلك هو ما جعلني متيما بك.
اقنعتك بالارتباط بي. ولم أستطع رغم مرور أربعة سنوات في إقناعك ان ننجب أطفالا كان مبررك دائما انك تريدين إنجاب أطفال في وطن حر. وحينها ادركت انه لا خيار لي سوى ان يتحرر الوطن لكي يكون لي أطفال منك كما أريد.
أتمنى أن تزيدك رسالتي هذه إصرارا على الاستمرار .أبلغي الهيآت الحقوقية والدولية باختفائي واني ما زلت على قيد الحياة. اتمنى ان يضغطوا لتحريري و تحرير من معي

حبيبتي

الحارس يستعجلني للانتهاء من التحرير. لا أريد ان انتهي من الكتابة و الحياة دون ان أعيد تذكيرك باني أحبك ، وأن حبي لك وللوطن سيان. لقد استوطن حبك كياني وحررني من كل شيء؛ من الخوف والتردد. يكفي أن أستحضرك في ذهني حتى أكون متحررا من كل القيود التي ارزخ تحتها الآن. الحرية فكرة كما كنت تقولين لي دائما ولا يمكن للأحرار ان يكونوا عبيدا ولو أسروا…
حبيبتي لا اريدك أن تبكي سواء عدت أو لم أعد لأنني باق منك وفيك الى الأبد.

 

بقلم: عبد الحق مفيد

أضف تعليقك هنا